انتفض الكثيرون للقبض المهين علي رجل الأعمال الشهير أ/ صلاح دياب ونشر صور القبض لأن أمثاله من كبار السن والقدر لا يجوز أن يعاملوا بهذه الطريقة التي قد تصلح لمعاملة المجرم أو الإرهابي الذي يحمل سلاحا أو يزرع متفجرات. وهذه الانتفاضة صحيحة وإيجابية ومفيدة للدولة وللإنسان المصري.. ولكن الكثير من أساتذة الجامعات والعلماء وكبار السن من التيار الإسلامي من الذين لم يمارسوا عنفا أو يؤيدوه قبض عليهم بطريقة أكثر إهانة وقسوة وجفوة من ذلك وبعضهم قد يضرب أو يشتم ثم تتضح براءتهم بعد ذلك أو يخرجهم القضاء لبراءة ساحتهم.. فياتري من لكرامتهم التي جرحت وذلهم بين زوجاتهم وأولادهم وجيرانهم وأحيانا تلاميذهم.. فهل نهتم بالجميع دون استثناء.. فقد كرم الله الإنسان عامة وهذا هو الأصل ولا يزول هذا التكريم إلا لضرورة وقتية قاهرة.. قال تعالي ولقد كرمنا بني آدم. ومنذ عدة أيام انتفض الكثيرون لإذاعة فيديوهات إباحية تخص المخرج والنائب البرلماني/ خالد يوسف.. وهذه الانتفاضة صحيحة سواء كانت هذه الفيديوهات صحيحة أم خاطئة أو مفبركة.. فكل الناس لهم عوراتهم ونشر عوراتهم للناس يشجع علي الرذيلة ويحض عليها, ولا يحض المفضوح علي التوبة والأوبة.. وقد يهدم بيوتا وأسرا. ف الستر حياة كما دأبت طوال حياتي أن أعلم تلاميذي.. فالستر يحيي العاصي والمجتمع ويرقيه وينميه ويعصمه.. والستر لا يتناقض مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل يكمله ويعضده.. أما الفضيحة والتشهير فهي تهدم المجتمع وتجعل العاصي يستمرأ معصيته. وقد شرع الله الستر والتوبة حتي لا يتمادي العاصي في غيه.. فإذا فضحته أو أغلقت عليه أبواب التوبة استمر في معصيته كالرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا فلما أغلق عليه العابد باب التوبة قتله وأكمل به المائة.. ثم بحث بعد ذلك عن التوبة فكأن قلبه معلق بالتوبة إلي الله رغم عظم معصيته. وقد أحضر رجل إلي رسول اللهصلي الله عليه وسلم رجلا كان يزني فقال للذي أحضره وقبض عليه: هلا سترته بثوبك أي قبل أن تأتيني به.. أما إذا جئت به للحاكم أو القاضي أو الجهات المختصة فلا مناص من تطبيق القانون.. فالرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن يهوي فضح الناس أو التجسس عليهم أو إشاعة الفحشاء بينهم.. وهو الذي نهي عن التجسس بقوله لا تحسسوا ولا تجسسوا وكونوا عباد الله إخوانا وكأن الناس لن يكونوا عباد الله إخوانا إذا تجسسوا ونشروا المكالمات الخاصة بين الناس.. أو أذاعوا ما يسمي الآن ب التسريبات التليفونية.. فمن من الناس ليست له هفوات وكبوات وشطحات وخصوصيات وكبائر سترها الله عليه رحمة به وشفقة عليه إن لم يكن من أجله فلربما من أجل والديه الصالحين أو لعمل صالح عمله. فأغلب الناس لا يعرفون الكثير عن عظمة الله ورحمته وشفقته بعباده وهو الذي يعلم السر وأخفي.. ولكنه يستر دائما علي عباده ويحب من يستر عليهم ولا يفضحهم.. ولكن الإنسان قد يفضح نفسه أحيانا.. أو يفضح آخرين في أحيان كثيرة والله لو هتك الله ستر الناس لافتضحوا.. وما افتضح أحد في الدنيا إلا إذا هتك الستر الذي بينه وبين ربه فيهتك الله الستر الذي بينه وبين الناس. وإذا كان الجميع قد انتفضوا من أجل خالد يوسف وهذا أمر صائب فلماذا صمتوا وسعدوا وصفقوا حينما كانت بعض الصحف تنشر أثناء الانتخابات الأخيرة كل يوم ما يسمي فيديو جنسي لمرشح حزب النور في الإسماعيلية أو في الدقهلية أو في كذا وكذا.... فهل هؤلاء أعراضهم وكرامتهم مهدرة.. وهل هناك دولة قانون تكون لقوم دون آخرين وهل القانون يستيقظ لأناس وينام عند آخرين. لقد ماتت المبادئ في مصر فأغلب التيار الليبرالي والاشتراكي واليساري والإسلامي مع المؤسسات الحكومية لا يهتمون بالحريات إلا إذا مستهم القيود.. ولا يهتمون بفضيلة الستر إلا إذا مستهم الفضائح.. ولا يعرفون عظمة وفضيلة ستر العورات التي جاءت بها كل الأديان إلا حينما تطال الفضيحة بعض أحبتهم. إن مصيبة الإعلام المصري أنه يقدم دائما أرباب إذا خاصم فجر.. ويغفل دوما عن أهل الإحسان والستر والفضيلة. فمتي يعيش هؤلاء يوما ما مع قولة عيسي عليه السلام رسول المحبة وهو يوبخ المبتهجين بالقبض علي زانية والرغبة في رجمها قائلا من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر ليكسر كبرهم وغرورهم وادعاءهم الكاذب للعصمة.. فرب ذنب تذل به عند الله أعظم من طاعة تدل بها علي الله.. وهذا يتطابق مع قول النبي ص هلا سترته بثوبك لأنه لا يريد فضحه ويبغي ستره.. ولا يريد إقامة الحد عليه.. فهو لا يفرح بفضيحة الناس ولا يشمت في معاصيهم.. ولا يريد عذابهم في الدنيا.. فربما يتوبون وحدهم إلي ربهم. لقد كنت أعجب كثيرا حينما كنت أري صحيفة مصرية أيام الانتخابات البرلمانية الأخيرة تكتب عنوانا كبيرا لصفحتها الرئيسية فضيحة جنسية جديدة لحزب النور غافلة عن كل قضايا الأمة الرئيسية ومهملة الانتفاضة الفلسطينية في القدس والضفة وغافلة عن أخطر القضايا. إنني أتحسر علي الإعلام المصري حينما أقارن بين بعض صحفنا المشهورة بفبركة الأخبار والفضائح وجريدة الحياة اللندنية مثلا.. أو بعض قنواتنا بالBBC. إن أزمتنا الحقيقية أن الحريات والستر وحقوق الإنسان نريد أن تخص مصريين دون غيرهم.