علي غير توقع, أفصح الرئيس الأمريكي رقم41, جورج بوش الأب,عن آرائه القاسية في أهم رجلين في إدارة ابنه, الرئيس رقم43; وهما ديك تشيني نائب الرئيس ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع. فبحسب المقتطفات التي نشرت من سيرة ذاتية ستصدر قريبا, إعتبر بوش الأب تشيني إنسانا متصلبا, حمارا حديديا علي حد وصفه, ميالا للهجوم ونزاعا لاستخدام القوة لتنفيذ السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط, معللا ذلك التصلب بأنه من تأثير زوجته وابنته وكلتيهما محافظة متشددة. أما رامسفيلد فوصفه بوش بالمتعجرف وبأن أداءه ومواقفه أضرت بالرئاسة, أي بجورج بوش الابن. ورغم أنه لم يعف إبنه من المسئولية إلا أنه لم يسترسل في انتقاده كما فعل مع الرجلين. ومن غير المستبعد أن تكون هذه التصريحات محاولة من بوش الأب- الرجل الذي يبلغ الحادية والتسعين من العمر ويمثل تيار الجمهوريين المعدل- لتصفية حسابات قديمة مع تشيني ورامسفيلد ويمثلان تيار المحافظين الجدد. فقد بدأ التنافس والاختلاف بين بوش الأب ورامسفيلد مثلا منذ فترة حكم الرئيس جيرالد فورد في السبعينات, عندما كان رامسفيلد رئيسا لهيئة العاملين, وعين بوش الأب ذو الخبرة العتيدة في مجال المخابرات, مبعوثا في الصين. ويقال إن فوز بوش بعد ذلك بمنصب نائب الرئيس ريجان عام1980, كان لطمة قاسية لرامسفيلد الذي اعتقد أن اتجاهاته اليمينية تجعله الأقرب لريجان والأجدر بالمنصب. وعندما فاز بوش الأب بالرئاسة عام1988 جاء بديك تشيني, تلميذ رامسفيلد, كوزير للدفاع. ورغم عدم وجود خلافات حادة بين بوش الأب وتشيني إلا أن حرب الخليج الأولي مطلع التسعينات كشفت تناقضات عميقة بينهما. وربما كانت هذه الانتقادات محاولة من الأب لتحميل الرجلين نصيبا وافرا من مسئولية إخفاقات سياسة أمريكا الخارجية في الشرق الأوسط خلال رئاسة الابن, وهو ما لا يبدو مقنعا ليس فقط لأن أي رئيس يتحمل المسئولية التامة عن قراراته بصرف النظر عن نفوذ رجاله, ولكن لأن بوش الابن كان أيضا مهيئا نفسيا للانسياق وراء كل من تشيني ورامسفيلد. فالإبن لم يكن راضيا عن سياسات والده بل رأي أنها حذرة أكثر مما ينبغي. وظل مقتنعا بأن اللين والاعتدال كلفا بوش الأب خسارة انتخابات عام1992 لصالح منافسه السياسي المغمور آنذاك بل كلنتون. وبحسب طبيعة تكوينه اتسمت شخصية بوش الإبن بالميل للمخاطرة والجنوح لاختيار أقصي البدائل وتحقيق الأهداف الكبري دون الصغري. فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية عام2001 مثلا, اتخذ قرار غزو أفغانستان لمحاربة القاعدة, ثم انساق وراء خطط تشيني ورامسفيلد وثالثهما بول وولفوتز لشن حرب علي العراق لاقتناعه بأن محاربة القاعدة هدف صغير, لكن شن حرب كبري علي الإرهاب هدف أعظم ولن يقل في أهميته التاريخية عن الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة. وتعكس السياسات التي اتخذها بوش الابن أيضا نزعته لاتخاذ المواقف دون تدبر العواقب, وهو ما عبر عنه شخصيا عندما قال إنه لايتصرف وفق قواعد اللعبة وإنما بما يمليه عليه إحساسه! وهو مسلك يؤدي غالبا إلي نتائج كارثية عندما يتعلق الأمر بشن حروب علي دول أخري دون مبررات منطقية وأخلاقية. ولعل كل الأخطاء التي سيذكرها التاريخ لبوش الابن من اندفاع وحماقة وعدم إدراك للعواقب تعود في جانب كبير منها لرغبته الجامحة في أن يثبت أنه مختلف عن بوش الأب. ولعل هذا هو الهدف الذي استطاع أن يحققه بنجاح منقطع النظير.