لا يزال في ضمير بريطانيا نفس. بينما لا حديث للناس في أوروبا غير الحرب في سوريا, وتنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط, وطوابير المهاجرين الذين يدقون, بإصرار, أبواب بلادهم, لم ينس البريطانيون الحرب في فلسطينالمحتلة. الاحتجاج بالتظاهر في ساحات المدن وأمام البرلمان ومقر الحكومة والسفارة الإسرائيلية ليس هو أداتهم الوحيدة للإبقاء علي الضمير حيا. بفضل انتفاضة الفلسطينيين اليائسين بسكاكينهم, في أراضيهم المحتلة وداخل الخط الأخضر( إسرائيل), يئن هذا الضمير ألما. واستحالت دموعه تبرعات لمنظمة حملة التضامن من الشعب الفلسطين, المدعومة من عشرات منظمات وجماعات حقوق الإنسان ومناهضة الحرب والعنصرية والعنف, ومشاركة فاعلة في حملات ضد نفاق الحكومة ووزرائها المصرين علي الدعم الأعمي لإسرائيل. صور الشبان الفلسطينيين وهم ملقون علي الأرض ينزفون حتي الموت, وبقايا المنازل التي يهدمها جيش الاحتلال في الضفة الغربية, والرصاص المتطاير من علي الحدود باتجاه قطاع غزة مستهدفا الفلسطينيين المتضامنين مع أخوتهم في الضفة, والجنود الإسرائيليين وهم يرفعون السلاح في وجه الأطفال والنساء, ويفرون رعبا من سكاكين الشعب المقهور تحت الاحتلال, غذت الغضب في بريطانيا. وهيأ لأنصار الفلسطينيين وأصحاب الضمائر اليقظة في بريطانيا مناخا للعودة بالصراع إلي الأصل: الاحتلال والاستعمار العسكريين الإسرائيليين المدعومين غربيا وبريطانيا وأمريكيا. يرجع أنصار إسرائيل, في الإعلام والحكومة والبرلمان والأحزاب, في بريطانيا, الصور المفزعة التي تتدفق من فلسطينالمحتلة يوميا إلي الإرهاب الفلسطيني. وينفق هؤلاء الكثير لإقناع الرأي العام بأن الإرهاب, الذي يشغل العالم وحتي الدول العربية, هو أصل المشكلة ويهدد إسرائيل وشعبها اليهودي. أما الاحتلال فهو قضية ثانوية. في عام2009, أبدي أيفن لويس, وزير شئون الشرق الأوسط في حكومة العمال حينذاك, في مقابلة أجريتها معه, حماسا غير محسوب لحملة إسرائيل التي تصور عمليات الاستشهاد واستهداف جنودها بالأراضي الفلسطينيةالمحتلة علي أنها إرهاب يحصد أرواح المدنيين الأبرياء. فسألته: إذا كانت المقاومة المسلحة للاحتلال العسكري إرهابا يستهدف أرواح إسرائيليين, فهل تدين حكومته أيضا الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي يدمر يوميا حياة شعب بأكمله. فظل السياسي البريطاني يلف ويدور بعبارات مثل: بريطانيا تطالب إسرائيل دائما بالعمل علي تحسين حياة الفلسطينيين, والمفاوضات هي طريق التسوية الوحيد, ولا تسوية سوي التفاوض بشأن حل الدولتين. بعد ست سنوات, زاد موقف الحكومة البريطانية السياسي والدبلوماسي تجاه الفلسطينيين سوءا. فلم يصدر عن أي مسؤول, بداية من رئيس الوزراء وانتهاء بأصغر دبلوماسي بريطاني, أي إقرار بأن المشكلة في الاحتلال, أو مطالبة, ولو علي سبيل الاستهلاك الإعلامي, لإسرائيل بأن عليها أن تنهي الاحتلال. وفي آخر تقرير عن إسرائيل والأراضي الفلسطينيةالمحتلة, أبدت الخارجية البريطانية قلقا للغاية من الزيادات المستمرة في الاستيطان... وعمليات الهدم الإسرائيلية للبنايات الفلسطينية. ولكن التقرير لم يشر أبدا إلي الاحتلال بل هنأ إسرائيل ب ديمقراطيتها الحية. وخلال عرضه أمام مجلس الأمن, في شهر أبريل الماضي, لتصور بلاده بشأن الوضع في الشرق الأوسط, قال سير مارك ليال جرانت مندوب بريطانيا, لم يشر علي الإطلاق إلي الاحتلال. وكل ما قاله بشأن إسرائيل هو: علي إسرائيل وقف خطواتها لبناء المستوطنات غير القانونية, وهي خطوات غير ضرورية نهائيا, يبدو أن الهدف منها هو تقويض حل الدولتين. ورغم أن سير مارك سرد لمجلس الأمن عدد الوحدات الاستيطانية( التي هي في الواقع استعمارية) الإسرائيلية اليهودية المقامة علي أراضي الفلسطينيين خلال الشهور الأخيرة, فإنه كان ناعما لدرجة أنه لم يدن إسرائيل حتي بكلمات دبلوماسية. وركز هذا التدليل الرسمي لإسرائيل الصديق المقرب المحتل, معتاد الانتهاك المنظم لقرارات الأممالمتحدة والقانون الإنساني, ضمير البريطانيين. فوقع منهم112 ألفا و657 شخصا علي عريضة ترفض زيارة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل لبريطانياواعتقاله خلال الزيارةفي شهر سبتمبر الماضي. لم تستجب الحكومة. ورفضت لجنة الالتماسات البرلمانية نشر التماس آخر, لأخذ رأي الناس فيه, بشأن ضرورة إحياء ذكري700 عسكري ومدني بريطاني اغتالهم في فلسطين إرهابيون يهود بين عامي1944 و.1948 لم ييأس أصحاب الضمير. وشرعوا, بتخطيط حملة التضامن, في المراقبة الدقيقة وفضح كل تحيزات الإعلام والسياسيين والبرلمانيين لصالح إسرائيل التي تصور أحيانا علي أنها تحت الاحتلال الفلسطيني. واشتدت كذلك حملات مقاطعة إسرائيل رغم كل مقاومة الحكومة البريطانية الشرسة لها. ووقع600 فنان وأديب وكاتب علي عريضة تؤيد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل. وقالت العريضة للبريطانيين إنه حتي جماعات حقوقية إسرائيلية تعتبر أن عام2014 أكثر السنوات وحشية ودموية في تاريخ الاحتلال وأن النكبة الفلسطينية( التي وضعت بريطانيا حجر أساسها) مستمرة, ولكن الحكومة البريطانية تحرص علي حماية إسرائيل حتي من المقاطعة التي هي وسيلة سلمية تحاول إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية, كما تقول سارة كوربن, مديرة حملة التضامن. تحت هذا الضغط, كتب توبياس إيلوود وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية رسالة, ردا علي خطاب احتجاج تلقاه من حملة التضامن, تقول الحكومة البريطانية تتفهم وتشارك الشعور بالإحباط العميق تجاه الافتقاد إلي حدوث تقدم, كما تتفهم عدم مقبولية وضرورة عدم دوام الاحتلال... إن تسوية عادلة ودائمة تنهي الاحتلال وتحقق السلام للإسرائيليين والفلسطينيين تأخرت كثيرا. وبفرض جدية الرغبة في مثل هذه التسوية, فإن دعم بريطانيا المفتوح لإسرائيل المحتلة يؤكد, بوضوح, العكس,وهو أحد أسباب هذا التأخير. ولكن السياسيين البريطانيين يصرون علي عدم الإقرار به.