ترجع أهمية الإستراتيجية القومية الي كونها العامل الفعال والرئيس في توجيه موارد الدولة نحو النهايات المطلوبة أي نحو تحقيق الأهداف المخططة. وحول هذا المفهوم يمكن القول بان موارد الدولة من القوي البشرية والموارد الاقتصادية والأسلحة والمعدات ليست الا أرقام إحصائية أو إمكانيات متاحة موقعة علي خرائط علي سبيل الحصر والتحديد أو مادة للدراسة لادخالها في مجال المقارنة أو التقييم أو أنها مخزون لدي الدولة وحتي تتحول هذه الإمكانات أو هذه الموارد الي قوة قومية فلابد من إعدادها للاستخدام واستخدامها وتوجيهها نحو النهايات المرغوبة التي تحقق صالح الدولة وأهداف الأمن القومي لها. قياسا علي ذلك فإذا تساوت دولتان في الموارد فان الدولة ذات الإستراتيجية الأفضل والأنسب- تكون أكثر كفاءة وقوة من الدولة الاخري..كما إننا نهتدي من هذا السياق إلي أن القوة القومية لدولة ذات الإستراتيجية القومية الشاملة أفضل من الدولة التي ليس لها إستراتيجية قومية..وهذا بدوره يوضح لنا قيمة وأهمية الإستراتيجية القومية الشاملة كما أنها تعمل علي ترقية وتطوير الموارد لتستمر في العطاء كما أنها تحافظ علي قوة الدولة وتعمل علي تحسينها وزيادتها. قام كثير من علماء ومفكري العلوم الإستراتيجية ومنهم المفكر الامريكي كلاين في كتابه تقييم القوي العالمية عام1977 ضرورة الإستراتيجية القومية الشاملة وأعطاه من الأهمية الكثير فجعلها عامل جذب في معادلته لحساب القوي القومية للدولة والتي سنذكرها هنا ليس بغرض تحليلها أو دراستها ولكن للاستدلال منها علي أهمية الإستراتيجية القومية والمعادلة هي: القوة القومية الشاملة=( الكتلة الحيوية+القدرة الاقتصادية+القدرة العسكرية)(الأهداف الإستراتيجية+الإرادة لتحقيق الإستراتيجية القومية) فإذا تصورنا إن دولة تمتلك من الموارد الطبيعية والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية الكثير فان حاصل جمعهم كبير في نفس الوقت ليس لها إستراتيجية قومية أي أنها صفر فتكون النتيجة الحتمية هي صفر حيث إن أي حاصل جمع مهما كان حجمه مضروباصفر فهو يساوي صفر وهذا أيضا يوضح بجلاء قيمة وأهمية الإستراتيجية القومية كأحد المكونات الرئيسية والهامة للقوة القومية للدولة وقد أصاب كلاين في إعطاء هذه الأهمية للإستراتيجية القومية. وتمثل الإستراتيجية القومية رؤية الدولة لمستقبلها في الفترة المخطط لها وما ترغب في تسخير مواردها من اجله فلا تدع نفسها ومستقبلها نهبا للأقدار ولا تكون حركتها وتصرفاتها مجرد ردود أفعال بحته لما يدور حولها من أعمال بل تمزج بين ذلك وبين ما ترغب هي في عمله وتحقيقه بما لديها من امكانات لمتاحة وإستراتيجية واعية وهنا يمكن التذكير بالحكمة القائلة:إذا لم تخطط الصنع مستقبلك فانك تدع الآخرين يفعلون لك ذلك ولا يمكن صنع المستقبل المنشود ووضع الطموحات القومية موضع التنفيذ دون التعرف علي المتاح والممكن في موارد الدولة ووضع الإستراتيجية الملائمة والمرتبطة بمدايات زمنية محددة أي موقوتة لتحقيق تلك الطموحات ودرء كل التهديدات والمخاطر التي تعترض مسيرة الدولة نحو مستقبلها المنشود. إن عملية بناء وصياغة الإستراتيجية القومية ليست بالسهلة ولا باليسيرة ولكنها عملية معقدة ومتشابكة ومتداخلة فهي تخضع الي إعمال الفكر والعقل والتدبير بالإضافة الي الإحصاءات والحسابات والتوقعات كما أنها تسير من خلال مراحل متعددة تتسم بمختلف وجهات النظر مع اختلاف الإدراك كما أنها أيضا عملية تكوين رأي أو اتخاذ قرار عن طريق التمييز والمقارنة واستخدام الملكات العقلية وكذا حنكة القائد/الرئيس الملم بالشؤن الاستراتيجية والعمل بها لكل تلك الأسباب كان اختيار الحوار الفكري ضرورة لهذه العملية وسيتضح فيما بعد أنها عملية يشترك فيها أكثر من طرف كل له دوره وكل له فكره وإنها مباراة فكرية وعقلية الغرض النهائي لها الخروج بأفضل النتائج تحقيقا لأهداف الأمن القومي للدولة. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا