عقب التصريح الذي أدلي به وزير الخارجية السعودي, حول خطورة الموقف في لبنان, وركز فيه علي مصطلحي التقسيم والانفصال. ولايراود الباحث المدقق أي شك, أن هناك إعصارا جارفا ينتظر مستقبل لبنان وأن الأشياء تبدأ في حسباننا أصغر مما نتصور, ثم تمتد وتكبر, وكأنها كرة الثلج المتدحرجة. إن القضية أكبر من قرار الاتهام الظني, الذي توصلت إليه المحكمة الدولية, وتلوح به في وجه حزب الله, ومن إسقاط حكومة الوحدة الوطنية, وما أعقب ذلك من رفع السعودية يدها عن الوساطة, ومن نزول عناصر من حزب الله وتيار المستقبل إلي الشارع.. فما يحدث في لبنان الآن, ليس سوي فصل من القصة, قصة أطماع الصهيونية في لبنان. وهي مطامع تاريخية وليست ظرفية, تستند إلي مزاعم دينية, من خلال الاستخدام الذرائعي لما جاء في التوراة والتلمود من أساطير. وللتمثيل علي ذلك, فلنرجع إلي قول أشعيا: لأن هذه الأمة والمملكة( لبنان) لا تخدمك, تبيد وخرابا تخرب الأمم. وما ورد في سفر التثنية: كل مكان تدوسه أقدامكم يكون لكم من البرية ولبنان ونستطيع أن نستمر طويلا في ضرب مثل هذه الأمثلة الخاصة بها الكثير من أسفار التوراة, والتي تفجر الطاقة الصهيونية المتوهجة بسعير الدمار والكراهية, لكن ما أوردناه يفي بالغرض. والمهم في الأمر, أن هذه المأثورات. كانوا ومازالوا يستخدمونها في صوغ شبابهم وشعبهم, فلذلك تقيد بها زعماؤهم من هرتزل إلي نتنياهو, وآمنوا بها وكلهم ينتظر الفرصة السانحة لتحقيقها. وقد أظهر ذلك بجلاء أبو الصهيونية تيودور هرتزل في مذكراته عندما دون مادار في مقابلة تمت بينه وبين مستشار الإمبراطور الألماني: سألني عن الأراضي التي نريد, وما إذا كانت تمتد شمالا حتي بيروت أو أبعد من ذلك, وكان جوابي: سنطلب مانحتاجه. وستزداد المساحة المطلوبة مع ازدياد عدد المهاجرين. وقد لخص ديفيد بن جوريون هذه المقولة بعبارة واحدة هي: التجمع والاقتحام. وفي عام1919 كتب حاييم وايزمن الذي أصبح فيما بعد أول رئيس للكيان الصهيوني إلي ديفيد جورج رئيس الحكومة البريطانية آنذاك, محددا آراءه في الحدود الشماليةلفلسطين, أنه من الضروري أن تضم حدود فلسطين الشمالية وادي نهر اللطياني إلي مسافة25 ميلا فوق المنحني ومنحدرات جبل حرمون الجنوبية وقد ظل وايزمن هذا مثابرا علي مطالبته بلبنان في العديد من المناسبات, ومن ذلك ما أدلي به في مؤتمر( زيوريخ) عام1937 بقوله: يشكل جوار لبنان دعما سياسيا هائلا للدولة اليهودية, لبنان هو الحليف الطبيعي لأرض إسرائيل اليهودية, إذ يواجه شعب لبنان المسيحي مصيرا مشابها لمصير الشعب اليهودي في هذا البلد, مع فارق واحد هو أنه ليس بإمكان مسيحيي لبنان التزايد بواسطة الهجرة الآتية من الخارج, سيقوم جوار لبنان للدولة اليهودية حليفا مخلصا من اليوم الذي ستتأسس فيه, وليس من المستبعد أن تتاح لنا الفرصة الأولي للتوسع عند الحدود الشمالية في منطقة جنوب لبنان المتاخمة للدولة اليهودية, وذلك بالإتفاق الكامل مع جيراننا وبركتهم لأنهم بحاجة إلينا. ومما لاينبغي إغفاله, أن هذا النسق من الأفكار, يشبه عن قرب ماتفوه به ديفيد تريتش أحد دهاقنة الصهيونية العالمية عام1899. و ماكس نوردو في المؤتمر الصهيوني الخامس. وجريا علي هذا النسق من النوايا, ذكر ديفيد بن جوريون في وثيقة سرية أعدها عام1941: أن مياه نهر الليطاني يجب أن تكون مشمولة داخل حدود إسرائيل. ومنذ بواكير قيام الكيان الصهيوني, اقترن الأمل بالعمل, فما بين عامي1953 و1955, اشتدت المطامع الصهيونية في المياه اللبنانية, وجاء الدعم الأمريكي ليبرر هذه المطامع. فطلع علي العرب بمشروع جونستون الداعي لاقتسام مياه الليطاني وروافده بين إسرائيل ولبنان. وفي1954/2/27, ذكر وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك موشيه شاريت أن ديفيد بن جوريون رئيس الوزراء, وبنحاس لافون وزير الدفاع, وموشي ديان رئيس أركان الحرب, كانوا يحلمون بإنقلاب في سوريا لاحتلال لبنان. وكان بن جوريون يؤكد أنه لو احتل العراق وسوريا وهو مايبدو ممكنا فسوف تكون هذه لحظة إثارة المارونيين ودفعهم إلي أن يعلنوا دولة مارونية مسيحية, وكان بن جوريون يقدر أن لبنان هو أضعف حلقات السلسلة في جامعة الدول العربية, ويواصل كلامه مكررا ما نادي به سابقا حول إقامة دولة مارونية حسنة الإعداد وتابعة للكيان للصهيوني. واعتقد الصهاينة أن حلم بن جوريون قد أصبح قيد التحقيق عام1982, فبعد غزو الصهاينة لبيروت, صرح أحد غلاتهم: أن غزو لبنان من إرادة الله, إنها حرب مقدسة, إن ماحدث في لبنان بالغ الأهمية, لأنه يؤكد النبوءة التوراتية, إن ذلك يعني أننا نقترب من معركة( هرمجدون). ويمكننا أن نذكر في هذا السياق ما كشف عنه أحد وزراء بيجن عام1982: أن لدي إسرائيل فرصة رائعة لإنشاء نظام جديد في لبنان, والجيش الإسرائيل يجب أن يهييء نفسه للبقاء هناك إلي أمد طويل. ومن هنا وعلي هذا الأساس, نستطيع أن نتحدث عن الأخطر في الموضوع, ويتمثل في العديد من الاغتيالات التي دبرها جهاز الموساد للعديد من الرموز اللبنانية, بغية إشعال فتيل الحرب الأهلية, عندما فشل في الاحتفاظ بجنوب لبنان لمرات متلاحقة. إن المتأمل في ملابسات إغتيال رفيق الحريري يستطيع أن يدرك وبسهولة بالغة أن هذا الحدث لايقل في أهميته, بالنسبة لدهاقنة الصهيونية عن نجاح العملية العسكرية في لبنان عام1982, فالخبير الاستراتيجي موريل ميراك فايسنباخ في نشرة المخابرات التنفيذية2005/2/25 يقول في مقالة له بعنوان قتل حريري لبنان لصنع انطلاق نظيف : إن اغتيال رئيس وزراء لبنان في بيروت, تم التخطيط له بعناية, والتنفيذ تم ببراعة من أجل أن يقود لسلسلة من الأحداث في المنطقة, من شأنها أن تتطابق والسياسات بعيدة الأمد لزمرة المحافظين الجدد الذين يريدون واشنطن ولسنا نريد أن نتابع هذه الأمور التي كان آخرها تصريح رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المنتهية مدة رئاسته لهذا الجهاز, بخصوص الدور الذي قام به جهازه في سبيل بث الفتن الطائفية في مصر وسائر البلاد العربية بالتفصيل, فليس في هذه المقالة موضع لتقصي مثل هذه المسائل, ولذلك نكتفي بالإشارة إلي أن المطامع الصهيونية في لبنان, كانت قائمة منذ أخذت الحركة الصهيونية تعد العدة لإنشاء الكيان الصهيوني, وأن جهودها لم تنقطع في أي وقت من الأوقات, بحكم العقيدة الصهيونية والخطاب التوراتي, وبحكم الحاجة الإقتصادية والمائية والأمنية, ونلتقي هنا مرة ثانية أيضا بمفهوم دولة إسرائيل اليهودية, في حدود معترف بها من الجميع, وحيث تكون محاطة بدويلات مستقلة ذات صبغة عرقية وطائفية, وخلاصة القول, إنهم يريدونها دولا تمضي معصوبة العينين, لتنفيذ تعليمات المركز الصهيوني في واشنطن وتل أبيب.