للإسكندرية تاريخ عريق, امتزجت فيه حضارات عدة أسهمت جميعا في صنع الشخصية الإسكندرانية, من هذه الحضارات كانت الحضارة الإغريقية بأساطيرها وملاحمها التراجيدية العديدة, ومن تلك الحضارة استوحيت عنوان مقالي هذا مأساة المحافظ, وبداية أنا لا أدافع عن المسيريفقد أشاد الجميع وأطنب منذ البداية في سوء اختياره محافظا لعاصمة مصر الثانية لمهاراته وقدراته المتواضعة وعدم خبرته بالعمل الإداري أو سبق اشتغاله بالمحليات أو حتي الاحتكاك بها, وقد أثبتت الأيام القليلة التي قضاها في منصبه هذا صدق ما تخوف الناس منه, فلم يشهد أهل الإسكندرية له من إنجازات سوي محاولة إعطاء الإسكندرية وجها حضاريا فحول الدور الثاني بترامالإسكندرية الشهير لكافيتيريا تقدم فيها الشاي والقهوة ورفع سعر التذكرة لخمسة جنيهات. ولكن هذا لا يمنعنا من أن نحاول إلقاء الضوء علي فضيحة الأمطار الأخيرة بالإسكندرية وما راح فيها من ضحايا وتكبدته المحافظة من مشاكل ومصروفات, فشبكة الصرف الصحي بالمدينة متهالكة وسيئة جدا, وقد تقاعس السابقون له عن تجديدها أو إحلالها بأخري جديدة أو دفعتهم الظروف التي تمر بها البلاد لذلك, هذا فضلا عن زيادة الفضلات التي تصرف من خلالها في السنوات الأخيرة بفضل تسابق الجميع في إقامة أبراج سكنية مخالفة بلغت في الإسكندرية وحدها قرابة الثلاثين ألفا وتفوق الواحدة منها العشرين دورا في شوارع وحارات دون أن يتواكب معها توسعة لشبكة الصرف الصحي كي تتمكن من استيعاب كل الصرف الصحي لهذه العمارات, بل بقيت علي سعتها القديمة بفرض كفاءتها, وهذه أيضا ليست مسئوليته وحده بل مسئولية من سبقوه, وقد زاد من الطين بلة, كما يقولون, أن مياه الأمطار وهي غزيرة جدا بالإسكندرية تصرف من خلال تلك الشبكة أيضا دون أن يكون لها شبكة صرف مستقلة. وقد أشار تقرير رئيس الوزراء الذي عرض علي الرئيس إلي الأسباب التي أدت إلي وقوع تلك الأزمة, موضحا أن مياه الأمطار استمرت في الهطول بشكل متواصل لمدة9 ساعات وبمعدلات غير مسبوقة, حيث بلغت3.2 مليون متر مكعب خلال3 ساعات فقط منذ التاسعة صباحا وحتي الثانية عشرة ظهرا, وهو المعدل الذي يفوق ستة أضعاف كميات الأمطار المعتادة في الإسكندرية علي مدار أربع وعشرين ساعة. ويعلم الجميع ما تعانيه المحليات من سوء حالة وترهل وتكاسل في الأداء وفساد وصل لحد الركب, علي مستوي الجمهورية وليس الإسكندرية وحدها, وهو ما أظهره بصورة واضحة تدخل القوات المسلحة لحل هذه الأزمة, فهي تتمتع بالانضباط وسرعة الأداء وكفاءته, فضلا عن تملكها لمعدات حديثة وذات كفاءة عالية وصالحة دوما للعمل, استخدمتها القوات في شفط المياه وإزالة أكوام القاذورات التي كانت تساعد علي زيادة إعاقة تصريف مياه المطار, وتلك جميعها ما تفتقده المحليات. والإسكندرية شوارعها ضيقة وبتغرق كل سنة مع المطر, كما ان الشوارع مليئة بالقمامة وتجربة أطول مائدة إفطار علي الكورنيش التي أقيمت في رمضان الماضي تحولت لأطول مقلب زبالة في موسوعة جينيس. ومرة أخري أنا لا أدافع مطلقا عن هذا المحافظ أو عن سلبياته الأخري التي يعرفها السكندريون أكثر مني.. لكن إقالته بسبب الأمطار شيء مضحك.. والنوات الجوية قادمة أكثر وسنضحك وننكت تاني علي فينيسيا البحر الأبيض المتوسط.