نفق كليوباترا لا بطل، قدم هاني المسيري استقالته من منصبه محافظاً للإسكندرية، بعد موجة من الغضب الشعبي العارم، نتيجة فشله الذريع في مواجهة تداعيات موجة الطقس السيئة التي ضربت عروس المتوسط، وأسفرت عن مصرع ثمانية أشخاص، وانهيار عدد من المنازل، إضافة إلي تدمير المئات من السيارات والمحال التجارية، وحولت شوارع وميادين المدينة إلي حمامات سباحة. "ارحل سيادة المحافظ".. كان التلغراف العاجل الذي أرسله أبناء الإسكندرية، إلي مُحافظهم الوسيم، مؤكدين أنه أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه عنوان للفشل، فقد ترك المسيري المدينة مأوي لتلال القمامة، ولم يتحمل عناء إصلاح شبكات الصرف الصحي المتهالكة، وعشرات البيوت المُهددة بالانهيار، وتفرغ لإنشاء شبكات الواي فاي، والترام الخمس نجوم، ومائدة الإفطار الأطول في التاريخ. "عروس المتوسط" غرقت في عهد المحافظ المُستقيل، وغرقت مع شوارعها تصريحاته الوردية بأن الإسكندرية تستحق أن تكون العاصمة الأولي لمصر. فجأة جاء الشتاء، وفجأة هطلت الأمطار، وكأن سيادة المحافظ من دولة أخري لا يعرف أنه المسئول عن مدينة ساحلية، ويجب عليه أن يؤهلها جيداً لموسم سقوط الأمطار، الذي يأتيها كل عام مُحملاً بالنوات والسيول، ففوجئ المحافظ الوسيم بهذا المشهد المخجل لشوارع الإسكندرية وميادينها غارقة في شبر من المياه بسبب عدم وجود شبكة صرف صحي تستوعب سقوط الأمطار. الكارثة مأساوية حقاً، فقد لقي نحو 8 أشخاص مصرعهم جراء سقوط كابل كهرباء ترام علي مياه الأمطار، بسبب تهالكه، وافترش عدد كبير من الأهالي الأرصفة هرباً من المياه التي أغرقت منازلهم، وحرر المئات المحاضر المطالبة بتعويضات جراء ما أصاب سيارتهم من دمار، ومحلاتهم من خراب، واستخدم بعض الأهالي في مناطق أبوقير والمكس، مراكب خشبية تنقلوا بها في الشوارع التي تحولت إلي حمامات سباحة، كما أدي تساقط كرات الثلج والأمطار الغزيرة علي مختلف أحياء المحافظة مصحوبة بالبرق والرعد في حالة من الارتباك المروري الشديد علي كورنيش الإسكندرية، وفي الشوارع الرئيسية، بسبب تراكم مياه الأمطار في الشوارع، لتغرق الإسكندرية في "شبر مية" للمرة الثانية هذا العام، رغم أن هيئة الأرصاد الجوية قد حذرت من موجة الطقس السيئ التي تتعرض لها البلاد، حيث تنخفض درجات الحرارة نحو 10 درجات تقريباً. الأزمة استدعت تدخلاً من الرئيس عبدالفتاح السيسي، فصدر بياناً من رئاسة الجمهورية يؤكد أن الرئيس يتابع باهتمام بالغ تطورات الموقف بمحافظة الإسكندرية، وأنه كلف رئيس مجلس الوزراء باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة، للسيطرة علي الأوضاع، والمعالجة الفورية لكل الآثار المترتبة علي موجة الأحوال الجوية السيئة التي تشهدها المحافظة، بالتنسيق مع كل مؤسسات الدولة والقوات المسلحة، كما أكد الرئيس ضرورة توفير الرعاية اللازمة لجميع المواطنين المتضررين، وتقديم الإعانات العاجلة لأسر المتوفين. كما دعا الرئيس مجلس الوزراء لاجتماع عاجل بكامل تشكيله، بمقر رئاسة الجمهورية لبحث الموقف كاملاً في محافظة الإسكندرية. رئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، تحرك أيضاً سريعاً فغادر إلي محافظة الإسكندرية لمتابعة الأوضاع بنفسه، ووجه الدكتور أحمد زكي بدر، وزير التنمية المحلية بالمتابعة، والتأكد من العمل علي سحب المياه في أسرع وقت، ووجه أيضاً الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، بالمتابعة بعد وفاة عدد من المواطنين جراء ما تعرضت له المحافظة. وبعد ذلك كلف رئيس الوزراء، سعاد الخولي نائب محافظ الإسكندرية، بمتابعة أعمال المحافظة بصورة مؤقتة، وأعلن قبول استقالة هاني المسيري من منصبه، كما أعلن رئيس الوزراء أنه سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لنقل رئيس شركة الصرف الصحي لموقع آخر، مع تكليف رئيس الشركة القابضة للمياه والصرف الصحي بمتابعة الأعمال التنفيذية فيما يخص مياه الأمطار والصرف الصحي. الدكتور أحمد زكي بدر، وزير التنمية المحلية، كان قد أجري مكالمة هاتفية بمحافظ الإسكندرية هاني المسيري المستقيل، عنفه فيها، واتهمه بالتقصير في مواجهة الأمطار التي أغرقت المحافظة، وسط غياب المحليات التام من الشوارع لتصريف المياه، وعدم قدرة المحافظ علي السيطرة ومواجهة الأزمة وحلها سريعاً. الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، أعلنت صرف مساعدات مالية للأسر المتضررة من السيول والأمطار الغزيرة بالإسكندرية، وقالت إنه سيتم صرف مبلغ 10 آلاف جنيه لأسرة كل متوفي، إضافة إلي توفير مخيمات وأماكن إقامة لمن يحتاجها بصورة مؤقتة، مشيرة إلي أنه تم تشكيل لجنة لحصر الخسائر التي تعرضت لها بعض الأسر، ومساعدتهم وفق كل حالة، كما توجهت الوزيرة إلي محافظة الإسكندرية لمتابعة ومعرفة حجم الخسائر والأضرار التي لحقت ببعض الأسر. وشاركت القوات البحرية، والمنطقة الشمالية العسكرية لمحافظة الإسكندرية في رفع مياه الأمطار، ودفعت بعربات مجهزة لصرف مياه الأمطار، واستعادة الحياة لطبيعتها مرة أخري، وتقديم المعاونة اللازمة للأهالي المنكوبين والمتضررين. العميد محيي الصيرفي، المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، قال إنه تم إرسال 44 سيارة لشفط المياه بمحافظة الإسكندرية، كما تم إرسال 20 سيارة لشفط المياه من محافظتي القاهرة والجيزة بجانب 15 سيارة من محافظة الغربية، بالإضافة إلي سيارات شركة مياه الإسكندرية، وأوضح أن رئيس الشركة القابضة توجه ومعه مجموعة عمل تتضمن أكثر من مهندس ومسئول لمحافظة الإسكندرية وذلك لمتابعة الأزمة، وأكد أن شبكة الصرف تستوعب مليونا و400 ألف متر مكعب من المياه، ولكن الأمطار أسفرت عن وجود 3 ملايين و400 ألف متر مكعب مياه في الشوارع، وهو ما جعل الشركة تقوم بإرسال سيارات من عدد من شركات المياه لشفط المياه من الشوارع. أما مُحافظ الإسكندرية المُستقيل، فقد أصدر بياناً مع بداية الأزمة وصف فيه هطول الأمطار الغزيرة ب"الكارثة البيئية"، وقال إنه خلال زيارة رئيس الوزراء للإسكندرية تم عرض مشكلة الصرف الصحي، والتي تحتاج إلي مبلغ 75 مليون جنيه لإصلاح المحطات المختلفة، والمعدات، وإدخال شبكة جديدة تتناسب مع حجم الزيادة السكانية للمحافظة، علاوة علي تلف الطرق العامة نتيجة الحمولات الزائدة، مما يؤدي إلي تراكم المياه بها، ووعد رئيس الوزراء بتوفير المبالغ المطلوبة، وحل المشكلة في الشتاء المقبل 2016 لافتاً إلي أن الإسكندرية تستوعب 3 أضعاف كمية استهلاكها الطبيعي من مياه الصرف الصحي في حالة سقوط الأمطار، بما يمثل عبئاً شديداً علي شبكة الصرف الصحي يؤدي إلي تراكم مياه الأمطار. وعقب تقدمه باستقالته قال المسيري، إنه يتمني التوفيق لمن يتولي منصب المحافظ خلفاً له، وإنه بذل كل ما لديه من وقت وجهد، وإنه جندي في خدمة الوطن في أي موقع، وإنه حان الوقت ليُكمل الآخرون المسيرة والمهمة الصعبة. أهالي الإسكندرية أصيبوا بحالة من الصدمة والذهول من موقف المحافظ، وعدم قدرة الأجهزة التنفيذية علي التعامل مع الأزمة، فشنوا هجوماً ضارياً ضد هاني المسيري، مطالبين برحيله فوراً عن المحافظة، ودشن الآلاف من رواد موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، من أبناء المحافظة هاشتاج بعنوان "المسيري لازم يرحل"، وآخر بعنوان "غرقنا في شبر ميه"، للمطالبة بإقالة محافظ الإسكندرية احتجاجًا علي فشله في مواجهة سوء الأحوال الجوية. كما دون رواد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" آلاف التعليقات المطالبة بمحاكمة المسيري، مُعبرين عن استيائهم من تكرار الكوارث الإنسانية سنويًا في الإسكندرية بسبب سوء التخطيط في مواجهة الأزمات، بالإضافة إلي سوء شبكة الصرف الصحي، وقارن رواد التواصل الاجتماعي بالصور بين الإسكندرية وباريس في مواجهة الأمطار، قائلين "إسكندرية عايزة سباك مش مُحافظ".