زاد عدد الملحدين والمرتدين فى مصر، بعد أن كانت تتصدر الدول الأكثر تدينًا فى العالم، - وفقًا لاستطلاع معهد جالوب، الذى أجراه عام 2009 - لتصبح الآن فى مقدمة دول المنطقة الأكثر إلحادًا بعدد قدرته مؤسسة "بورسن مارستلير" بنيويورك بأكثر من مليونى ملحد فى ال10سنوات الأخيرة! ورغم تشكيكنا فى مصداقية نتائج مراكز الاستطلاع الأمريكيةوالغربية الخبيثة، إلا أن اعتراف الأزهر والكنيسة - بعد سنوات من الصمت - ، بانتشار هذا "الوباء" بين الشباب المصرى، وخروج الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، علينا بتصريح يؤكد فيه أن "الإلحاد " لم يعد موضوعًا هامشيًا، بل من التحديات الكثيرة التى تواجه البلاد الآن. واللافت أنهم أصبحوا يجاهرون بإلحادهم عبر صفحات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعى، بل وتستضيفهم فضائيات مصرية مشبوهة ومعروفة بانتمائها للتيار المناوئ للإسلام، أو مقربة من بعض الأنظمة والأحزاب صاحبة توجهات عقائدية فاسدة، بزعم انها لا تعارض الدين، وانما ترفض استخدامه كنظام سياسي! وما يثير القلق بشأن الترويج للإلحاد أنه يعكس تنامى الأفكار المتطرفة بمصر، وإخفاق التيار الوسطى كبديل للتيار الإسلامى المتشدد، وانتشاردعاوى حق يراد بها باطل وهى "حرية العقيدة"، و"حرية الإبداع"، وتبنى بعض الإعلاميين الجهلة بثوابت الدين الإسلامى، الهجوم على كتب البخارى ومسلم فى الحديث، وامتد التطاول إلى قيام البعض بالتشكيك فى السنة النبوية والتحدث عن قصص مبتذلة عن الصحابة مدعية أن" محمد رسول القرآن" غير" محمد رسول السنة "! و الخطورة الأكبر، انه فى مقابل ذلك، روج البعض ل"إسلام علمانى" ملىء بالخرافات والإسرائيليات والبدع، واعتبار كل من ينتقده من الخوارج، ويحاولون الربط المباشر بين أى معارض لدينهم وبين الخوارج وداعش بقصد تشويه جميع التيارات المعتدلة، ولإخلاء الساحة تماما أمامهم. وفى سبيل ذلك نجحوا فى استدراج الناس إلى نقاشات وجدال، وتشكيك فى ثوابت العقيدة، لأنهم يعلمون أن أخطر ما يمكن أن يواجه الإنسان نفسيا ويربك استقراره وطمأنينته أن يفقد إيمانه بالله، ودونه يتمزق القلب وتتوه الروح وتغرق النفس فى بحار العبثية والعدمية. وتزامن ذلك مع خروج دعوات رسمية وغير رسمية لتجديد الخطاب الديني، واستفحال الخطاب الإعلامى المتشنج، وظهور دعوات لمليونيات لخلع الحجاب وتصف مرتديه بالجهل والتخلف، وأن التقدم فى خلعه. فأى إسلام يريدون؟! وحتى ننجو من هذا المنعطف الخطير علينا أولا: الاتفاق على أن تجديد الخطاب الدينى ليس بضرورة دينية خالصة، وإنما هو ضرورة حياتية مدنية. فتجديد الدين "هو فى حقيقته إحياء وإصلاح لعلاقة المسلمين بالدين، وليس تبديلاً فى الدين أو الشرع ذاته، وأن أى تجديد يقوم على إضافة لا تحكم على القديم بالهدم أو البطلان، بل تضيف الجديد الذى يحتاجه عصرالسموات المفتوحة. أما تجديد الفكر والتراث، فيتمثل مضامينه بحاجات المسلمين، ويراعى التوازن بين العقل والوحي، وبين المادة والروح، ويراعى ايضا - كما يقول مفتى الجمهورية - جميع جوانب الحياة دون إفراط أو تفريط، ودون" غلو، أوانحلال "فهو منهج الاعتدال والتوسط. ثانيا: ليس من الانصاف تحميل الخطاب الديني كل "الرزايا، كما انه ليس من الانصاف السكوت عن مظاهر العنف المتولدة من رحم الاستبداد العلمانى والصهيونى والعسكري، فالخطاب الدينى موجود قبل 1435عاما، ولو كان يبتغى إبادة البشر المخالفين له لكان فعلها قبل ذلك بفترة طويلة، كما فعل فى أوروبا المسيحية، متسببا فى هلاك ملايين البشر، ولم ينتظر ظهور تيارات أو منظمات العنف المتسترة بالدين وتغذيها دوائر مشبوهة من داخل الانظمة المستبدة، أو من الخارج لتقول: "إما نحن. أو الخراب"؟ أو تستخدمها ك"بعبع" لاخافة المجتمعات الغربية. مازلت أرى أننا نعانى من تطرف "إعلامى أكثر منه " ديني" وإذا أردنا معالجة التطرف الديني، فعلينا أولا بانتاج إعلام موضوعى قادر على التعامل مع مشكلة التطرف وأسبابها وفقا لمصداقيته ومهنيته. وكفى بالمرء خيانة أن يكون أمينا للخونة!