في كتابه البديع( رجال حول الرسول) لخالد محمد خالد الذي حوي( ستين) شخصية حول الرسول, أضاءوا الضمير الإنساني بحقيقة التوحيد وكنسوا منه الي الأبد وثنية القرون. ونري فيهم أروع النماذج البشرية. و من بين الستين رجلا أختار, الباحث عن الحقيقة سلمان الفارسي. من بلاد فارس يجئ ويخبر عن نفسه( كنت رجلا من أصبهان, وقد اجتهدت في المجوسية, حتي كنت قائما علي النار التي نوقدها, ولا نتركها تخبو. وكان لأبي ضيعة, فخرجت إليها يوما فمررت بكنيسة للنصاري, فسمعتهم يصلون فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم. وقلت لنفسي: هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, وسألت النصاري عن أصل دينهم فقالوا في الشام, فاصطحبتهم الي الشام. وحين سألت عن عالمهم الأول فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم وأصلي وأتعلم. وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, إذكان يجمع الصدقات من الناس, ليوزعها ثم يكتنزها لنفسه.. ثم مات.وجاءوا بآخر مكانه فما رأيت علي دينهم خيرا منه, فلما حضرته الوفاة أوصاني ان اذهب الي الموصل, ودلني علي عابد في نصيبين فلما حضرته الوفاة سألته, فأمرني أن أذهب إلي رجل في عمورية من بلاد الروم, فلما حضرته الوفاة قال لي: قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا يهاجر إلي أرض ذات نخل, وإن له آيات لا تخفي: فهو لا يأكل الصدقة ويقبل الهدية.. وإن بين كتفيه خاتم النبوة إذا رأيته عرفته. ومر بي ركب من جزيرة العرب فغدروا بي فباعوني لرجل من يهود بني قريظة, فأقمت معه أعمل له في نخلة, حتي بعث الله رسوله وقدم الي المدينة ونزل بقباء. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي من طعام ثم خرجت حتي جئت رسول الله بقباء, فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه, فقلت لهم إنكم أهل حاجة وغربة وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة فقال الرسول لأصحابه كلوا بسم الله وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا, فقلت في نفسي هذه واحدة.. إنه لا يأكل الصدقة..!! ثم رجعت وعدت إلي الرسول في الغد أحمل طعاما وقلت له: إني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أكرمك به هدية ووضعته بين يديه, فقال لأصحابه: كلوا بسم الله..وأكل معهم. قلت لنفسي هذه والله الثانية.. إنه يأكل الهدية..!! ثم رجعت فمكثت ما شاء الله, ثم أتيته فوجدته في البقيع قد تبع جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة ومرتديا الأخري, فسلمت عليه ثم عدلت; لأنظر أعلي ظهره, فعرف أني أريد ذلك فألقي بردته عن كاهله, فإذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة كما وصفه لي صاحبي..فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني فجلست بين يديه, ثم أسلمت. وحينما حزب المشركون الأحزاب, حول المدينة وأشار سلمان بحفر الخندق ورغم أنه كان قوي البنية اعترضته في الحفر صخرة عاتية وقف أمامها عاجزا وتواصي عليها بمن معه فلم يقدروا عليها. وذهب للرسول ليغير موقع الحفر, فحضر الرسول لموقع الحفر ودعا بمعول, وطلب لأصحابه أن يبتعدوا عن مرمي الشظايا, وسمي الله وهوي بيديه الشريفتين علي الصخرة فإذا بها تتصدع وخرج منها وهج يضئ المدينة كلها, وهتف الرسول مكبرا: الله أكبر.. أعطيت مفاتيح فارس, ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة, ومدائن كسري وإن أمتي ظاهرة عليها. ثم رفع المعول, وهوت ضربته الثانية, فتكررت الظاهرة وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء, وهلل الرسول مكبرا: الله أكبر..أعطيت مفاتيح الروم, ولقد أضاء لي منها قصورها الحمراء, وإن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضرب ضربته الثالثة, فتهشمت الصخرة, وحينها هلل الرسول وهلل المسلمون معه, وأنبأهم انه يبصر الآن قصور سورياوصنعاء وسواهما من مدائن الأرض, وصاح المسلمون هذا ما وعدنا الله ورسوله, وصدق الله ورسوله...!!! كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق, وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب. ولقد عاش حتي رأي البشري حقيقة يعيشها, وواقعا يحياه فرأي مدائن الفرس والروم.. ورأي قصور صنعاء, وسوريا, ومصر, والعراق..{ أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب}. عضو المجالس القومية المتخصصة