- تلمع يا بيه!- تمسح يا؟. مشهد آخركثيرا ما يتسلل على سطح ذاكرتى. أقف الآن محاولا نسيانه. رغم ذلك ينساب إلى مخيلتى دون عناء. تبدو صورة الأب. الوجه الأسمر والشعر الأبيض. محنى الظهر قليلا. ويبدو أكثر انحناء فى نهاية المشهد. فى الجانب الآخر الأم بملابسها الرثة يظهر عليها الإعياء. وهى تمسح الغبار عن النوافذ، والبيت العتيق يطلب التنظيم، وأجدنى فى ركن قصى. والبطن منتظرة ما تجود به أطباق "سيدى" مشهد يومى معاد أحاول نسيانه أو حجب الرؤية فلا أستطيع. كنت أنا. أقصد هو. قصير القامة. نحيل الجسد. يرتعش لدخول الهواء البارد من فتحات جلبابه. ويكاد يقع فالسماء فوقه تهتز. والرياح تداعبه. وفتحة حذائه نلتهم الأتربة. مشهد يغلب عليه طابع السخرية. "لذلك الجو المعتم بتتابع التفاصيل الخالية من لمسة ضوء". توالت خطوط السنين. لم يتغير شيء فى الموقف. "أو أى ادعاء يعلمنى ب لحظة برق. شعور قاتم لا أستبين منه مجرد نقطة انطلاق لحياة أخرى". وكثيرا ما تقع العينان على الأشياء فلا تجدها فقد ترى المذيعة، وهى تخبرك بسهرة مليئة بالسعادة. الأطفال يلعبون فى حبور. والأزهار تلف المكان. و"سيدى" جالس لم ينته بعد من عقد الصفقات، والأم تأمر بما سوف يطهى اليوم. والهاتف يرن ليكشف عن موعد قدوم الابن من أوروبا بعد شهر العسل. وفجأة ينقطع التيار الكهربى. لأفيق من رؤيتى. وكلما حاولت تذكر هذا المشهد فلا تظهر غير صورة أبى. - تلمع بابيه؟ - تمسح يا؟ جاوز الثمانين بأعوام وشهور وأيام. يضع الصندوق بجانب خصره. رابطا إياه بحبل يعتلى كتفه. ليت البيه سمح لأبى أن ينظف حذاءه. لكنه أبى. حز فى نفسى هذا. أبى الذى إذا رفع يده أنسلخ منكمشا. احتواه الزمن بكل جبروته. تشعب فيه وقبع داخله. أصبح كالبيت الآيل للسقوط. كثيرا ما وقف موقف الصمود والمراوغة يسير ويتركه وراءه يتجه صوب المحطة منتظرا ميعاد القطار. الأقدام تزحف نحوه متسخة الجبين وبإصرار لا توليه اهتماما. رضا الكاشف