هأنت ذا يا أيها الشهر الممجد، تجيء من جديد، بعد ان دار الزمان، وحان أوان حلولك المبارك، حضرت يا أكتوبر لتمسح جبين المحبطين، وتغسل نفوس المتعبين المغموسين في حمأ السنين المشردة المشتتة في مسافات الملل المترامية بلا حدود، هأنت ذا تعود، وفي يديك المباركتين تلك الأكاليل اليانعة التي بزغت أزهارها الخلابة منذ عصر ذلك اليوم البعيد، ولاتزال بساتينها تطرح الجديد في نفس الموسم من كل عام، ولم لا وقد روتها دماء الشهداء الأحياء، فمنحتها خلود أصحابها، وخصب عطائهم الطارح دوما بلا انقطاع، عدت يا أكتوبر، وفي جبينك تلمع لؤلؤة يوم السادس التي طاف بريقها بالأنحاء كلها، فمن حال إلي حال انتقلت مصر بأسرها - شبابا وكهولا وشيخوخا.. شيبا وولدانا - يوم بلغ السابحون في الدماء والنار ضفة الكرامة، وراح الظافرون يرفعون رايات العزة بعد ان تربعوا علي ربي الانتصار العظيم في أكتوبر المنتشي بعطر المصريين الاخاذ الذي صنعه مزيج العرق المخلص، والدم الزكي الشذي، والجهد المتفاني المستيقن، ولتتذكري يا مصر تلك الليلة التي باتت فيها عيونك - كعادتها منذ سنين - حزينة ذابلة، وقبعت كسيرة القلب منكمشة تلعقين جراحك، وتكتوين بنيران عارك، ولكن ذلك الصباح بدا مختلفا، شيء ما في الافق كان ينبيء بتحول، وهأنت ذا حين مضت الظهيرة ترمقين ذاك المشهد المزلزل، وجنودك يزأرون ويتأثرون، وهم يعبرون ذلك الفاصل بين الاغفاءة والصحو، بين العار والفخار، بين المهانة والكرامة، ولتتذكري صبيحة يوم السادس، حين تنفس صدرك المثقل بالاحزان نسمات فجر فريد بزغ في سطور تاريخك، وحملت ساعات ما بعد ظهيرته مفاجأة العمر، حنين تبدل الحال، وطارت الشريفة العريقة علي أجنحة نسورها إلي ذري المجد، لتستقر في عين الشمس، وتتنفس صعداء الخلاص من العار، وتستنشق - في حبور - نسمات الظفر العطرية، لذا دعونا في هذه الساعات المباركة نحيي أبناء قواتنا المسلحة قادة وضباطا وجنودا، ممن صنعوا النصر، ومن الاجيال التالية السائرة علي دربهم. عمرو الديب