كثيرا هى المرات التى نذكر فيها الدين فى سياق السياسة فى الآونة الأخيرة. والحقيقة فى هذا الترافق ربما تحتاج منا لبعض التدقيق، حتى تنضبط ولو قليلا إطارات التناول لموضوعين يشكلان أهم محاور الاهتمام للمواطن والدولة، ليس فقط فى مصر، بل فى كافة دول المنطقة العربية، فنحن جميعا فى نفس بوتقة التغيير والانتقال التى تبتلع منطقتنا على غير ميعاد أو استعداد. ومرحلة الانتقال التى نتحدث عنها، وإن جاءت على غير ميعاد، إلا أنها كانت آتية بلا ريب. وقد طال صبر الشعوب على الإدارة البدائية والشمولية المعيبة بعيوب الحكم الرديء، والتى لم تدع للمجتمعات بدا عن الانتفاض، أو بديلا عن الثورة وخلع الأنظمة. ولكن ليس هذا كل شيء. فالثورات - هكذا يحدث التاريخ - ليست عبثا، فقد تفتح على المجتمع أبوابا الجحيم، عندما تتوه بوصلة التصرفات الرشيدة ممن يتولوا الأمر، أو الثوار، أو متسلقى الثورة، ويتنازع العمل السياسى من يفتقر للانتماء، أو غير القادر سياسيا، وينفذ من خلال كل ذلك أعداء الوطن. وعندما يختلط الدين بالسياسة بشكل عشوائي. فتتحول الحياة فى المجتمع إلى تطاحن وتنافر على الغث والسمين.فى غيبة الاستنارة العقائدية لدى العوام. ثم يحدث العرق وسوريا والصومال وليبيا واليمن والدين يبكى أبنائه هنا وهناك بلا عقل أو رشد أو حكمة. ولذلك تأتى أهمية تناول محورية الممارسة العقائدية لدينا، وخطورة التحامها غير الرشيد مع الممارسة السياسية، وشتان بين الاثنين. وشعوبنا العربية تميل للتدين، والعقيدة فى وجدانها يقظة، وكل هذا لا تثريب فيه. لكن الخطورة أن يتحول الميل العقائدى إلى النشاط السياسى على حاله، دون مواءمات تقتضيها طبيعة العمل السياسى والدينى أيضا. فالممارسات العقائدية من حيث المبدأ تكون موجهة للخالق فى علاه، فنصلى ونتعبد مرضاة له، وليس لأحد من العالمين، بينما العمل والنشاط فى السياسة يجب أن يكون مكرسا لخدمة المجتمع الذى نعيش فيه كسبا لمرضاة المواطن العادى الذى يصوت فى الصناديق، وسعيا لاستمرار الوجود فى طليعة العمل السياسى بالحكم. فالتجرد للخالق فى العمل العقائدى يقابله فى العمل السياسى التزام أمام المجتمع بالعمل على خدمته وتغيير واقعه للأفضل. ويترتب على هذه الحقيقة البديهية أمور ذات شأن. أولها. أن النجاح فى أمور العمل العقائدى بطبيعتها ليس فى مقدورنا كبشر أن نقيمه أو نحكم عليه، فهى أمور يعلمها الخالق وهو الذى يحاسب عليها. بينما العمل السياسى مرجعيته هو الرضا المجتمعى، ويكون استمرار الوجود فى السلطة مقترنا بنجاحات على أرض الواقع فى حياة الناس، يقيمها الفرد العادى إيجابا بالإبقاء على القوة السياسية فى الطليعة، أو سلبا فى حال فشلها، بإفشالها فى الانتخابات وانتقاء قوة غيرها. ثم إن العمل العقائدى فيه ثبات وديمومة لوحدة الديان وأبدية عبوديته وربوبيته. بينما العمل السياسى متقلب بطبيعته. ونهج القوى السياسية فى التعاطى مع الأمور السياسية متلون بلون المصلحة والوقت والظروف. وهذا يجعل العمل السياسى أقل اهتماما بالمعايير المعنوية، فى الوقت الذى يغلب عليه الطابع الواقعى.