ألهاكم التكاثر(1) حتي زرتم المقابر(2) سورة التكاثر هذه السورة ذات إيقاع جليل رهيب عميق وكأنما هي صوت نذير يصيح بأشخاص غافلين مخمورين, أشرفوا علي الهاوية وعيونهم مغمضة, وحسهم مسحور, فهو يمد صوته إلي أعلي وأبعد ما يبلغ: ألهاكم التكاثر, حتي زرتم المقابر, وألهاكم من اللهو وهو الغفلة عن مواطن الخير, والانشغال عما هو نافع, والتكاثر: التباري والتباهي بالكثرة في كل شيء مرغوب فيه كالمال والجاه, أي شغلكم أيها الناس التباهي والتفاخر بكثرة الأموال والأولاد والعشيرة, كما ألهاكم حب الدنيا عن القيام بما كلفناكم به, حتي زرتم المقابر أي: بقيتم علي هذه الحال, حتي أتاكم الموت, ودفنتم في قبوركم, وانصرف عنكم أحب الناس إليكم, وبقيتم وحدكم. والخطاب عام لكل عاقل, ويدخل فيه المشركون والفاسقون, الذين آثروا الدنيا علي الآخرة دخولا أوليا, فالمراد بزيارة المقابر: انتهاء الآجال, والدفن في القبور بعد الموت, وعبر سبحانه عن ذلك بالزيارة, لأن الميت يأتي إلي القبر الزائر له, ثم بعد ذلك يخرج منه يوم البعث والنشور, للحساب والجزاء, فوجوده في القبر إنما هو وجود مؤقت بوقت يعلمه الله تعالي. وقد روي أن أعرابيا عندما سمع هذه الآية قال: بعثوا ورب الكعبة, فقيل له كيف ذلك؟ فقال: لأن الزائر لابد أن يرتحل, وقد نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن التهالك علي حطام الدنيا, في أحاديث كثيرة.