الغفلة واحدة من أهم التحديات التي تواجه الأمة وأركزها في عناصر أولاً: التهالك علي الدنيا والغفلة عن الآخرة قال تعالي "اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةي مَّعْرِضُونَ * ما يَأْتِيهِم مِّن ذِكْري مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثي إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ" "الأنبياء: 1-3". كلمات تهز الغافلين هزاً... الحساب يقترب وهم في غفلة!! والآيات تتلي. ولكنهم معرضون. لأنهم في اللهو والباطل والملزات والمتاع الزائل غارقون. ¢ لاهية قلوبهم ¢والقلب الغافل اللاهي عن الله صاحبه في ضنك وشقاء ولو كان في نعيم ورخاء. فالشقاء. والضلال. والضنك. والإعراض قال تعالي: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَي * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَي* وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَي" "طه: 124". أليس عجيباً أن يعرض المسلم عن الله؟!أليس عجيباً أن يقضي المسلم جُلَ عمره في غفلة عن مولاه؟! لا تزيده نِعمَ الله عليه إلا إعراضاً وعصياناً وضلالاً. ولا يزيده حلم الله عليه. وستر الله عليه إلا تمادياً واستخفافاً وإعراضاً فمن الناس من يغتر بنعم الله عليه. ويظن أن الله عز وجل ما أنعم عليه بهذه النعم إلا لأن الله يحبه.پولولا أنه أهل لهذه النعم ما أنعم الله بها عليه. مع أنه مقيم علي المعاصي. مقصر في الطاعات. ونسي هذا المسكين أن هذا استدراك له من رب العالمين. كما قال سيد النبيين في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد والبيهقي في الشُعب وغيرهما وحسنه الحافظ العراقي وصححه الشيخ الألباني من حديث عقبة بن عامر أنه صلي الله عليه وسلم قال: ¢إذا رأيت الله تعالي يعطي العبد ما يُحِب ُ وهو مقيم علي معاصيه: فاعلم فإنما ذلك منه استدراج¢ . ثم قرأ المصطفي قول الله جل وعلا: "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءي حَتَّي إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" "الأنعام: 44-45". ومن الناس من يغتر بحلم الله عليه. يظلم خلق الله وعباد الله. يصد الناس عن سبيل الله وعن دعوة الله. يرتكب المعاصي والذنوب ولكن الله عز وجل يمهله فلا يأخذه بذنوبه. لا يؤاخذه بِجُرِْمه!! فيظن هذا المسكين أن المعصية حقيرة وأن الذنب هين!! ولو كان الذنب عظيماً عتد الله لأخذه الله بهذا الذنب في الدنيا ولًَعجَل له العقوبة!! ونسي هذا المسكين أن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل كما في الصحيحين من حديث أبي موسي أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ¢إن الله تعالي يملي للظالم حتي إذا أخذه لم يفلته¢ وقرأ المصطفي قول الله جل وعلا "وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَي وَهِيَ ظَالِمَةى إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمى شَدِيدى" "هود: 102" . ومن الناس من ينصرف بكُلَيته إلي الدنيا. ويكرس لها كل وقته وجهده وفكره... بل ويجعلها كل همه ويتفاني في السعي لها ولو علي حساب الآخرة!! ومع ذلك فقد يقولون: إنا نحسن الظن بالله. ولو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. وهذا الصنف من الناس لا يعرف لله طريقاً.. لا يعرف لله سبيلا ً. إذذا ما ذكر تذكر...!! وإذا نُصحَ ما انتصح!! وإذا دَلَهَ صادق أمين علي طريق الله سَخَرِ به!! واستهزأ منه وكأن الأمر لا يعنيه!! فكل همه الدنيا... كل غايته الدنيا... انصرف بكل طاقة إلي الحياة. فهي معبوده الذي يتوجه إليه بخالص العمل. وبخالص العبادة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. مع أنه لن يحصل من الدنيا إلا ماقدر الملك له قال المصطفي صلي الله عليه وسلم وصححه الألباني بشواهده في الصحيحة من حديث أنس ومن حديث ابن عباس ومن حديث زيد بن ثابت وغيرهم أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ¢من كانت الدنيا همَه فرق الله عليه أمره وجعل فَقره بين عينيه وفرقَ الله شمْلَه ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدر له ومن كانت الآخرة همه جمع الله غناه في قلبه وجمع الله عليه شمْلَه. وأتته الدنيا وهي راغمة¢ . ألم يقل الحق جل وعلاَ: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" "الطلاق: 2". ما لكم لا توحدون الله حق توحيده؟! ما لكم لا تعبدون الله حق عبادته؟! ما لكم لا تعرفون الله حق معرفته؟! ما لكم لا تجلَون الله حق جلالته؟!! وقد حذر الله جل وعلا من التهالك علي الدنيا والغفلة عن الآخرة تحذيراً شديداً فقال سبحانه: "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّي زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ" "التكاثر: 1-2". شغلتكم الدنيا وصرفكم نعيمها الزائل فلم تنتبهوا إلا وأنتم في المقابر قد عاينتم الحقائق كلها. وفي التعبير القرآني بكلمة زرتم إشارة لطيفةُ إلي أن الميت في قبره ما هو إلا زائر وحتماً ستنهي مدة هذه الزيارة ولو طالت ليخرج هذا الزائر من القبر ليرجع مرة أخري إلي الله جل وعلا ليقف بين يديه ليري ما قدمت يداه في كتاب عند ربي لا يضل ربي ولا ينسي. من رضي بالدنيا واطمأن بها ولها. محالُ أن يرجوا لقاء الله... محالُ أن يفكر في لقاء الله.. لماذا؟! لأنه رضي بالحياة الدنيا واطمأن بها.. عمَرَ دنياه وخرَب أخراه!! فهو يكره أن ينتقل من العمران إلي الخراب. هل يقبل أحد منا أن يترك العمارة والعمران لينتقل ليعيش في الخراب والصحراء؟! مُحَال!! عَمَرنا الدنيا وخَرًبنا الآخرة. ولذا فنحن نخشي الموت ونكره الموت. لأننا نكره أن ننتقل من العمران إلي الخراب. قال تعالي: "إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" "يونس: 7". يشرب الإنسان ويَعِبُ من كؤوس الدنيا كما يشتهي. فًيُفَرَط في أمور الآخرة ويتغافل عن كل شئ يذكره بها.. لا يفكر في الآخرة.. بل إذا سمع آية تتلي خاف وغلق أذنيه! إذا سمع شريط محاضرة أو موعظة خاف وأغلق الكاسيت! يخشي أن يفتضح أمام نفسه. يخشي أن تعري نفسه أمام نفسه. فهو لا يريد أن يسمع لله موعظة. ولا يريد أن يسمع لله أمراً. ولا يريد أن يجتنب لله نهياً ولا يريد أن يقف لله عز وجل عند حَدَ!! فيا أيها الغافلون. بل ويا أيها الطائعون: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبى وَلَهْوى وَزِينَةى وَتَفَاخُرى بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرى فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثي أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ. ثم يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا. ثم يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابى شَدِيدى وَمَغْفِرَةى مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانى وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" "الحديد: 20". هذا كلام ربنا جل وعلا وقد بين المصطفي صلي الله عليه وسلم هذه الحقائق بعد ما جلاِها وبينها لنا القرآن فالقرآن يؤكد أن من غفل عن الله ومن نسي الله أنساه الله نفسه. وللحديث بقية العدد القادم