أكتب اليكم عن آثار الذنوب والمعاصي. فما تعيش فيه البشرية الآن من ضنك. وما يحياه الأفراد الآن من هم وحزن ونكد وغم وضيق رزق وأمراض وأوبئةي وبلاء إلي غير ذلك. لو سألتموني عن كلمة واحدة كسبب رئيسي لكل هذه المحن والفتن لأجبتكم بهذه الكلمة إنها الذنوب والمعاصي. ما الذي طرد إبليس من رحمة الله ولعنه؟. ما الذي أهلك فرعون وقومه؟ ما الذي أهلك قوم ثمود؟ ما الذي أهلك قوم صالح؟ ما الذي أهلك قارون وخسف به الأرض؟ ما هو السبب الرئيسي لما تحياه البشرية الآن من قلق واضطراب وأزمات نفسية واقتصادية مروعة؟ وأظن أن الفضائيات الآن قد حولت العالم كله إلي قرية صغيرة. فما يحدث هنا تراه هنالك. وما يحدث هنالك تراه هنا في التو واللحظة. البشرية الآن تعيش معني الضنك. "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلَا يَشْقَي * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً" طه:123-124. إنه الضنك. الضنك في الصدور. الضنك في الأموال والأسواق. الضنك في البيوت. الضنك في القلوب. الضنك في المعاملات. كل نعيم بين يدي المبتعد والمعرض عن الله جل وعلا سيتحول إلي شقاء وضنك. وإن رأيته في الظاهر يتقلب في ألوان النعيم. المعصية شؤم علي أصحابها من الأفراد والأمم والشعوب. شؤم عليهم في الدنيا والآخرة. أصبحنا في زمن الماديات -وأسمعوها مني ولا تنسوها- ننسي آثار المعاصي والذنوب. قد يتعرض الإنسان منا إلي محنة أو إلي فتنة أو إلي ضيق رزق أو إلي كدر ونكد وهم في القلب. أو إلي ظلمة في البصر والبصيرة. أو يشعر بوحشة لا يعلم مرارتها إلا من تذوقها. ولا يفكر أمام أي مصيبة وأي محنة. لا يخطر بباله -أصلاً- أن يفكر في المعاصي والذنوب. وهذا عندي من أخطر آثار الذنوب والمعاصي. نسيان الذنب. وقد يتجرأ الإنسان منا علي الذنب في الخلوة بينه وبين ربه سبحانه وتعالي. ثم في الجهر والعلن. ثم لما لا يجد للذنب أثراً في حياته أو في بيته أو في عمله في التو واللحظة ينسي الذنب ويتصور أن هذا الذنب هينى علي الله. وحقير لا وزن له ولا قيمة وإلا لو غضب الله جل وعلا منه علي فعله الذنب لعجل له العقوبة حال ارتكابه للذنب والمعصية. وينسي الذنب بعد الذنب. وتتراكم هذه الذنوب علي العبد حتي تهلكه. أسأل الله أن يسترني وإياكم في الدنيا والآخرة. المعصية سبب كل مصيبة فالذنوب شؤم علينا في الدنيا والآخرة. وشؤم علي الشعوب في الدنيا والآخرة. وشؤم علي الأمم في الدنيا والآخرة. أقسم لكم بالله علي منبر رسول الله لا تقع مصيبة في الأرض -مهما كان حجمها علي المستوي الفردي أو الجماعي أو الأممي- إلا بسبب الذنوب والمعاصي. يا أخي أنا أعي ما أقول. حتي ما يحدث ويسموه المتخصصون ¢بغضب الطبيعة¢. حاشا وكلا. يقولون لك ¢غضب الطبيعة¢. زلزال هنا وثلوج هنالك وبرد قارص هنا وحرارة شديدة هنالك. ويسمي بعض المتخصصون في الوسائل الإعلامية هذه الظواهر الطبيعية بقولهم ¢غضب الطبيعة¢. حاشا وكلا. بل أُصدق وقل غضب الله جل جلاله. ورب الكعبة لو يؤاخذ الله الخلق علي الأرض بذنوبهم ما ترك علي ظهر الأرض من دابة. "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" الروم:41. "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةي فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيري" الشوري:30. قال جل وعلا "ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ" الأنعام:146. فلا تتصور أن الطبيعة لها إرادة. الطبيعة لا إرادة لها بل هي مخلوق للخالق جل جلاله لا تتحرك إلا بأمره. لا تسقط حبة مطر بل لا تسقط ورقة في نخلة أو شجرة. بل ولا تتزلزل الأرض هنا بل ولا تخسف الأرض هنالك. ومن يتابع منكم الفضائيات في الأسبوع الماضي حدث خسف للأرض في مكانين علي التوالي. يرتكب علي ظهر هذه الأرض المعاصي والذنوب. فلا تسقط ورقة ولا تسقط حبة مطر ولا يسقط جليد أو ثلج ولا ينزل صقيع بارد ولا تنتشر في الأرض حرارة محرقة. ولا تغلو الأسعار ولا تكثر الفتن والمحن إلي آخر هذه الصور إلا بتقديره جل جلاله بسبب ذنوب الخلق ومعاصيهم. استدراج الله للعاصي وسأبدد شبهة في ذهنك الآن أيها الوالد الكريم وأيها الابن الحبيب حين يدور بذهنك الآن: مهلاً مهلاً أيها الشيخ فلماذا لا ينزل الله جل وعلا بلاءه علي أهل الكفر الأصليين. أنت تتهمنا الآن بأننا نعاني مما نعانيه بسب الذنوب والمعاصي. فما ردك علي ما وقع فيه أهله لا في المعصية بل في الكفر الأصلي بالملك العلي. والجواب من الحبيب النبي صلي الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه صلي الله عليه وسلم قال: ¢إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب وهو مقيم علي معاصيه فأعلم بأنه إستدراج له من الله عز وجل إقرأوا إن شئتم قوله تعالي "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ" الأنعام:44. ما الآثار يا رب. ما هي النتيجة لأولئك الذين نسوا منهجك ونسوا ما جاءت به رسلك ونسوا ما يذكر به العلماء. ما هي النتيجة؟ زلزال الأرض ... لا. الخسف ... لا. المسخ ... لا. وإنما "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءي حَتَّي إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " الأنعام:44-45. هل زالت عندك الشبهة؟ ما ترونه إنما هو استدراج. ومع ذلك فأنا أعي ما أقول حتي الغرب يعاني الآن في كل جوانب الحياة. في الجانب الاقتصادي يعاني. في الجانب الأمني يعاني. في جانب قلق النفس والاضطراب وعدم الشعور بالسعادة والراحة والسكينة والطمأنينة يعاني. كل أهل الأرض بلا استثناء يعانون والمعاناة ظاهرة. بسب بعد الخلق عن الحق. وبسب تجرأ الخلق علي الحق. وبسب مبارزة الخلق للحق بالمعاصي والذنوب في الليل والنهار. لا تتوهم أبداً أن شيئاً في الكون يقع بلا حكمة أو بظلم. لو قلت لك: يا فلان! قلت: لي نعم. قف أمام هذه الجمع. فقام فلان ثم أقول له أنت ظالم. يقول ماذا تقول؟. فأقول له أنت ظالم. يقول أعوذ بالله لم أظلم أحداً أيها الشيخ. فأقول له لم غضبت وأنا أصفك بالظلم. أليس من الخجل أن يغضب أحدنا إن وصف بالظلم ثم نتهم الله بالظلم. ألا نخجل! يستحيي أحدنا ويغضب إذا وصف بالظلم وهو ظالم حقا. وأنا ظالم حقا لنفسي علي الأقل إن لم أكن ظالم لغيري فأنا ظالم لنفسي. وقد يقع الظلم مني لغيري بعلم وبغير علم بقصد وبغير قصد ولم لا وقد قال والدنا آدم "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" الأعراف:23. وقال ذو النون النبي الكريم "لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ" الأنبياء:87. وقالها نوح وقالها موسي وقالها محمد سيدهم وإمامهم صلي الله عليه وسلم. فيغضب أحدنا إن وصف بالظلم ولا يستحي أن يصف الخالق بالظلم.