استهل الرئيس عبدالفتاح السيسي نشاطه في اليوم الثاني لزيارته إلي أديس أبابا بالتوجه إلي القصر الجمهوري, حيث كان في استقباله الرئيس الإثيوبي مولاتو تشومي. وعقد الرئيس السيسي لقاء مع الرئيس الإثيوبي الذي أكد علي فتح صفحة جديدة للعلاقات مع مصر تقوم علي بناء الثقة وتحقيق المصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة, منوها إلي أهمية تعزيز التعاون بين البلدين في جميع المجالات, ومعربا عن تطلع بلاده لتوسيع هذا التعاون إلي أقصي درجة ممكنة. من جانبه وجه الرئيس السيسي الشكر للرئيس الإثيوبي علي حسن الاستقبال والروح الأخوية الإيجابية التي تسود أجواء الزيارة, مشيدا بالعلاقات التاريخية التي تجمع بين البلدين, وأكد حرص مصر علي التعاون والتنسيق الفعال مع إثيوبيا, منوها إلي أن مصر تتعامل مع ملف التعاون مع إثيوبيا بقلب مفتوح وأياد ممدودة بالخير لما فيه صالح الشعبين الشقيقين. وصرح السفير علاء يوسف, بأن الرئيس السيسي أكد خلال اللقاء علي أهمية توظيف الزخم الايجابي الناتج عن توقيع اتفاق إعلان المبادئ الخاص بسد النهضة أمس في الخرطوم للعمل بوتيرة متسارعة والاضطلاع بالمسئولية بجهد أكبر يسهم في تطوير ودعم هذا الإعلان من أجل إرساء تفاهمات مستقرة ومستمرة. وأضاف الرئيس أن إعلان المبادئ يعد بمثابة خطوة مبدئية تستلزم المزيد من الاتفاقيات التفصيلية لتوضيح وتطبيق الخطوط العريضة التي تضمنها إعلان المبادئ, وتبديد أي شكوك إزاء سد النهضة. واستمع الرئيس أثناء اللقاء إلي عرض قدمه الرئيس الاثيوبي حول فلسفة بناء سد النهضة الذي يستهدف توليد الكهرباء في المقام الأول, حيث أوضح أن بلاده تتطلع للاعتماد علي الاقتصاد الأخضر ومصادر الطاقة النظيفة لإنتاج الكهرباء من المساقط المائية, وذلك بدلا من الاعتماد علي القطع الجائر لأشجار الغابات الذي سيؤدي إلي انتشار التصحر, ويقلل من نسبة بخر المياه مما سيؤثر سلبا علي كمية الأمطار التي تسقط علي منابع النيل الاثيوبية ومن ثم يقل الإيراد السنوي للنهر من المياه. وأكد الرئيس الإثيوبي أنه لن يتم التأثير علي حصة المياه المتدفقة إلي دولتي المصب بعد تشغيل التوربينات الخاصة بالسد وأن بلاده ملتزمة بتحقيق ذلك, مشددا علي ضرورة بناء الثقة المتبادلة بين البلدين, انطلاقا من مصيرهما المشترك, فحينما يعم الرخاء في إحدي الدول الثلاث( مصر والسودان وإثيوبيا) فإنه سيمتد إلي الدولتين الأخريين. وأكد الرئيس السيسي أن مصر تتمني الخير للجميع, موجها الشكر للرئيس الاثيوبي علي تأكيده بعدم التأثير علي حصة المياه المتدفقة لدول المصب, ومؤكدا أن التوقيع علي إعلان المبادئ بالأمس يعد خطوة علي الطريق الصحيح. وأضاف الرئيس أنه يتعين ترجمة حسن النوايا إلي اتفاقيات ملزمة تقضي علي بواعث القلق وتبث الطمأنينة في النفوس, وتترك إرثا من التفاهم والتعاون المشترك لأجيال المستقبل من شعوب الدول الثلاث, بما يمكنها من الالتزام بها والعمل وفقا لها. وقال السفير علاء يوسف, أن الرئيس الاثيوبي قد أبدي تفهما تاما وتوافقا كاملا لما أشار إليه الرئيس, معربا عن تطلع بلاده لتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين المصريين علي زيادة التبادل التجاري ودفع العمل والاستثمار في إثيوبيا. وفي هذا الصدد, نوه الرئيس السيسي إلي أن تطور واستقرار العلاقات بين البلدين يمثل في حد ذاته رسالة إلي رجال الأعمال بل إلي العالم أجمع حول أهمية تكاتف الأيدي والعمل معا لصالح الأجيال المقبلة. وفي ختام اللقاء, سجل الرئيس السيسي كلمة في سجل التشريفات بالقصر الجمهوري الإثيوبي, أكد فيها علي عمق ومتانة العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي نفس السياق عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الاثيوبي هيلاماريام ديسالين, وذلك في حضور وفدي البلدين, استهلها رئيس الوزراء الاثيوبي بالترحيب بالرئيس والإعراب عن الامتنان لزيارته لإثيوبيا والتي شهدت العديد من مظاهر الترحيب والاحتفاء من الشعب الاثيوبي, منوها إلي الفرصة الطيبة التي تتيحها لتعميق جميع مجالات التعاون بين البلدين في إطار الاخاء الذي يجمع بينهما وبما يعود بالنفع عليهما علي جميع المستويات الثنائية والاقليمية والدولية. واستعرض ديسالين قوة الروابط التاريخية التي تجمع بين البلدين سواء من خلال شريان الحياة الذي يجمع بينهما متمثلا في نهر النيل, أو علي الصعيد الديني من خلال علاقة وارتباط الكنيسة الاثيوبية تاريخيا بالكنيسة القبطية المصرية. وصرح السفير علاء يوسف, المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية, بأن الرئيس السيسي وجه الشكر لرئيس الوزراء الاثيوبي علي حفاوة الاستقبال والمشاعر الأخوية التي سادت أجواء الزيارة, منوها إلي أن عمق العلاقات تاريخيا بين البلدين يقتضي العمل الدؤوب معا من أجل تصفية تلك العلاقات من أية شوائب. وأوضح الرئيس أن إعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث بالخرطوم أمس ساهم بلا شك في بناء جسور الثقة والتفاهم بين الدولتين والشعبين المصري والاثيوبي, مشددا علي أن تطبيقه العملي يتطلب إبرام اتفاقيات أخري أكثر تفصيلا لتوضيحه وتطبيقه بما يضمن تحقيق المنفعة الاقتصادية لإثيوبيا وعدم إلحاق أي ضرر بمصر. وفي هذا الصدد, نوه الرئيس إلي أن المرحلة القادمة تقتضي إتمام إنجازات مهمة ومحددة, أهمها البدء في صياغة الاتفاقيات التفصيلية المشار إليها والاتفاق السريع علي المكاتب الاستشارية التي ستقوم بإعداد الدراسات, وتشجيع وسائل الإعلام وقادة الرأي ومراكز الأبحاث في البلدين علي تهيئة المناخ اللازم لتعزيز وتطوير العلاقات, وأبدي رئيس الوزراء الاثيوبي توافقا كاملا إزاء جميع خطوات التحرك المقبلة التي طرحها الرئيس. وذكر السفير علاء يوسف أنه تم خلال اللقاء الاتفاق علي تشكيل لجنة وزارية تعمل تحت الإشراف المباشر للرئيس السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي لبحث تفاصيل اتفاق إعلان المبادئ بغية التوصل إلي اتفاقيات تفصيلية حول جميع الموضوعات التي تضمنها, وستكون عضوية هذه اللجنة مفتوحة أمام الأشقاء في السودان للمشاركة فيها. وعلي صعيد دعم العلاقات الثنائية, أشار الرئيس إلي العديد من أوجه التعاون القائمة بين البلدين والتي تساهم مصر من خلالها في عملية التنمية في إثيوبيا سواء علي الصعيد الاقتصادي أو علي مستوي التعاون في مجال تدريب الكوادر والتنمية البشرية, حيث تم تخصيص50 منحة دراسية كاملة للطلبة الإثيوبيين للدراسة بالجامعة البريطانية في مصر, كما منحت مستشفي سرطان الأطفال57357 أجهزة طبية عالية القيمة للجانب الإثيوبي, فضلا عن تدريب150 طبيبا إثيوبيا في مجال علاج سرطان الأطفال, وقد وجه ديسالين الشكر للرئيس السيسي علي المنح الدراسية والمساعدات المصرية المقدمة لإثيوبيا, ولاسيما في مجال الصحة, منوها إلي أهميتها بالنسبة للشعب الاثيوبي. وتناولت المباحثات استعراضا لعدد من القضايا الاقليمية والدولية لاسيما ما يتعلق بقضايا السلم والامن في القارة الافريقية, فضلا عما يمثله الإرهاب من تحد جماعي يستلزم تضافر الجهود من أجل دحره والقضاء عليه. وفي ختام اللقاء, وجه الرئيس الدعوة لرئيس الوزراء الاثيوبي لحضور مراسم الاحتفال بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة, وقد أعرب ديسالين عن سعادته بتلقي هذه الدعوة الكريمة مؤكدا تطلعه للمشاركة في مثل هذا الحدث التاريخي. وأضاف السفير علاء يوسف أنه تم عقد مؤتمر صحفي مشترك عقب اختتام المباحثات ألقي فيه الرئيس البيان التالي نصه: أود في البداية أن أعرب عن بالغ سعادتي بتواجدي في هذه المدينة العريقة, أديس أبابا, بناء علي دعوة كريمة من أخي وصديقي العزيز هايليماريام ديسالين, رئيس وزراء جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية, وأنتهز هذه المناسبة للتوجه بجزيل الشكر لأثيوبيا, حكومة وشعبا, علي حفاوة الاستقبال المعتادة وعلي حسن التنظيم والإعداد لهذه الزيارة. سعدت صباح اليوم بمقابلة أخي العزيز رئيس جمهورية أثيوبيا الدكتور مولاتو تاشومي, كما سعدت بالالتقاء مجددا بأخي العزيز رئيس الوزراء لاستئناف أحاديثنا المتصلة في مالابو ونيويورك وشرم الشيخ, وتشاورنا بشأن مختلف جوانب العلاقات التي تربط بين بلدينا وشعبينا الشقيقين, وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف أبعادها وعلي جميع مساراتها. وقد تبادلنا أيضا وجهات النظر في شأن عدد من القضايا الإقليمية والدولية, لاسيما ما يتعلق بمسائل السلم والأمن في قارتنا الأفريقية. كذلك قد تلاقت وجهات نظرنا حول الخطر الداهم الذي يهدد قارتنا والعالم, وهو خطر الإرهاب الذي يمثل تحديا جماعيا يستلزم تضافر جهودنا من أجل مواجهته والقضاء عليه, حتي نحمي حاضر ومستقبل شعوبنا. فيما يتعلق بموضوع سد النهضة, نعتقد أن اتفاق إعلان المباديء الذي قمنا بالتوقيع عليه أمس في الخرطوم بالاشتراك مع السودان الشقيق يمثل خطوة إيجابية علي الطريق الصحيح نحو تعزيز التعاون بين الدول الثلاث فيما يتعلق بنهر النيل ولمعالجة شواغل كل طرف, وهي خطوة علي طريق التعاون المشترك والمصالح المتبادلة وتفعيل مبدأ تحقيق المكاسب للجميع, نأمل أن تتلوها خطوات أخري علي صعيد تحقيق هذه الأهداف التي لا تتعلق فقط بالعلاقات بين دولنا اليوم وغدا, ولكن تتعلق بحياة ومستقبل ورفاهية أجيالنا القادمة. كما اتطلع إلي أن أنقل رسالة المحبة والسلام والتعاون من شعب مصر إلي الشعب الأثيوبي الشقيق من خلال حديثي غدا أمام البرلمان الأثيوبي بمجلسيه. وقد تم الاتفاق خلال اللقاء علي تشكيل لجنة وزارية تعمل تحت الاشراف المباشر لي وللسيد رئيس الوزراء الاثيوبي لبحث تفاصيل اتفاق إعلان المبادئ; بغية التوصل إلي اتفاق متكامل حول موضوعات المياه بين البلدين, وستكون عضوية هذه اللجنة مفتوحة أمام الأشقاء في السودان للمشاركة فيها. كما تم أيضا الاتفاق علي ترفيع مستوي اللجنة المشتركة لتصبح علي مستوي القمة بدلا من المستوي الوزاري, علي أن تعقد بين البلدين بالتناوب سنويا. ونأمل في أن تسهم هذه الإجراءات في تعزيز الثقة وإزالة الشكوك والمخاوف التي قد تكون لدي البعض في مصر أو إثيوبيا, كما نرجو أن يكون اتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بالأمس قاعدة للانطلاق نحو مستقبل أفضل. وأؤكد علي أنه لا مجال للعودة إلي الوراء. أود مجددا أن أتوجه بالشكر والامتنان لأخي رئيس الوزراء ديسالين علي حسن الاستقبال وكرم الضيافة, وأدعوه لزيارة بلده الثاني مصر في أقرب فرصة ممكنة, ولاسيما للمشاركة في مراسم الاحتفال بافتتاح قناة السويس الجديدة, ولتكون زياراتنا المتبادلة تقليدا مستمرا يؤكد علي مدي الارتباط الوثيق, وأهمية وقوة العلاقات بين بلدينا, والتاريخ والمصير المشترك بين شعبينا الشقيقين.