يوما بعد يوم يتصاعد الاحتقان السياسي بين روسيا والغرب, وتتزايد نذر عودة شبح الحرب الباردة بينهما لما قبل تفكك الاتحاد السوفييتي السابق في بدايات تسعينيات القرن الماضي والتي انتهت بانفصال عدد من جمهورياته وإعلان استقلالها عنه, مع صعود الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي تصدر المشهد الدولي كقوة عظمي وحيدة, تلك الفترة التي شهدت انفراط عقد حلف وارسو في مواجهة حلف شمال الأطلنطي, وانضمام عدد من أعضائه إلي الناتو, مع ما ترتب علي ذلك من تغير لموازين القوي في القارة الأوروبية. فاللغة التي وجه بها ميخائيل فانين سفير روسيا لدي كوبنهاجن تحذير بلاده للدنمارك من عواقب انضمامها لمنظومة الدفاعات المضادة للصواريخ التي تنشئها أمريكا بالتعاون مع الناتو في أوروبا, وتهديدها بإمكانية تعرضها لضربات نووية روسية في حال الانضمام لتلك المنظومة, وتصريحاته التي قال فيها إنه لا يظن أن الدنماركيين يدركون تبعات خطوتهم بشكل كامل, وإنه إذا حدث هذا فسوف تغدو سفنهم الحربية وقواتهم البحرية هدفا للصواريخ النووية الروسية, يمثل تصعيدا كبيرا في لغة الحوار, وعودة للأجواء التي شهدتها القارة لدي نشر صواريخ كروز في عدد عواصم أوروبا الغربية في ثمانينيات القرن العشرين وما تبعها من نشر الاتحاد السوفييتي السابق لمنظومة صواريخ إس إس20 في واحدة من أهم جولات السباق النووي بين قطبي العالم وقتها( موسكو- واشنطن). ولعل خسارة السوفييت لهذه الحرب وقتها لأسباب تتعلق بالتكلفة الكبيرة جدا للحفاظ علي مركزها في السباق النووي والتي كانت تفوق قدرات الاتحاد السوفييتي للمضي قدما فيه أمام الولاياتالمتحدة هو ما يدفع الآن بروسيا بزعامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلي التشدد في لغتها مع الدنمارك كواحدة من دول أوروبا الغربية المنضوية تحت لواء الناتو فيما يتعلق بنواياها في المشاركة في منظومة الصواريخ الباليستية المزمع نشرها. السفير الروسي مضي في تهديداته للدنمارك بقوله إن انضمامها إلي درع الناتو الصاروخية سيفقد الدنماركيين المال والأمن. ورغم أن وزير الدفاع الدنماركي نيكولاي فامين سبق أن أعلن في أغسطس2014 أن قرار حكومة بلاده بشأن المشاركة في دفاعات الناتو الصاروخية ليس موجها ضد روسيا, وأنه فقط من أجل حماية نفسها ضد من وصفها بالدول المارقة والمنظمات الإرهابية والذين يمكنهم أن يوجهوا ضربة صاروخية لأوروبا وأمريكا إلا أن هذه التصريحات لا يبدو أنها لم تكن كافية لإقناع الروس بحسن نوايا الدنمارك, حيث يري المسئولون في الكرملين أن الدرع الصاروخية الأوروبية المقرر الانتهاء من نشرها بحلول عام2018 تمثل تهديدا لأمن روسيا, وبإمكانها التقليل من قدرات الدرع النووية الروسية. الجدير بالذكر أن تهديدات السفير الروسي نشرت في مقال له بصحيفة يولاندس بوستن الدنماركية التي كانت أول صحيفة أوروبية تنشر رسوما مسيئة للرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم, وقد أثار المقال ردود فعل غاضبة وتسببت في إشعال أزمة حادة بين موسكو والغرب, لن تقل بحال عن أزمة الرسوم المسيئة. وتعارض روسيا منذ فترة الدرع الصاروخية ل الناتو والتي اطلقت في عام2010 والمقرر أن تصبح جاهزة للعمل تماما بحلول.2025 وتساهم فيها الدول الأعضاء في الحلف بأجهزة رادار وأسلحة لحماية أوروبا من اي هجمات صاروخية. وتعهدت الدنمارك تقديم فرقاطة او اثنتين مجهزتين بأنظمة رادار متطورة لرصد أي صواريخ. ووصفت رئيسة لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الدنماركي ميتي غجيرسكوف تصريحات السفير الروسي بأنها تهديدية للغاية وليست ضرورية لأن الدرع الصاروخية هي مجرد أداة إنذار لأي صواريخ آتية ولا تمثل أي خطر علي روسيا علي حد قولها, مؤكدة أن تصريحات ميخائيل فانين هي طريقة لتصعيد اللهجة الكلامية بين روسيا والناتو, مضيفة انها موجهة كذلك إلي الرأي العام الروسي ولكن ذلك لا يغير حقيقة أننا لسنا خائفين, بينما أعلن وزير الخارجية مارتن ليديجارد أن التصريحات غير مقبولة.. ومبالغ فيها للغاية, يأتي ذلك في الوقت الذي وصف فيه هولجر نيلسون المتحدث باسم شئون الدفاع في حزب الشعب الاشتراكي المعارض لمشاركة الدنمارك في الدرع الصاروخية, تصريحات السفير بأنها مجنونة. ويعتقد المراقبون أن الأزمة لن تنتهي بسهولة أمام إصرار موسكو علي موقفها المتشدد من قضية الدرع الصاروخية الأوروبية, فيما الأزمة الأوكرانية بين روسيا والغرب ما زالت تراوح مكانها رغم محاولات أوروبا المكثفة لاحتوائها بالطرق الدبلوماسية.