أريد نصيبي من المليارات التي جمعتها مصر في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي.. هذا خير أرسله الله للبلاد ولابد أن يعم علي الجميع فيها من دون تفرقة. هذا هو لسان حال الملايين من المصريين البسطاء بعد اختتام المؤتمر أمس الأول الأحد, وقراءتهم وسماعهم أخبارا عن حصيلته الوفيرة من الاستثمارات العربية والعالمية, والتي وصلت وفق أقل التقديرات إلي120 مليار دولار.. ولأن المصريين يشتهرون بالذكاء والفهلوة, فقد حسبوها سريعا ليكتشفوا أن إجمالي الصفقات يتجاوز900 مليار جنيه مصري, أي ما يقرب من تريليون جنيه.. وبحسبة أبسط, فقد قسموا المبلغ علي عدد السكان الآن, وهو في حدود90 مليون نسمة, ليستنتجوا أن الفرد الواحد يستحق حوالي10 آلاف جنيه مصري.. وإذا كان متوسط عدد أفراد الأسرة خمسة أفراد, فإن الأسرة الواحدة تستحق50 ألف جنيه! أعرف أن الأمور لا تحسب هكذا.. لكن ما السبيل لإقناع المصريين البسطاء بذلك؟ كيف يمكن أن تقنعهم الرئاسة, والحكومة, ومجلس النواب لدي انتخابه, بأن الحسبة هكذا خاطئة, وبأن المشروعات التي تم الاتفاق عليها تحتاج إلي سنوات من التنفيذ حتي تتم وحتي تظهر نتائجها وآثارها الإيجابية علي حياة المواطنين العاديين, الذين لا يفهمون في الاقتصاد ولا يعملون كرجال أعمال ولا يرتدون البدل الأنيقة ولا يركبون السيارات الفارهة ولا يسكنون في كموباوندز المدن الجديدة ولا يتعلم أولادهم في المدارس الدولية؟ نعم.. نجح المؤتمر, لا ريب في ذلك, لكن كيف ينعكس نجاحه علي الفقراء والمحتاجين وسكان القري والكفور والنجوع؟ هذه هي مشكلة الرئاسة وحكومة المهندس إبراهيم محلب, فهما الجهتان المطالبتان بترجمة النجاحات التي شهدها مؤتمر شرم الشيخ إلي مظاهر تحسن تطرأ علي حياة المصريين البسطاء الذين يعاني أغلبهم من مشاكل في توفير أبسط متطلبات الحياة. يجب ألا تقتصر آثار معدلات التنمية علي رجال الأعمال كما كان يحدث قبل ثورة يناير حتي يجني بسطاء المصريين ثمار النجاحات الافتة التي حققها المؤتمر, والتي أكدها الحضور البارز للوفود الدولية والإقليمية التي شاركت في المؤتمر.. فقد قامت ثورتا25 يناير و30 يونيو لتحقيق العدالة الاجتماعية, ومواجهة تنامي الفقر والبطالة, لذلك لابد من إزالة جميع الأسباب التي أدت لاشتعال الثورتين وإشعار المصريين بتحسن حقيقي في حياتهم اليومية, وليكن مثلا انخفاضا ولو طفيفا في الأسعار, أو حتي ثباتا فيها, بعد أن أصبحت ترتفع فقط, وبات انخفاضها حلما بعيد المنال. نعم.. يتفاءل المصريون بالمستقبل, وينتابهم شعور قوي بقرب تحقيق آمالهم وطموحاتهم بعد نجاح المؤتمر, لكن لابد أن تستفيد الدولة قدر الإمكان بالمساعدات والودائع العربية وتحسن تشغيلها واستثمارها, بالإضافة إلي ضرورة اختيار المشروعات الاستثمارية التي يمكن أن تستوعب عددا كبيرا من العمالة لتوفير فرص عمل للشباب. نعم.. المؤتمر خطوة مهمة لنهضة الاقتصاد, لكن لابد أن يكون بداية وليس نهاية المطاف لأن هناك عشرات الخطوات الإضافية, ولابد أن يكون هناك تخطيط لبنية أساسية لتنفيذ مشروعات طويلة المدي تستفيد منها الدولة, وإعطاء أولوية للاستفادة من الدعم النقدي في فتح المصانع المغلقة لأنه من الأولي تشغيلها وحل مشاكلها قبل التفكير في افتتاح مصانع أخري. وكما أنه لا مفر من تقديم تيسيرات للمستثمرين من خلال الإصلاحات التشريعية والحوافز وخفض الضرائب, فلابد أيضا من مراعاة خفضها علي المواطنين البسطاء والموظفين أيضا ليشعروا بآثار التحسن الاقتصادي. الحكومة الآن تشبه أما يصرخ أبناؤها من الجوع, وتعدهم بطعام سيستغرق إعداده ثلاث أو أربع ساعات.. ولأنهم لا يستطيعون الانتظار كل هذا الوقت, فلابد من تصبيرة تعينهم علي التحمل لأطول فترة ممكنة.. المصريون في انتظار التصبيرة يا حكومة!