وكأنه مكتوب علينا أن تسرق فرحتنا؛ فما نكاد نخرج من مصيبة حتى نفاجأ بكارثة ونستيقظ على فاجعة وننام على مأساة أشد وأنكى فى سيناريو لا نجد له شبيها فى دولة أخرى فمصر تظل الدولة الوحيدة التى تحصد فيها حوادث الطرق أرواح الأبرياء عمال على بطال مع كل طلعة شمس ولا يتوقف نزيف الأسفلت أو قضبان السكك الحديدية لأسباب جد مزعجة، تتراوح ما بين الإهمال الجسيم وغياب العقوبات الرادعة والتدنى الثقافى الذى جعل أرواح المصريين رخيصة ورهينة بسائق متهور أو مدمن للبانجو و الترامادول أو عامل مزلقان مستهتر، وفى كل كارثة تنصب الصحف والفضائيات السرادقات وتعلن حالة الحداد وتدبج المرثيات والبكائيات وتنهال وعود وتصريحات المسئولين كما السيل، وبعدها تعود "ريمه لعادتها القديمة" معتمدين على أننا شعب من دون ذاكرة أو أنه طيب القلب. لقد جاءت كارثة أتوبيس الشروق الذى أودى بحياة 10أطفال فى عمر الزهور وأصاب 25 لينكأ جراح مصر التى تفقد الآلاف من أبنائها على الطرق سنويا بصورة غير مسبوقة وهو ما يفوق ضحايا الحروب والإرهاب مما جعل المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء يقول ومعه كل الحق إننا نعيش حالة حرب ضد الإرهاب والإهمال. نعم ضحايا الإهمال فى بلادى يفوقون الذين يسقطون برصاص الإرهاب الغادر الذى سلم أصحابه أنفسهم للشيطان وخانوا وطنهم وبنى جلدتهم، وراحوا يبحثون عن الخلافة الإسلامية على طريقة "داعش" فى الذبح والحرق؛ ومعروف أن بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم. ومن أسف فإن كارثة أتوبيس الشروق الأخيرة تقدم صورة مجسدة للإهمال؛ فلا المدرسة المنظمة للرحلة الكارثية اتبعت السبل القانونية وأبلغت عن وجهتها، ولا تقيدت بأن تكون الرحلة داخل المحافظة "الغربية" ولا السائق كان مؤهلا للمسئولية عن أرواح قرابة 50 نفسا، تشكل كل واحدة منها الرجاء والأمل لأسرتها، ولمجتمعها، ولبلدها، إذ ثبت أنه سلك هو وزملاؤه طريقا غير شرعية لعبور قضبان القطار ولا يغفر له أن اُثنين من زملائه عبرا من نفس المكان، مما يعنى أن أرواح هؤلاء الضحايا فى رقبة السائق والجهة المنظمة، ويبعد الحادث برمته عن شماعة القضاء والقدر. ومن الطبيعى أن تقول إحدى المعلمات المرافقة للرحلة المنكوبة إننا لم نشاهد عامل مزلقان، فموقع الكارثة ليس مزلقانا والعهدة على هيئة السكة الحديد، وإن كنا نؤيدها فى عدم فهم مبررات تأخر سيارات الإسعاف لنقل المصابين والمتوفين وهذه كارثة أخرى تضاف إلى الكوارث المعتادة. إن التعاطف مع أسر الضحايا وحده لا يكفى؛ فلا معنى لصرف تعويضات مالية لهذه الأسر المنكوبة فى فلذات أكبادها، أن كنوز الدنيا لا يمكن أن تعوض أب وأم عن فقد وليدهما فى غمضة عين، لتتبدل أفراح التلاميذ الصغار بقضاء رحلة مدرسية، إلى بكاء ونواح ودماء وأشلاء فوق القضبان فى مشهد كارثى عرفناه وألفناه، واعتدنا رؤيته منذ سنوات، سواء فى قطار أسيوط فى نوفمبر عام 2012 الذى دهس 50 تلميذا صغيرا فى رحلة مماثلة، أو قطارالبدرشين فى يناير 2013 والذى أوقع مئات الضحايا من المجندين وأخيرا أتوبيس الشروق. إننا نطالب حكومة المهندس محلب بأن تضع حوادث الطرق على جدول أعمالها شأنها شأن العمليات الإرهابية وأن تبحث لهذه الأزمة المتوارثة والمتفاقمة عن حلول غير تقليدية لأنه أصبح من العيب والعار أن نرى دماء أهلنا تسكب على الأسفلت والقضبان وكأنها دماء الأضاحى، وليس ما يمنع من استنساخ تجارب الدول الأخرى التى سبق أن قضت على المشكلة. فهل نحن فاعلون أم ننتظر حدوث فاجعة أكبر وأكثر مأساوية؟ ثم ألا تكفى الدماء التى تسيل على أيدى الإرهابيين والضالين المضلين.