يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.. هكذا تحدث القرآن العظيم مخاطبا الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين.. ولكن أكثر الناس فهم هذه الآية فهما مغلوطا فقرأوها لتتحاربوا.. أو لتتقاتلوا أو لتتصارعوا أو ليفجر بعضكم بعضا.. أو ليدمر بعضكم بعضا. لقد تأملت قصة الأمريكي جريج هيكس الذي قتل ثلاثة من أسرة عربية مسلمة بجوار جامعة نورث كارولينا دون أدني مبرر سوي أنهم عرب ومسلمون.. فقلت لنفسي: سبحان الله إنه القتل للقتل.. إنه القتل بالجنسية أو بالدين أو العنصر.. إنها العنصرية بعينها. وتأملت تلك الطفلة النيجيرية المسلمة الصغيرة التي تبلغ السابعة من عمرها والتي ألزمتها أسرتها بتفجير نفسها في سوق مكتظ بالناس في نيجيريا. فقلت لنفسي: عجبا لهؤلاء القوم الذين غاب عنهم العقل والدين معا.. فما شأن هذه الطفلة الصغيرة بالقتل والتفجير والمتفجرات والدماء والصراعات السياسية والدينية والمذهبية.. ألم يدرك هؤلاء أن مثل هذه الطفلة ليست من أهل التكليف أصلا.. بل إن المرأة عموما ليست من أهل القتال والجهاد ولا يجب عليها الجهاد الصحيح.. فما بالنا بالتفجير الباطل والفاجر في عوام الناس والمدنيين.. وهل تفجير نفسها في أهلها وذويها وبني دينها ووطنها يعد جهادا أم بغيا وظلما ؟!.. هذه الطفلة كانت في حاجة لمن يعلمها البسمة الرقيقة واللمسة الحانية واللهو البريء بدلا من التفجير والقتل. حاورت نفسي في شأن أمثال هؤلاء فقلت: إن هؤلاء الذين يفعلون ذلك لم يفهموا معني الآية العظيمة يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا.. ولم يدركوا أن التعددية والتنوع في الخلق أمرا قدريا شاءه الله لحكمة بالغة.. فالله خلق كونه متنوعا متعددا وفطر الخلق علي الاختلاف الحميد قال تعالي ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم فأي محاولة لوضع الخلق جميعا في قالب واحد أو هيئة واحدة أو دين واحد أو فكر واحد بالقوة أو المتفجرات أو القتل أو التعذيب أو السجون ستبوء بالفشل.. حتي الحضارة الواحدة ستضم أنماطا من التعددية والتنوع.. وحتي الدين الواحد سيضم أشكالا من التعددية والتنوع.. وحتي المذهب الفقهي الواحد ستكون فيه تعددية وتنوع. وينبغي علينا أن نوظف هذه التعددية الفطرية التي خلقها الله وقدرها في خلقه لخلق نوع من التعارف بين الناس جميعا والتكامل والتفاعل المتبادل بين الديانات والحضارات والأمم والمذاهب.. فتعمير الكون مثلا هدف يمكن أن تجتمع عليه الدنيا كلها.. فكل الأطراف والحضارات والأديان شريكة في الإرث الإنساني العام وعليها المساهمة بقوة في صنع الحاضر والمستقبل دون تهميش أو إقصاء أو إلغاء لأحد.. فالكون ملك للبشر جميعا ولا يخص دينا دون آخر أو أمة دون أخري.. ولذا ينبغي علي الجميع التعايش والتفاعل والتلاقح الحضاري لإثراء التجربة الإنسانية المشتركة التي تصب في خير الإنسان ونفعه. أما أن يظن الأمريكي أنه بوسعه أن يلغي حضارة المسلمين.. أو يعتقد المسلم أن من حقه إلغاء وجود غير المسلمين أو حضارتهم بحجة حمله للحق.. أو يريد السني أن يفجر الشيعة بمساجدهم أو حسينياتهم.. أو يريد الشيعة تدمير وقتل السنة وإلغاء وجودهم إذا كانوا أقلية.. أو يريد كل أهل حضارة أن يدمروا الحضارة الأخري بدلا من تلاقح الحضارتين وتلاقيهما وتبادلهما للنافع ودفعهما للضار.. وهذا التلاقح سيفرز الأفضل والأحسن وينفي الأسوأ. يمكن لكل طرف أن يعتز بدينه وحضارته.. لكن دون استعلاء طرف علي آخر.. أو سيطرة طرف علي آخر.. أو ظلم وهضم طرف لآخر.. أو انغلاق وتقوقع أهل كل حضارة علي نفسها.. أو رغبة أهل كل حضارة أو دين في تفجير وتدمير وقتل الآخرين. إنني أزعم أن البشرية كلها لو أنصتت لنداء القرآن العظيم الذي نادي الناس جميعا وليس المسلمين فحسب بالتعارف والتقارب والتلاقي والتواصل والتلاقح الحضاري والتنافس لتقديم الأفضل وتجويد وتعمير الكون وزراعة الخير في قوله تعالي يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا لو أنصتت لهذا النداء العظيم وطبقته لم يقع فيها الخراب والدمار والكراهية والدماء والأشلاء والتربص الذي نراه يملأ العالم وخاصة عالمنا العربي.