رئيس الرقابة على الصادرات: 18.8% زيادة في الصادرات غير البترولية في 10 أشهر    محافظ الفيوم يوجه بسرعة التعامل مع الآثار الناجمة عن الانهيار الجزئي بطريق كفر محفوظ طامية    الزراعة: إزالة 150 تعديا وضخ 5 ملايين بيضة.. و145 مليون جنيه إيرادات أكتوبر    اعتماد تعديل تخطيط وتقسيم 5 قطع أراضي بالحزام الأخضر بمدينة 6 أكتوبر    وزير الدفاع الإسرائيلي: لن تكون هناك دولة فلسطينية وقطاع غزة سيُجرد من السلاح    مصادر طبية في غزة: استلام 15 جثمانا لقتلى فلسطينيين تم الإفراج عنهم من قبل إسرائيل    إيطاليا ضد النرويج.. هالاند يطارد المجد فى تصفيات كأس العالم    رئيس شبيبة القبائل: نريد تحقيق إنجاز مشرف للجزائر أمام الأهلي    بث مباشر.. مباراة البرتغال وأرمينيا في تصفيات كأس العالم 2026    إصابة 5 أشخاص في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم    ضبط قائد سيارة نقل ذكي بتهمة التعدي على سيدة بالسب حال استقلالها معه بالإسكندرية    الطقس: استمرار تأثير المنخفض الجوي وزخات متفرقة من الأمطار في فلسطين    خالد النبوي: حسين فهمي أستاذ وصديق    دولة التلاوة.. مصر تُعيد تلاوتها من جديد    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    «الإسماعيلية الأهلية» تهنئ بطل العالم في سباحة الزعانف    جهاز مستقبل مصر يقود سوق القمح نحو الاكتفاء الذاتى عبر زيادة المساحات الزراعية    «تعليم الجيزة»: المتابعة اليومية بالمدراس رؤية عمل لا إجراء شكلي    10 محظورات خلال الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب 2025.. تعرف عليها    مواعيد وضوابط امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل    وزارة «التضامن» تقر قيد 5 جمعيات في 4 محافظات    القاهرة الإخبارية: اشتباكات بين الجيش السوداني والدعم السريع بغرب كردفان    محافظ الوادي الجديد يستقبل وزير العدل لتفقد وافتتاح عدد من المشروعات    جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    سماء الأقصر تشهد عودة تحليق البالون الطائر بخروج 65 رحلة على متنها 1800 سائح    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    «نوفي» و«دليل شرم الشيخ» في صدارة خارطة طريق دولية لزيادة الاستثمارات المناخية    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    منتخب مصر يستعيد جهود مرموش أمام كاب فيردي    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    الفسطاط من تلال القمامة إلى قمم الجمال    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    كفاية دهسا للمواطن، خبير غذاء يحذر الحكومة من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض استهلاك المصريين للحوم    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    أيمن الجميل: إعفاء السلع المصرية من الرسوم الجمركية الصينية فرصة لزيادة الصادرات وتعزيز القطاعات الاستثمارية والصناعية    متحدث الصحة: ملف صحى إلكترونى موحد لكل مواطن بحلول 2030    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    محمد فراج يشعل تريند جوجل بعد انفجار أحداث "ورد وشيكولاتة".. وتفاعل واسع مع أدائه المربك للأعصاب    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعددية‏..‏ حكمة إلهية

إذا كان الله عزوجل جعل التعددية سنة من سنن الكون‏,‏ وخلق العالم مختلفا في العقائد‏,‏ والأرزاق‏,‏ والاشكال‏,‏ والأجناس‏,‏ والألوان‏,‏ ليثبت للخلائق جميعا دلائل الإرادة الإلهية‏,‏ وأسرار القدرة الربانية‏,‏ بأن لهذا الكون إلها واحدا‏,‏ خلق فسوي‏,‏ وقدر فهدي‏..‏ فلماذا نجد هذه الأيام عداوة ونفورا بين المسلم والمسيحي‏,‏ والغني والفقير‏,‏ والأبيض والأسود‏,‏ والذكر‏,‏ والأنثي‏,‏ وأصحاب اللغات المختلفة الذين يعيشون في مجتمع واحد‏.‏
ان مفهوم التعددية يتضمن الاقرار بحق الاخرين في العيش معا‏,‏ وان يكونوا متجاورين في المسكن والعمل‏,‏ ومتعاونين في خدمة البشر‏,‏ مثل الوقوف ضد تيار الالحاد وتيار الاباحية‏,‏ وضد المظالم الاجتماعية‏,‏ وضد العدوان علي حقوق الانسان‏,‏ والوقوف مع الشعوب المستضعفة‏,‏ وليس الوقوف ضد بعضهم البعض كما يحدث هذه الايام‏.‏
ولكن هناك ثقافات غريبة دخلت إلي بلادنا‏,‏ لا علاقة لنا بها‏,‏ مثل ترسيخ العمل الفردي‏,‏ ومحاربة المشاركة الجماعية‏,‏ أدت إلي ايجاد حالة من التعصب‏,‏ ورسخت لمبدأ رفض الأخر‏,‏ ومعاداته‏,‏ والخوف منه‏,‏ وعدم التعامل معه‏.‏
لذلك نحاول في السطور التالية مناقشة قضية تعايش الأديان معا‏,‏ لنوضح الأسباب الرئيسية التي أدت إلي التقوقع علي الذات بين أتباع الدين الواحد‏,‏ والخوف من التعامل مع الأخر‏,‏ من خلال تعريف مفهوم التعددية من منظور إسلامي‏,‏ ورصد اراء علماء الدين والاجتماع والنفس حول الحكمة الإلهية من خلق الكون متعددا في كل شئ‏.‏
مفهوم التعددية
يعرف الدكتور محمد عمارة المفكر الاسلامي التعددية في كتابه التعددية‏:‏ الرؤية الاسلامية والتحديات الغربية بأنها تنوع مؤسس علي تميز‏..‏ وخصوصية ولذلك فهي لايمكن ان توجد وتتأتي بل ولا حتي تتصور الا في مقابل وبالمقارنة مع الوحدة والجامع ولذلك لايمكن اطلاقها علي التشرذم والقطيعة التي لاجامع لآحادهما‏,‏ ولا علي التمزق الذي انعدمت العلاقة بين وحداته‏,‏ وايضا لا يمكن اطلاق التعددية علي الواحدية التي لا أجزاء لها او المقهورة اجزاؤها علي التخلي عن المميزات والخصوصيات علي الأقل عندما يكون الحكم علي عالم الفعل لا علي عالم الامكان والقوة‏.‏
فأفراد العائلة‏:‏ تعدد في إطار العائلة‏,‏ وفي مقابلتها‏..‏ والذكر والأنثي تعدد في إطار الوحدة الانسانية‏..‏ والشعوب والقبائل تعدد في جنس الانسان‏.‏
فبدون الوحدة الجامعة لا يتصور تنوع وخصوصية وتميز‏,‏ من ثم تعددية‏,‏ والعكس صحيح‏.‏
ويقول الدكتور عمارة في تعريفه ان التعددية مستويات يحددها الجامع والرابط الذي يجمع ويوحد ويظلل وحدتها وأفرادها‏.‏ فعلي المستوي العالمي‏,‏ هناك تعددية الحضارات المتميزة والقوميات المختلفة المؤسسة علي تعدد في الشرائع والمناهج والفلسفات واللغات والثقافات وبينها جميعا جامع الاشتراك في الانسان الذي لا تمايز فيه ولا اختلاف‏.‏
وعلي مستوي كل حضارة من الحضارات‏,‏ هناك تعددية في المذاهب ومدارس الفكر وفلسفاتها وتيارات السياسية وتنظيماتها وقد تكون في بعض الحضارات تعددية في القوميات واللغات والأوطان تتمايز وحدات التعددية في الخصوصيات المتعددة مع اجتماعها كلها في رابط الحضارة والحدة وجامعها‏.‏
ويوضح الدكتور عمارة في تعريفه ان التعددية ككل الظواهر والمذاهب الفكرية‏,‏ لها وسط عدل متوازن ولها طرفا غلو احدهما إفراط والآخر تفريط‏..‏وسطها العدل المتوازن هو الذي يراعي العلاقة بين التميز والتنوع والتعدد وبين الجامع والربط والوحدة بينما يمثل التشرذم غلو القطيعة والتنافر الذي لا جامع له كما تمثل الوحدة المنكرة للخصوصية غلو القهر المانع من تميز الفرقاء واختصاصها‏.‏
ويشير في تعريفه إلي انه اذا كانت الرؤية الاسلامية قد قصرت الوحدة التي لا تركيب فيها ولا تعدد لها علي الذات الالهية وحدها‏,‏ دون كل المخلوقات والمحدثات والموجودات في كل ميادين الخلق المادية والحيوانية الانسانية والفكرية تلك التي قامت جميعها علي التعدد والتزاوج والتركيب والارتفاق‏..‏ فان هذه الرؤية الاسلامية تكون بهذا الموقف الثابت ثبات الاعتقاد الديني بل جوهر هذا الاعتقاد قد جعلت من التعددية في كل الظواهر المخلوقة سنة من سنن الله سبحانه وتعالي في الخلق والمخلوقات جميعا وآية من الآيات التي لا تبديل لها ولا تحويل انها القانون الالهي والسنة الالهية الأزلية الأبدية في ميادين الكون المادي‏,‏ والاجتماع الانساني وشئون العمران وميادينه وبها تتميز وتختص الوحدانية في ذات الحق كما تتميز وتختص التعددية بكل مظاهر الخالق‏.‏
كما يشير الدكتور عمارة في تعريفه إلي أنه اذا كانت الوسطية الجامعة في الرؤية الاسلامية هي خصيصة من خصائص الامة الاسلامية والمناهج الاسلامية يشهد عليها القرآن الكريم المنبئ عن جعل الله سبحانه وتعالي هذه الامة امة وسطا وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‏..‏ وهي وسطية العدل‏,‏ أي التوازن‏,‏ الذي لايقوم إلا بجميع عناصر الحق والصواب من طرفي غلو الإفراط والتفريط‏,‏ وتميزها موقفا ثالثا وسطا مستقلا‏,‏ وذلك علي النحو الذي حدده الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ الوسط‏:‏ العدل‏,‏ جعلناكم أمة وسطا‏.‏ اذا كان هذا هو معني الوسطية الإسلامية‏,‏ فإن التعددية الموزونة بميزانها‏,‏ لابد أن تكون تميزا لفرقاء يجمعهم جامع الإسلام‏,‏ وتنوعا لمذاهب وتيارات تظللها مرجعية التصور الإسلامي الجامعة‏,‏ وخصوصيات متعددة في إطار ثوابت الوحدة الإسلامية‏,‏ الأمر الذي يجعل هذه التعددية‏:‏ نموا‏,‏ وتنمية للخصوصيات‏,‏ مع احتفاظ كل فرقائها‏,‏ وأطراف الخصوصيات‏,‏ وأفراد التنوع بالروح الإسلامية‏,‏ والمزاج الإسلامي‏,‏ وتواصل الفروع مع أصل الشجرة الطيبة لكلمة الإسلام‏,‏ التي هي بلاغ الله الي رسوله صلي الله عليه وسلم‏,‏ وبيان هذا الرسول الي العالمين‏.‏
وبهذا المنظار والمنهاج‏,‏ يكون طريق النظر الإسلامي الي قضية التعددية‏,‏ فيراها قانون التنوع الإسلامي في إطار الوحدة الإسلامية‏.‏
حكمة إلهية من التعددية
ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس جامعة الأزهر الأسبق‏,‏ إن رب العزة جل وعلا أدري وأعلم بالخلق‏,‏ وشاءت ارادته أن يخلق الناس مختلفين‏,‏ منهم المؤمن‏,‏ ومنهم الكافر‏,‏ ومنهم الطائع‏,‏ ومنهم العاصي‏,‏ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم‏.‏
وفي لذلك خلقهم إشارة الي الإرادة الربانية‏,‏ التي قضت بتنوع الخلق وتعدد الناس‏,‏ وتعدد عقائدهم‏,‏ وجنسياتهم‏,‏ وألوانهم‏,‏ وتلك من آيات الله‏,‏ ومن آيات الله أيضا‏,‏ اختلاف ألسنتكم وألوانكم‏,‏ فهي تحمل للخلائق جميعا دلائل الارادة الإلهية‏,‏ وأسرار القدرة الربانية‏,‏ بأن لهذا الكون إلها واحدا‏,‏ خلق فسوي‏,‏ وقدر فهدي‏,‏ يخلق ما يشاء‏,‏ بيده الأمر والتدبر‏,‏ يبسط الرزق ويقدر‏,‏ ويحيي ويميت‏,‏ وهو علي كل شئ قدير‏.‏
ويضيف الدكتور هاشم‏,‏ أن في هذا ما يدعو الخلق الي الايمان بالله ربنا‏,‏ والخضوع له والتوكل عليه‏,‏ والاتجاه إليه وحده بالسؤال والدعاء‏,‏ لأنه لا أحد يستجيب‏,‏ ولا أحد يقدر إلا الله‏,‏ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت باستعن بالله‏,‏ وأعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك‏,‏ وإن اجتمعت علي أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك‏.‏ ويوضح الدكتور هاشم أنه عندما يؤمن الإنسان بالحكمة الإلهية في التعددية‏,‏ في العقائد‏,‏ والأرزاق‏,‏ والأشكال‏,‏ والأجناس‏,‏ والألوان‏,‏ لا يزاحم الحكمة الإلهية في ارادتها‏,‏ ولا يتمرد علي هذا القضاء المبرم‏,‏ ولا يتسلط علي أحد من خلق الله‏,‏ وإن اختلف معهم في العقيدة أو الجنس أو اللون‏,‏ لأنه مادام يؤمن بأن هذه ارادة الله‏,‏ فعليه أن يتعايش مع الخليقة علي تعدد أنماطها‏,‏ وأطيافها‏,‏ وأن يعيش في سلام دائم ناداه إليه ربه حين قال ادخلوا في السلم كافة‏.‏
ويطالب الدكتور هاشم سكان هذا الكوكب الأرضي بأن يتعايشوا في سلام عالمي تعايشا سلميا‏,‏ وأن تسود ثقافة التسامح‏,‏ وأخوة الإنسان لأخيه الإنسان‏,‏ لأننا جميعا علي مختلف عقائدنا‏,‏ وأشكالنا‏,‏ وأجناسنا‏,‏ وألواننا‏,‏ ننتمي الي أصل واحد‏,‏ ونرجع الي أب واحد‏,‏ آدم والد الجميع‏,‏ كلكم لآدم وآدم من تراب‏.‏ ويستطرد قائلا‏:‏ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‏,‏ فالتعارف والتآلف من الحكم الربانية التي استهدفها خلق الناس شعوبا وقبائل‏,‏ وعلي عقلاء العالم أن يقفوا موقفا حاسما حكيما لتوثيق الروابط بين بني البشر‏,‏ وتعميق الروابط في إطار الأخوة الإنسانية‏,‏ في تناغم وتضافر وتعاون‏,‏ فلا عدوان‏,‏ ولا صدام للحضارات‏,‏ بل تعاون وتضافر للقوة من أجل صالح البشرية جمعاء‏.‏ ما يطالب بأنه بدل من أن تبدد الملايين والمليارات من الأموال في أسلحة الدمار الشامل‏,‏ أن توجه الي البطون الجائعة‏,‏ والدول الفقيرة‏,‏ لأنهم اخوتنا في الإنسانية‏,‏ مهما اختلفوا جنسا أو لونا أو عقيدة أو هوية‏,‏ فكلنا نرجع الي أصل واحد‏,‏ وبهذا يمكن أن يعيش العالم في أمان‏,‏ وأن يسوده ثقافة التعاون والتسامح والاطمئنان‏,‏ وينطلق الي التعاون الذي أمر الله تعالي به‏,‏ القائم علي البر والتقوي‏,‏ كما قال تعالي وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان‏.‏
تعايش الأديان معا
وحول كيفية تعايش الأديان معا‏,‏ في ظل فكرةج التعددية‏,‏ يقول الدكتور محمد شامة أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر‏,‏ إن الإسلام هو أول من أقر التعايش مع الآخر في مجتمع واحد‏,‏ فعندما هاجر الرسول عليه الصلاة والسلام الي المدينة‏,‏ وكان يعيش فيها مسلمون ويهود ووثنيون‏,‏ ومن ليس لديهم دين معين‏,‏ فعمل الرسول ما يسمي وثيقة المدينة التي تقول إن كل هؤلاء يعيشون معا في وطن واحد‏,‏ لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات‏,‏ وهذا ما يسمي في العصر الحديث بالمواطنة‏.‏ ويضيف الدكتور شامة‏,‏ أن العلماء في العصر الحديث يسمون هذا بوثيقة السلام‏,‏ وهذا أبلغ ما يكون في تعايش الإسلام مع الأديان الأخري في مجتمع واحد‏.‏
ويوضح أن هناك تغيرا في الثقافات العربية والإسلامية حدث نتيجة الثقافات الأجنبية التي دخلت تلك البلاد‏,‏ والتي لا علاقة للإسلام بها‏,‏ ولكنها أدت الي ايجاد حالة من التعصب بين أتباع الدين الواحد‏,‏ رسخت لمبدأ رفض الآخر ومعاداته‏,‏ ووصل الأمر بأصحاب الدين الواحد الي التقوقع علي الذات‏,‏ والخوف من الآخرين‏.‏ ويطالب الدكتور شامة جميع المجتمعات بأ تفهم ما فعله الرسول صلي الله عليه وسلم مع أصحاب الأديان الأخري في المدينة ويلتزمون به‏,‏ لأن ذلك يحل الكثير من المشكلات التي تحدث حاليا سواء في الدول الغربية أو الدول الشرقية‏.‏
احترام إرادة كل إنسان
وإذا كان جميع الأنبياء من آدم عليه السلام إلي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم دعوا إلي دين واحد وهو إسلام القلب لله‏,‏ كما يوضح الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة‏,‏ فإن هذا الدين الواحد اجتمع جميع الأنبياء فيه علي ثلاثة أسس أو أمور‏,‏ الأمر الأول هو الدعوة إلي وحدانية الله‏,‏ فلا يوجد نبي إطلاقا دعا إلي غير ذلك‏,‏ الله واحد أحد‏,‏ فرد صمد‏,‏ لم يلد ولم يولد‏,‏ ولم يكن له كفوا أحد‏,‏ والأمر الثاني هو الإيمان بالبعث والجزاء‏,‏ والثواب والعقاب‏,‏ والأمر الثالث هو الدعوة إلي مكارم الأخلاق‏,‏ فلم يأت أي نبي يدعو إلي شيء يتعارض مع الأخلاق إطلاقا‏,‏ فكل الأنبياء دعوا إلي محبة الناس وتعاونهم وتكافلهم‏,‏ والنهي عن الاعتداء والغيبة والنميمة وسوء الظن وأكل المال بالباطل‏,‏ وكل المحرمات التي نهي عنها الدين‏,‏ وهذه الأمور الثلاثة لا يختلف نبي عن آخر فيها‏.‏
ويضيف الدكتور الدسوقي‏:‏ اختلف كل نبي عن آخر في أمرين‏:‏ الأول أن كل الأنبياء قبل سيدنا محمد‏,‏ بعثوا إلي قومهم‏,‏ أما محمد عليه الصلاة والسلام فقد بعث للناس كافة‏,‏ ومع أن دعوة الإسلام تقوم علي مبدأ أساسي مهم جدا‏,‏ وهو لا إكراه في الدين‏,‏ فالإنسان ينبغي أن يختار العقيدة أو الدين الذي يطمئن له قلبه ويرتاح إليه عقله‏,‏ ومع هذا‏,‏ فإن الإسلام الذي بعث به سيدنا محمد يحترم الذين لم يؤمنوا به ماداموا لم يعادوه‏,‏ ومن وسائل الاحترام‏,‏ حماية أماكن العبادة الخاصة بهم‏,‏ واحترام حقوقهم الإنسانية التي يلتقون فيها مع البشر جميعا‏.‏
ويوضح أن عدم احترام الآخر يتم نتيجة جهل وتعصب وعدم احترام إرادة كل إنسان في الإيمان بالعقيدة التي يؤمن بها‏,‏ وهذه هي الأسباب الأساسية التي تؤدي إلي مظاهر الكراهية والنفور أحيانا‏,‏ وما يحدث من علامات يطلق عليها الإرهاب‏,‏ حيث توجد بعض القيادات في بعض الشرائع تحض بإرادتها أو بغير إرادتها علي نبذ الآخر‏,‏ وعدم التعاون معه‏,‏ والتخطيط للنيل منه‏,‏ وهنا نشير إلي قضية عرفها المجتمع الغربي‏,‏ وهي ظاهرة الاستشراف والتبشير‏,‏ فقد مثلت هذه الظاهرة حروبا فكرية ضد الإسلام والمسلمين‏,‏ مما حمل المسلمين علي أن يردوا علي الإساءة بمثلها‏,‏ ومن هنا بدأ الاحتقان يزداد حدة‏,‏ ويتطور تطورا غير صحيح‏,‏ والإنسان هو المسئول عن هذا وليس الدين‏,‏ فعلي العقلاء من أتباع الدين أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا‏,‏ ويزنوا أعمالهم قبل أن توزن عليهم‏.‏
للتعددية منظور اجتماعي
وتري الدكتورة سامية خضر صالح‏,‏ أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس‏,‏ أن التعددية في منظور علم الاجتماع هي عبارة عن إطار للتفاعل تظهر فيه المجموعات التي تحترم التسامح مع الآخرين‏,‏ والتعايش المثمر والتفاعل‏,‏ بدون صراع وبدون انصهار‏.‏
والإنسان المصري من أفضل الشخصيات في العالم‏,‏ وتدلل علي ذلك بأن الحملة الفرنسية عندما جاءت علي مصر‏,‏ أشادت بالشخصية المصرية‏,‏ وقالت إن الشخص المصري نسيجه يميل إلي الإنسانية والرحمة والمودة أكثر من أي شخص أوروبي‏,‏ ولو وضع هذا الإنسان في إطاره السليم قانونيا لأصبح من أكثر أجناس الأرض إنتاجا وفكرا وإبداعا‏,‏ وأن المصري سواء كان مسيحيا أو مسلما لا يظهر ذلك عليه‏,‏ وليس هناك أي فرق بينهم إذا نظرت إليهم في كل التعاملات المختلفة‏,‏ إلا فقط عند العبادة‏,‏ فلكل عبادته‏.‏ وتوضح الدكتورة سامية خضر أننا إذا نظرنا للغرب سنجد هناك تقبل للآخر‏,‏ لأنه يوجد لديهم قوانين مدنية قوية تطبق بحزم علي الجميع‏,‏ بغض النظر عن الديانة‏,‏ ولا تقبل النقاش‏,‏ وهذه القوانين هي التي تجعل أي مجتمع من المجتمعات يسير كالساعة‏,‏ وعندما يكون القانون قويا في المجتمع يحل كل شيء‏.‏ وتطالب الدكتورة خضر بعمل تغيير اجتماعي وثقافي في المجتمع قبل أن تحدث أزمة أخري في المجتمع‏,‏ وضرورة تفعيل دور المثقفين وأصحاب الفكر‏,‏ وتطبيق القانون بكل مفرداته علي الجميع‏,‏ وعندما يتم ذلك سنجد أن هناك مجتمعا فيه تسامح ومودة ورحمة‏,‏ بعيدا عن الصراع والعصبية والتطرف‏,‏ ولن يكون هناك استبعاد للآخر‏.‏
العمل المشاركة هي الحل
من أهم العوامل التي أدت إلي عدم قبول الآخر في المجتمعات هي التطورات العالمية التي حدثت نتيجة استخدام شبكة الإنترنت كما يقول الدكتور محمود عبدالحليم منسي أستاذ علم النفس التربوي بجامعة الإسكندرية والتي كرست الذاتية والفردية لدي الطفل أو الشاب أو الرجل الكبير‏,‏ الذي يجلس علي الحاسب بمفرده فترات طويلة‏,‏ تؤدي إلي قلة عمله الجماعي والتشاركي مع أفراد المجتمع‏.‏ وضيف‏:‏ من تلك العوامل أيضا غياب عمل الفريق الواحد في مختلف المجالات‏,‏ مما يؤدي إلي الأنانية‏,‏ فالجميع يريد أن ينسب النجاح لنفسه‏,‏ ويضحي بنجاح الفريق من أجل نجاحه الشخصي‏,‏ هذا بالإضافة إلي التنشئة الاجتماعية الخاطئة من الأسر التي تحذر أطفالها من التعامل مع الآخرين‏,‏ وتقوم بتخويفهم من الآخر‏,‏ وتشبهه لهم بأنه سوف يخطفهم أو يسرقهم أو يؤذيهم‏.‏
ويوضح الدكتور عبدالحليم أن نظام التعليم الفردي الموجود في أغلب المجتمعات يقوم علي التنافس الجماعي بين الطلاب‏,‏ وهذا يؤدي إلي الأنانية بينهم‏,‏ وينظر الطالب للآخر علي أنه عدو له‏,‏ ويريد هزيمته والتفوق عليه‏,‏ لذلك يوجد لدينا منظومة اجتماعية تعليمية تكرس عدم قبول الآخر‏,‏ ومنها علي سبيل المثال‏,‏ فصل التلاميذ المسلمين والمسيحيين في مرحلة التعليم الابتدائي أثناء حصة الدين بالمدارس‏,‏ مما يؤدي إلي وجود حواجز بين التلاميذ تتكون بالعقل الباطن دون درايتهم بالأسباب الحقيقية لهذا الفصل‏,‏ نظرا لصغر سنهم‏.‏
ويري أن قبول الآخر يتحقق من خلال التوعية التعليمية والأسرية والدينية السليمة‏,‏ وتغيير نظم التعليم‏,‏ من القائم علي التلقين إلي التعلم النشيط القائم علي مشاركة التلميذ لأقرانه‏,‏ لكي يتعلم منهم ويعلمهم‏,‏ لكي نجد تفاعلا إيجابيا بين الطلاب وبعضهم‏,‏ وأن يكون الطالب هو أساس العملية التعليمية من خلال تعليم ذاته‏.‏ أيضا هناك مسئولية علي الإعلام بأن يقوم بدور فاعل في توضيح أهمية الأعمال التشاركية‏,‏ وقبول الآخر‏,‏ وأن تتناول الدراما التليفزيونية والسينمائية الأعمال التي تبين نتائج قبول الآخر الإيجابية علي الفرد والمجتمع‏.‏
وفي النهاية‏,‏ يتبقي الدور الأكبر والفعال علي الدعاة في الديانات المختلفة‏,‏ ليكرسوا مبادئ المحبة والتعارف والتراحم بين الناس جميعا‏,‏ حتي يصبح بحق‏,‏ الدين لله والوطن للجميع‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.