حملات الهجوم والتشكيك في ثوابت الدين الإسلامي ليست بجديدة عليه, فمنذ أن ظهرت الدعوة الإسلامية حتي قوبل رسولها عليه الصلاة والسلم بالهجوم والسب والشتائم بأفظع الصفات, ولم تسلم سنته بعد وفاته أيضا من التشكيك في ناقليها وهكذا في كل عصر, غير أن الجديد في الحملة الشرسة علي الإسلام الآن أن لها وجها آخر ساعدها علي النيل من ثوابت الدين وزعزعة العقيدة عند بعض ضعاف الإيمان. حول أسباب هذه الهجمات سواء علي السنة أو الصحابة أو أصحاب المذاهب الأربعة وكيفية التصدي لها يقول الدكتور بكر زكي عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة أن الطعن في الإسلام ليس بجديد, ومنذ أن ظهر نوره والطعن فيه قد اتخذ سبلا عدة, الأول منها الطعن في متلقي الرسالة وقد تم توجيه الطعن إليه بصور شتي تهدف إلي التشكيك في نبوته ورسالته ساحر, شاعر, كاهن, مجنون, أساطير الأولين.., والاتجاه الثاني هو الطعن في القرآن الكريم, وذلك بالتشكيك في أولية مصدره, فكان الوصف بأنه إفك افتراه أساطير الأولين.. وقد نص القرآن علي هذه الطعون ورد عليها بأدلة عقلية مقنعة في خطابه الإلهي, وذهب الطاعنون وبقيت طعونهم قائمة تعد زادا لكل الحاقدين علي الإسلام, ولم يتوقف الطعن يوما, ثم بدأت حملة التشويه والتشكيك من جديد من قبل أناس مأجورين أظهروا الإسلام وهم أخطر عليه من المنافقين فسلكوا نفس سبل الطعن السابق في حق الإسلام, ولما كان الرسول صلي الله عليه وسلم قد لاقي ربه فإن أثر الرسول لا يزال باقيا وهو السنة النبوية فظهرت نغمة الطعن في السنة من خلال الطعن في الكتب التي جمعتها, والفرق بين طعن السابقين وطعن القائمين أن السابقين لم تكن لهم وسائل دعوي ولا دعاية ولا إعلام وكانت الطعون محلية, وأما الطاعنون الآن فقد يسرت لهم السبل ليظهروا في الفضائيات أكثر لإحداث فتنة داخل الأمة عن طريق الدين من ناحية. والسياسية من ناحية ثانية, أو ما وراء ذلك ولما كان الصحابة هم الذين نقلوا إلينا السنة فقد أرادوا التشكيك فيهم, والتجريح في عدالتهم, لأن قبول الطعن فيهم لا قدر الله يعني الطعن في الرواة الذين نقلوا إلينا القرآن وحملوا لنا السنة, وقد أخبرنا بذلك القرآن كما أخبرتنا بها السنة المطهرة, ومع هذا سيزول هؤلاء ويبقي القرآن وستبقي السنة كما زال السابقون, وبقي حصادهم المر وثمارهم الأثيمة فاستحقوا اللعنة بما قالوا ونشر الله الإسلام وكثر عدد المسلمين. ويري د. بكر زكي أن مواجهة هذه الحملات الشرسة تتطلب قيام أهل الاختصاص بالسنة بمناظرة هؤلاء علي الهواء مباشرة والإكثار من التوعية الدينية في الخطب واللقاءات والندوات والمقالات من أجل تثبيت السنة وإظهار الصورة المشرقة للإسلام, كذلك محاكمة هؤلاء المشككين بباعث إحداث فتنة في السلم الاجتماعي لأن مثل هذه الأمور تقضي إلي فتنة أوشكت أن تقع بين أفراد المجتمع يتحملون تبعاتها الآن, كما يجب جمع الشبهات وهي كثيرة جدا والتي وجهت ضد السنة في موسوعة والرد علينا ليتمكن الدعاة الناشئة من العلم بالسنة والمنهج العلمي للرد عليها بالإضافة لتدريب طائفة من الآئمة والوعاظ علي فني الجدل والمناظرة من أجل مواجهة هؤلاء المنحرفين لكبح جماحهم وللأخذ بزمام الأمور في ميدان الدعوة. ويقول الدكتور محمد متولي منصور أستاذ اللغويات بجامعة الأزهر أن أسباب الهجوم علي الإسلام كثيرة وأبرزها إتاحة بعض القنوات الفضائية الخاصة الفرصة لمدعي التدين ولأشباه الدعاة وما هم بدعاه للإطلالة من خلال فضائياتهم علي الناس بهذه الأفكار الهدامة, التي يريدون من ورائها لفت النظر إليهم وإحداث بلبلة واضطراب لدي عوام المسلمين بل وتشكيكهم في مقدساتهم الدينية وعقيدتهم الإسلامية, وحين تتاح الفرصة لأحد العلماء للرد علي أمثال هؤلاء فإن المسئول عن البرنامج لا يستضيف صاحب التخصص الدقيق فمثلا الذين يهاجمون الأئمة الأربعة يجب أن يرد عليهم أستاذ متخصص في الفقه, والذين يهاجمون البخاري ومسلم يجب أن يرد عليهم متخصص في الحديث لكن هذا لا يطبق في دنيا الواقع ومن أجل هذا فإن شباب الأمة ثائر لعدم وجود تكافؤ الفرص من جانب الذين يهاجمون, ومن جانب الذين يدافعون, فلما غاب المتخصص الدقيق عن الإعلام حدثت الفجوة بين الجانبين وزاد الاضطراب لدي المشاهدين. ويحمل منصور المؤسسات الدينية وخاصة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء مسئولية الرد ومن باب النقد للذات, وباعتباري أستاذا بجامعة الأزهر ومن الذين يعملون بالدعوة أري أن هناك تقصيرا في الرد علي هذه الهجمات رغم الجهود المبذولة واستنكر عدم الاستعانة بالعلماء المتخصصين الذين يتناثرون في شتي كليات الجامعة, ولديهم القدرة الكافية والأدلة الدامغة للرد علي المشككين, مؤكدا أن الأزهر والداعية ليس زيا فقط مع الاحترام للزي الأزهري. ووصف الدكتور عبد المقصود باشا أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر المشككين في كتب التراث الإسلامي للبخاري وغيره من كبار الآئمة بأنهم لا يرغبون في الإصلاح الديني, وإنما يهدفون إلي هدم صحيح الدين موضحا أن الفترة الحالية ليست مناسبة لتشتيت الناس وتشكيكهم في كتب التراث فضلا عن أن الأزهر الشريف مناهجه بريئة من تهمة التطرف, وأن السبب فيما يقال هو الفهم السقيم لمناهج الأزهر الشريف, وعدم إدراك أن هناك نصوصا تدرس وبجوارها نصوص أخري تدحضها وتنقيها, كما أن بكتب التراث في العالم أجمع وليس في العالم الإسلامي أمورا قد لا نستسيغها الآن, ولذلك يعمل الأزهر علي تكوين لجان متخصصة لحذف الآراء المختلف عليها. ويعتقد الشيخ محمد عيد كيلاني مدير إدارة المساجد بوزارة الأوقاف أن حملات التشكيك هدفها هو هدم ثوابت الدين كالتشكيك في المحدثين والعلماء, ومعلوم أن العلماء هم منارة الأمة وحملة مشعل الهداية من بعد الرسول صلي الله عليه وسلم لقوله عنهم العلماء ورثة الأنبياء, وهؤلاء أصحاب الميراث النبوي يتعرضون بين الفتنة وأخري لهجمات أري أنها لا تضرهم بل تنفعهم لقول الشاعر وإذا أراد الله نشر فضيلة أتاح لها لسان حسود, مؤكدا أن هؤلاء المشككين لا يعلمون مدي الفائدة التي تعود علي الإسلام جراء هجومهم عليه وعلي رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم, فهؤلاء العلماء الذين ملأوا الأرض علما وورعا لا تنال منهم أحقاد حاقد لقوله تعالي هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون. ويري كيلاني أن مواجهة هذه الهجمات تكون بإبراز دور هؤلاء الراحلين في خدمة الإسلام فجهدهم لا ينكر وعلمهم واضح وضوح الشمس واجتهادهم سيبقي علامة منيرة علي أنهم نبغوا في فهم نصوص الدين. ومن جانبه يري الشيخ صبري عبادة وكيل أوقاف الدقهلية أن أسباب الهجوم علي الإسلام والتشكيك فيه ترجع إلي وجود عوامل طبيعية بعد سقوط دولة الإخوان المسلمون والذين نسوا أن الإسلام حجة علي الجميع فقام بعضهم ممن لا يعلم شيئا عن الإسلام بالبحث عن الشبهات فيه عن طريق المشركين والمستشرقين, ولأن القرآن الكريم لا يستطيع أحد أن يشكك فيه فكانت السنة هي المدخل الآمن للهجوم علي الإسلام في كل زمان, وخرج من لا يعي النصوص الشرعية ولا المغزي منها في أي مرحلة كانت بالإضافة لوجود مفاهيم إسلامية كانت تصلح في زمن ولا تصلح في غيره, وهذه سمات الدين الإسلامي لما ورد أن الله يبعث لهذه الأمة علي كل رأس مائة سنة من يجدد لها دينها. وطالب عبادة بضرورة تصدي علماء الأزهر والأوقاف لهذه الأفكار والرد عليها وتوضيح المفاهيم الصحيحة سواء من خلال اللقاءات المفتوحة أو النشرات المتتالية لإظهار سماحة الإسلام.