يبدو أن المهمة الرئيسية لجهاز الاستخبارات الأمريكيCIA هي صناعة التنظيمات الإرهابية المدموغة بختم الإسلام بأفكار مستوحاة من روح الشريعة فيما يتعلق بقضايا التحرر الوطني وسبل مواجهة قوات الاحتلال الأجنبية لأراضي المسلمين وتصديرها إلي الخارج لتنفيذ مخططات واشنطن الاستراتيجية لإحكام سيطرتها علي العالم وتحقيق أهدافها التوسعية ومصالحها الاقتصادية في كل مناطق الصراعات دون توريط أساطيلها وقواتها المحمولة علي متون حاملات الطائرات التي تجوب مياه بحار ومحيطات العالم في خوض معارك مباشرة مع أي طرف من الأطراف- أو ما يعرف اختصارا بمصطلح الحرب بالوكالة- لا سيما بعد نجاح هذا المنهج في تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق عقب الحرب الباردة بتنسيق الجهود العربية والإسلامية الدولية لإطلاق تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان وتزويده بالأسلحة والذخائر والخطط وكل أنواع الدعم اللوجيستي لطرد المحتل السوفيتي الملحد من الأراضي الأفغانية. هذا النجاح دفع بالمسئولين الأمريكيين فيما بعد إلي ادعاء شن الحرب علي صنيعتها الممثلة في تنظيم القاعدة لتوجيه ضربات موجعة لكل الدول التي تؤويه بذريعة محاولة اقتلاعه نظرا لما يشكله من خطر علي الأمن والسلم العالميين, خاصة بعد إلصاق تهمة تورطه في تفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك أو ما يعرف بأحداث11 سبتمبر2011, والتي اتخذت منها ذريعة لاجتياح كل من أفغانستانوالعراق واحتلالهما لاستنزاف ثرواتهما وإجراء تعديلات في موازين القوي في منطقة الشرق الأوسط لتنفيذ مخطط الفوضي المدمرة الذي يطلق عليه بالخطأ المتعمد وصف الفوضي الخلاقة. ويبدو أن تنظيم القاعدة أصبح موضة أمريكية قديمة بعدما استنفد أغراضه باغتيال زعيمه المصطنع أسامة بن لادن بقصف أمريكي مكثف علي مكان اختبائه, فتم الدفع بتنظيمات أخري لمنح الولاياتالمتحدة صكا جديدا وحجة مفتعلة لمحاربة الإرهاب الإسلامي في مواقع جديدة أفرزتها ثورات الربيع العربي في سوريا وليبيا ومصر للإسراع بتقسيم المنطقة بإشعال الصراعات الطائفية والمذهبية بين الجيوش النظامية لهذه الدول وبين الفرقاء السياسيين والمعارضة المسلحة التي برز من بينها التنظيمات الجديدة ممثلة في تنظيم دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام داعش وجبهة النصرة في سوريا إضافة إلي الميليشيات الشيعية المسلحة التي تحظي بكامل الدعم من طهران في كل من سوريا ولبنان واليمن والعراق والتي تشكل عبئا ثقيلا في هذه الصراعات وتزيدها تعقيدا, وأنصار بيت المقدس, وجند الله في مصر وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي تعمل جهدها لاستنزاف طاقات الجيوش الوطنية تمهيدا لتدخل عسكري أمريكي في وقت لاحق بعد أن تكون المعارك قد أجهدت كل الأطراف لتعجيزها عن مواجهة الخطر الحقيقي المتمثل فيما يطلق عليه قوات التحالف الدولية فيما بعد. تنظيم داعش الذي بدأ نشاطه المذهل منذ شهور تحت إمرة أبوبكر البغدادي الذي يعدجاسوسا يعمل لمصلحة المخابرات الأمريكية, حيث اعتقلته قوات الاحتلال في العراق عام2004 وقضي سنوات في سجن بوكا قبل أن تسلمه واشنطن للسلطات العراقية عام2009, التي أطلقت سراحه في وقت لاحق, ليبزغ نجمه بسرعة البرق كأمير لواحد من أخطر التنظيمات الإرهابية علي الإطلاق,ويعتبره الكثير من المراقبين نسخة جديدة لأمراء التنظيمات الإرهابية والمعادل الموضوعي لأسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق تحت مسمي جديد يتناسب مع ظروف المرحلة. هذا التنظيم الذي ارتكب مجازر بشعة ولا أخلاقية في سورياوالعراق, وكانت آخر انتهاكاته المجرمة ذبح21 شابا مصريا من الأقباط في ليبيا أمس الأول, وتسريب فيديو المجزرة بغرض ترهيب العالم العربي والإسلامي, ومحاولة تمزيق وحدة نسيج المجتمع المصري, وتشويه الإسلام وتصويره علي أنه دين يدعو إلي القتل والتعذيب وانتهاك آدمية البشر. ويعتقد مراقبون دوليون أن المخزن الرئيسي لأمراء التنظيمات الإرهابية الجديدة يتمثل في المعتقلين السابقين في السجون الأمريكية, وما يثبت صدق تحليلهم التكرارالمتماثل لقصة أبوبكر البغدادي مع ما جري لعبد الحكيم بلحاج, المعتقل السابق في سجون الولاياتالمتحدة الذي تم تسليمه للرئيس الليبي السابق معمر القذافي حيث أصدر عفوا رئاسيا فوريا عنه ليتبين أنه أصبح قائدا عسكريا للثوار الليبيين, ليس هذا فقط ولكنه شارك في القتال ضد بشار الأسد! وليس بعيدا عن البغدادي وبلحاج تأتي قصة كشفها مسئولون استخباراتيون أمريكيون في وقت سابق عن تنظيم إرهابي يطلق علي نفسه اسم خراسان يتزعمه الكويتي محسن الفضلي القيادي السابق في القاعدة والذي كان مقربا من بن لادن, ظهر منذ أعوام كخلية إرهابية في سوريا, ووصفوه بأنه قد يكون أكثر خطورة من داعش, وتنبأوا أيضا بشنه هجمات إرهابية ضد أهداف غربية ومنشآت خارجية! ليس هناك من تفسير لإحاطة جهاز الاستخبارات الأمريكيCIA بتفاصيل هذه التنظيمات علي هذا النحو من الدقة إلا أن يكون هو من أطلقها ودعمها ودربها ووضع لها الخطط وحدد لها الأهداف التي تعمل عليها, أو أن تكون الولاياتالمتحدة قادرة علي معرفة الغيب وقراءة الطالع. عبدالخالق صبحي