يبدو أن الدم اليهودي لا يسقط بالتقادم, فيما دماء المسلمين التي تنهمر أنهارا منذ عقود وحتي كتابة هذه السطور لا ثمن لها علي الإطلاق. فبعد مرور أكثر من20 عاما علي حادث تفجير مركز الرابطة اليهوديةAMIA في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس عام1994, والذي أسفر عن مقتل85 شخصا وإصابة300 آخرين جاءت الاتهامات التي وجهتها النيابة العامة إلي رئيسة البلاد كريستينا فرنانديز دي كيرشنر بالتآمر في القضية وحماية من وصفتهم برقيات وكالات الأنباء الغربية بالإرهابيين لتفجر مفاجأة من العيار الثقيل لتحيي هذه القضية من جديد وتخرج بها من أدراج النسيان, في الوقت الذي تغافلت فيه نفس وكالات الأنباء عن عمد عن متابعة مصير الأمريكي الملحد قاتل المسلمين الثلاثة الأمريكيين من أصل سوري في تشابل هيل بولاية نورث كارولينا الأمريكية منذ أيام وجثامينهم لم تجف بعد في قبورهم. فالتفجير الذي وقع في فترة حكم الرئيس الأرجنتيني السابق كارلوس منعم قبل أكثر من عقدين, فجأة ومن دون مقدمات وجد مسئولا كبيرا يمكن محاسبته وإلصاق التهمة به ممثلا في رئيسة الأرجنتين الحالية كريستينا فرنانديز! وبطبيعة الحال لم تتردد الصحف الغربية في وصف القضية بالمؤامرة, وسرعان ما أدركت أنها تمت بمشاركة سياسيين أرجنتينيين اثنين- بينهم فرنانديز- بهدف حماية إيرانيين مشتبه بهم في الحادث الذي لم تصل السلطات وقت وقوعه إلي فك طلاسمه والوصول للجاني الحقيقي. الموضوع برمته فجره العثورعلي عضو النيابة العامة الأرجنتيني ألبرتو نسمان الذي قام بالتحقيق في تفجير المركز اليهودي مقتولا داخل شقته الفاخرة18 يناير الماضي بطلق ناري في رأسه وعثر بجوار جثته علي مسدس, وأشارت التحقيقات الأولية إلي احتمال انتحاره, لكن المحققين أعلنوا فيما بعد احتمال تعرض نسمان للقتل أو أنه قد أرغم علي قتل نفسه قبل يوم واحد من كشف وتقديم نصوص مكالمات هاتفية إلي البرلمان الأرجنتيني, تم التنصت عليها من جانب جهاز الاستخبارات الأرجنتيني وأفرج عنها أحد القضاة- ولم تثبت صحتها بعد- بين ممثلين عن الحكومتين الأرجنتينيةوالإيرانية تفيد التوصل إلي صفقة تتلقي بموجبها الأرجنتين شحنات من البترول الإيراني وتسمح لها بتصدير مواد غذائية لطهران في مقابل حماية المسئولين الإيرانيين من تهم تفيد بتخطيطهم لنسف المركز اليهودي بعرقلة التحقيقات, بعد مفاوضات طويلة بين الطرفين. وهوما دفع برئيسة الأرجنتين إلي إعلان نيتها حل جهاز الاستخبارات وتقديم مشروع قانون إلي البرلمان الأرجنتيني لإنشاء جهاز جديد بحجة عدم إجراء تغييرات فيه منذ الإطاحة بالحكومة العسكرية سنة1983, اعتقادا منها بأن حادثة قتل النائب لم تكن انتحارا وإنما عملا مدبرا من قبل من وصفتهم بال فاسدين داخل جهاز الاستخبارات وضباط من أجل اتهام الرئيسة والحكومة. ورغم أن التحقيقات التي جرت وقت وقوع التفجير لم تترك ورائها إلا مجرد شكوك لدي السلطات القضائية الأرجنتينية بتورط طهران في الحادث دون إثبات دامغ, إلا أن إيران نفت بشدة أي تورط لها في القضية, وأعربت عن سخطها الشديد إزاء الاتهامات التي وجهت لها واعتبرتها لعبة سياسية غايتها اتهام إيران. الاتهامات الموجهة لرئيسة الأرجنتين بحماية إرهابيين مبنية كلها علي افتراضات يصعب التحقق منها, أما الشيء المؤكد الوحيد في القضية فهو الإصرار علي كشف الجاني في حادث مر عليه20 عاما لا لشيء إلا لأن الضحايا يهود.