بقلب مفعم بالهم وألم السنوات الطويلة غادرت بسنت عالمها الصغير بدار رعاية الأيتام واللقطاء. لم تكن تدرك أن ذلك اليوم سوف يأتى ولكنها كبرت واستدار وكان لزاما تسليمها لأمها التى ألقت بها فى الدار قبل سنوات وهى بعد رضيعة. هى المرة الأولى التى رأت فيها "بسنت" أمها كانت تموج بداخلها مشاعر متناقضة بين حزن دفين وغضب لما فعلته بها وبين شوق عارم لأم لم ترها يوما. فى لحظات خاطفة انتهت إجراءات الخروج وسعت خلف امرأة قالوا لها إنها أمها عندها ألقت الفتاة نظرها على الأم ولم تشعر لها بحنين ولكنها سعت خلفها للخارج وقدماها تتخبطان من خوف لا تدرى سببا له غير أن انقباض قلبها انكشف لها سريعا عندما أعطتها أمها بطاقتها الشخصية التى حررت لها بالدار ومثبت بها اسم الأم الحقيقية واسم وهمى للأب وقالت لها اذهبى لحال سبيلك أنت من طريق وأنا من طريق وعبثا حاولت الفتاة أن تفسر موقف أمها منها. تعلقت بها وتمسكت بملابسها راجية أن لا تتركها لكلاب السكك تنهش عرضها وتسترها من غدر الزمان حتى رضخت تحت ضغط وإلحاح واصطحبتها معها الى بيت قالت لها إنه بيت زوجها وإن الولد والبنت اللذين به هما ابناها ومضت على بسنت أشهر قليلة كانت الحياة مع أمها أشبه بالجحيم فقد عرفت كيف تعيش الأم وكيف تكسب قوت يومها من الاتجار بجسدها وقررت الفتاة أن تنجو بنفسها وجسدها من التلوث. ذهبت إلى بيت جدتها التى لفظتها وتنكرت لها كما تنكرت لأمها من قبل غير أن بعض أصحاب القلوب الرحيمة كانوا يستضيفونها ويعطفون عليها ويساعدونها على استكمال تعليمها. "بسنت" الآن فى السنة الثانية من كلية الدراسات الإنسانية قسم تاريخ بالأزهر تقف على حافة الحياة ترنو بعينها للمستقبل فى وجل تخشى الضياع. حضرت إلى "الأهرام المسائي" تتلمس يد الرحمة وتطرق أبواب الرجاء مثقلة بآلام مبرحة تناوبها من آن لآخر فى معدتها حتى الصراخ ومن خلال الجريدة عرضناها على الدكتور علاء المهدى أستاذ الكبد والجهاز الهضمى بجامعة عين شمس الذى قرر لها إجراء عملية منظار، وكى لقرح مزمنة عندها فى المعدة منذ أكثر من عام وقد أجرى لها العملية متبرعا ولكنها فى حاجة لمرحلة علاجية طويلة لا تدرى من أين لها أن تدبر نفقاتها؟ قالت بسنت رغبتى فى الحياة الشريفة توازى رغبتى فى الموت قبل أن أصير مثل أمى والموت أهون من الضياع والوحل. جئتكم بحثا عن الأمان الضائع فأنا لا أملك سكنا يسترنى من الأنياب الجائعة ولا دخلا أقتات به أو أستكمل منه دراستى وعلاجى كل ما أحلم به شقة من سكن الإيواء العاجل بوزارة الإسكان فهل يستشعر الدكتور مصطفى مدبولى وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية مأساتى ويمنحنى مسكنا يسترنى وهل يمكن لى أن أغير بطاقتى الشخصية التى تحمل اسم أمى فأنا لا أريدها وأفضل لى أن أعيش باسم وهمى عن أن أعيش ملوثة باسمها خاصة أن اسم الأب وهمى لكن لكون اسم الأم معلوم حرمت من حقوق كثيرة منها صندوق المدخرات الذى يكون لأى فتاة فى مثل ظروفى أو أى معونة أخرى فهل يمكن ذلك بقطاع الأحوال المدنية بوزارة الداخلية ويعطونى بطاقة جديدة. واسترسلت "بسنت" كيف لى ان أعيش بلا مصدر رزق كل ما أتمناه أن أكسب قوت يومى بعملى لا بعطف الناس ولكن أين لى بفرصة للعمل وأنا مازلت طالبة؟ وهل يمكن للوزيرة غادة والى أن تفتح قلبها لمأساتى وتحتضننى كأم قبل أن تكون مسئولة وتنتشلنى من بين براثن الضياع والمبيت فى العراء أو تطفلا على عطف الناس؟ E.M : Khaled_el [email protected] للمراسلة : القاهرة - شارع الجلاء رقم بريدى 11511 الاهرام المسائى - فاكس 25791761 - تليفون : 0227703100 - 01229320261