ملامح السيدة عجوزة شامخة, تتحدي بتجاعيدها الطل الذي تجلس فيه علي قارعة الطريق, غير عابئة بموجة الصقيع التي أجبرت المارة علي ارتداء الملابس الثقيلة, بينما هي تتلفح ب شال أسود مثقوب, وقد شمرت ساعديها وراحت تقلب كومة الترمس الباردة في صبر وايمان وعزيمة ست مصرية وابتسامة عريضة وفم يتمتم بعبارات الحمد ويجهش مرحبا بالزبون الذي ينعطف الي صينيتها لشراء الترمس. المشهد لافت حقا, يدفعك الي الوقوف أمامه ومحاورة تلك السيدة البطل التي جلست في ساعة مبكرة سعيا الي رزقها. بابتسامة من رائحة الزمن الجميل, قالت كلماتها برقة امرأة صابرة وبلهجة صعيدية مكافحة الراجل طفش من البيت وسابني أنا والبنات للزمن والمعايش صعبة يابنتي هنعمل إيه بسي أكل العيش مر ولازم نسعي علي رزقنا. تتوقف لحظة, ثم تمد يدها تتناول جنيها من فتاة, وبادلتها كيسا من الترمس وابتسامتها لم تفارقها, ثم عادت لتكمل: هجرني زوجي منذ5 سنوات, وترك لي ولدا وبنتين وحجرة صغيرة في مدينة ملوي بالمنيا, وضاقت الدنيا في عيني. تترقرق دمعات محبوسة في عيني أم حسين وهي تسرد تفاصيل رحلتها من الصعيد الي زحام العاصمة حتي استقرت في غرفة صغيرة بحي شبرا الخيمة, وانتهي بها الحال الي تلك الناصية التي افترشتها. الولد طفش زي أبوه, وماعادش معايا غير البنتين وفيض الكريم.. أهو احنا عايشين والحمد لله.. مش عايزين غير الستر, وربنا يصلح حال البلد وتتقدم كمان وكمان. أم حسين تصر علي العمل في بيع الترمس وتقول أحتمل البرد والحر و قرف الشوارع ولا أحتمل أن بناتي يشتغلوا خدامين في البيوت, وتؤكد أن ابنتيها ترفضان الزواج ودائما تقفان الي جوارها يجهزان لها الترمس وتقوم احداهما بالجلوس مكانها اذا أقعدها المرض ولم تقو علي الذهاب الي الناصية حيث تبيع ترمسها. مش عايزة حاجة من حد, عمر ما طلبت حاجة من الدولة, لا معاش ولا غيره أنا شغالة أنا وبناتي وبناكلها بالحلال لو البلد عايزة تساعدني أنا أهو موجودة في الشارع اللي جي واللي رايح شايفني