يبدو أن الرئيس أبومازن يقترب من مصير سلفه عرفات; ذلك الزعيم الذي حمل قضية فلسطين علي كاهله ودافع عنها بالبندقية وغصن الزيتون, وتقلبت به الأوضاع من صانع لسلام الشجعان إلي اعتباره عقبة في طريق السلام بالتوصيف الإسرائيلي الأمريكي, قبل أن ينتهي الأمر بالتخلص منه بالسم في11 نوفمبر2004 في جريمة ليست غريبة علي قادة الدولة العبرية الذين تلطخت أياديهم بدماء الفلسطينيين, وسط صمت دولي غريب ومريب. أبومازن الذي راهن علي غصن الزيتون ووضع كل البيض في سلة المفاوضات لإقامة دولة فلسطينية علي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام67, تبددت أحلامه وتم استنزاف مشروعه داخليا وخارجيا, وبات محل غضب جزار الحرب نتنياهو وحليفه الأكبر أوباما الذي ثبت بالدليل أنه لا يختلف كثيرا عن بوش الابن باستثناء أن الأول أوتي غلظة وعجرفة لا يحسد عليها, فيما الآخر يغلف مؤامراته بورق سوليفان, وكما كان الغضب الإسرائيلي الأمريكي علي عرفات راجعا إلي تمسكه بالحد الأدني من شروط تسوية مقبولة, ورفضه تقديم تنازلات في كامب ديفيد الثانية التي رعتها إدارة كلينتون في أواخر أيامها, فإن الفتور الأمريكي والهجوم الإسرائيلي ضد أبومازن راجع إلي تمسكه بالذهاب إلي مجلس الأمن بحثا عن إنهاء الاحتلال الذي بات يشكل أخر ذيول أسوأ ظاهرة عرفتها البشرية, أعني استعمار أراضي الشعوب بحجج وذرائع واهية, لكن دروس التاريخ تؤكد أن المحتلين إلي زوال. أبومازن الذي انتهت رئاسته دستوريا في9 يناير2009, فرض عليه أن يحارب علي جبهتين; الأولي إسرائيلية;حيث الصلف والتعنت وغطرسة القوة, وغياب الأوراق والكروت التي تسند ظهره, والثانية: حماس التي سال لعابها مبكرا علي السلطة وكان فوزها في انتخابها في2006 كارثة علي القضية الفلسطينية, إذ أعلنت انفرادها بقطاع غزة, وسلخته عن الضفة الغربية ومكنت للانقسام الفلسطيني مما منح إسرائيل فرصة ذهبية للتفلت من التزاماتها والتلاعب بمصير المفاوضات وتحويلها إلي وسيلة لكسب الوقت وتعزيز الاستيطان, وهذا ما كان ليحدث لو احتفظت الحركة بالبندقية وتركت لأبومازن مهمة التفاوض وهي الصيغة التي توافق عليها عرفات ومؤسس الحركة الشيخ أحمد يس, وأثمرت عن إقامة السلطة الفلسطينية. ويحسب لأبومازن أنه لم يفقد ثقته في خيار السلام وحقق نجاحات لا بأس بها حتي لوكانت دون آمال الشعب الفلسطيني وتضحياته, لعل أهمها انتزاعه عضوية غير دائمة لفلسطين في الأممالمتحدة دولة مراقب وكذلك كسب تعاطف برلمانات العديد من الدول الأوروبية التي صوتت لصالح الاعتراف بدولة فلسطين, وهو ما يشكل ضغطا هائلا علي حكوماتها وعلي إسرائيل وداعميها وفي مقدمتهم الولاياتالمتحدة التي لا تتورع عن عمل أي شيء يخدم الدولة العبرية حتي لو أضر ذلك بمصداقيتها الدولية. الولاياتالمتحدة باتت ساخطة الآن علي أبومازن لأنه أراد أن يذهب لمجلس الأمن ليضعه أمام مسئولياته مطالبا بإنهاء احتلال الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام67 في غضون عامين ولم تجد واشنطن التي تنصب نفسها زورا وبهتانا مدافعة عن حقوق الإنسان حرجا في أن تلوح باستخدام الفيتو ضد تطلعات وحقوق الشعب الفلسطيني الذي نكب بالفيتو الأمريكي مثلما نكب بجرائم عصابات تل أبيب وتصارع قادته علي كعكة السلطة المسمومة. وإذا ما أصر أبومازن علي موقفه وهو المرجح حتي الآن فعليه أن يعلم أنه سيبوء بغضب نتنياهو وأوباما وعليه أن ينتظر مصيرا يشبه أو أسوأ مما لاقاه عرفات. أبومازن مهندس اتفاقيات أوسلو وأحد الذين شاركوا في المفاوضات السرية التي سبقت مؤتمر مديد, ربما يكون قد خسر رهانه علي غصن الزيتون, لكن عزاءه أنه واجه ظروفا هي الأصعب, بداية من غياب الشريك الإسرائيلي وتواطؤ الراعي الأمريكي والتأثر بخنجر الداخل الفلسطيني, وانكشاف سوءة الشقيق العربي, ورب ضارة نافعة فخيار السلام يحتاج إلي مراجعة بالكلية والقضية الفلسطينية تتطلب إعادة تعريف من جديد. [email protected]