مع نهاية العام الحالي و بدون محاولة استدرار عطف قسوة السنة الماضية علي المستوي الفلسطيني فإنه يصبح من الضروري الدخول في بعض الإشارات السريعة التي قد تفيد في وضع إطار عام أو علي الأقل إدراك عام.. بداية العام القادم مازالت تشير إلي استمرار الجميع بمن فيهم الفلسطينيون أنفسهم في التمسك بعبارة مواصلة الحوار وصولا إلي الأهداف الثابتة, و ذلك في الوقت الذي تبدو فيه العديد من الإشارات التي توضح أن هذه العبارة لم تعد كافية أو مؤدية إلي هدف محدد. أثارتني بعض الجزئيات التي ربما ترجع بنا إلي ذكريات من بدايات القرن الماضي حينما كانت الجماعات اليهودية و الصهيونية تتلمس طريقها إلي بناء دولة إسرائيل, و إن كانت بعض هذة الجزئيات تبدو أكثر ضراوة و الأمثلة خلال الأيام القريبة و البعيدة الماضية تعد كثيرة ومتنوعة. - ما ذكرته وكالات الأنباء مؤخرا عن قيام بعض المستعربين الإسرائيليين بإختطاف مواطن فلسطيني في إحدي البلدات شمال الخليل, و ليس الأقل إثارة في الخبر أن وحدات المستعربين هي وحدة خاصة تابعة لجيش الاحتلال تعمل متنكرة في زي مدني, و ليس الأغرب أيضا أنها تعمل كذراع تخدم سلطات الأمن بصورة متخفية دون تحميل هذه السلطات أي مسئولية مباشرة, و لكن قد يكون الأغرب هو ما يشير إليه هذا الإسلوب من العودة إلي طرق و أساليب قديمة يزخر بها تاريخ الحركة اليهودية و الصهيونية في فلسطين خلال المراحل الأولي أو التمهيدية لقيام الدولة. - ما يبدو من عودة ظاهرة صوتين أو أكثر في التعبير عن نوايا و مواقف إسرائيلية خاصة حين يقوم وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان بإطلاق مثل هذه التصريحات حول وضع الفلسطينيين في إسرائيل أو حتي نوايا خاصة لتحركات إسرائيلية مضادة لبعض المواقف الفلسطينية و العربية, ثم تعود الحكومة بعد ذلك لتكذيبها و تحميلها فقط لشخص ليبرمان دون إعتبارها موقفا رسميا و إن كان المشهد السياسي بعد ذلك بالطبع لا يخلو من وضوح تأثير مثل هذة الاتجاهات و التصريحات علي المستوي الرسمي. - ما يمكن أن نطلق عليه الآن تحويل التفويض بالتحرك في مجال أزمة الشرق الأوسط إلي المسئولين الأمريكيين و ذلك ليس بهدف التجاوب مع جهود هذة الإدارة, أكثر مما يبدو إرتباطا بالرغبة في إستبعاد إمكانيات الوساطة الأخري خاصة الأوروبية, لاسيما مع الإعداد في نفس الوقت لإستغلال بعض الثغرات الأساسية في الموقف الأمريكي و النظام السياسي فيها لصالح إسرائيل و نقصد بذلك طبيعة التركيبة السياسية الأمريكية التي تسمح بدور متنام لجماعات الضعط الصهيوني في التأثير علي إتجاه القرار الأمريكي من ناحية مع فتح طريق واحد أمام واشنطن للحصول علي تجاوب إسرائيلي محتمل لتحريك الموقف يتمثل في تقديم المزيد من الدعم المادي و العسكري لها و الذي يبدو أنه يأتي بنتائج علي عكس المطلوب فعلا لتحريك الموقف. - كذلك فقد عمدت إسرائيل إلي تفريغ الوعود التي ملأت العام المنصرم في حوار لم ينقطع إلا نادرا مع الجانب الفلسطيني أعاد إلي الأذهان مقولة إسرائيلية أيضا بأنه من الممكن الدخول في حوار لمائة عام دون تمكين الطرف الآخر من الوصول لشيء ذي قيمة و هي قد نجحت في هذا الإسلوب مثلما قد تشير الشواهد. - نعود إلي مجمل المواقف الأخري و نقول إذا كانت واشنطن تحاول قدر جهدها أو قدر ما تسمح به تركيبتها الداخلية التوصل إلي حلول إقناعية تعتمد علي الأطراف المباشرة فإنها تصطدم بشكل او بآخر بالموقف الإسرائيلي الذي يكون في العادة قد حاول تهيئة الظروف لخدمة مواقفه الأساسية. - و الجانب الفلسطيني و هو طرف أساسي في المعادلة مازال يحاول خلال أكثر من عام أن يصل إلي وحدة داخلية باتت احتمالاتها أصعب كثيرا مما بدأت به لاسيما مع استمرار الجدل و التباعد و الذي وضح مع مرور الوقت أنه مازال يخفي قدرا من التأثر بنظرة خاصة للحلول الممكنة و إرتباطات خاصة بقوي في المنطقة و خارجها, و الأهم في ذلك ان المعاناة الفعلية للشعب الفلسطيني خلال حياته اليومية علي الأرض مازالت أيضا تشكل ما يمكن أن أطلق عليه تعبير الحاضر الغائب عن التأثير في الموقف السياسي. و علي الرغم من تلويح الجانب الفلسطيني بتعدد الإحتمالات أمامه سواء للسير في إجراءات أحادية الجانب إزاء فكرة الدولة أو بناء كيان قابل للبزوغ و فرض حقيقته علي المستوي السياسي, إلا أنه و كما يبدو تظهر هناك العديد من المحاذير التي مازالت تشكل الحاضر الغائب في المشهد السياسي الفلسطيني ككل. و مع تباشير نهاية العام الحالي و الذي ملأ أسماع الدنيا حديثا عن الدولة الفلسطينية و السلام الإسرائيلي الفلسطيني إلاأنه و من الواضح ان معظم القرارت المؤهلة لتحقيق مثل هذه الأهداف مازالت تترقب عاما جديدا نرجو ألا نضطر في نهايته إلي الحديث في نفس الدوائر المفرغة التي تصل بنا إلي عام جديد من دوائر أخري قد تأخذ اشكالا مختلفة مع وعود بنهايات غير التي نتحدث عنها في نهايات العام الحالي.