تحت شعار "اخدم نفسك بنفسك" بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء اللبناني جولات جديدة من الزيارات والاتصالات والمفاوضات العربية والدولية من أجل البحث في حلول للمشكلتين الفلسطينية واللبنانية وبعد أن اعتمدت قمة دمشق العربية في نهاية مارس الماضي المبادرة العربية للسلام الخاصة بالصراع العربي الإسرائيلي القائمة علي السلام الشامل مقابل الانسحاب الإسرائيلي الشامل، وبما يعني إقامة دولة فلسطينية علي الأراضي التي احتلت سنة 1967 وانسحاب إسرائيلي من الجولان السورية مقابل التطبيع العربي الكامل معها كما اعتمدت قمة دمشق المبادرة العربية الخاصة بالأزمة اللبنانية والقائمة علي دعم انتخاب المرشح الذي توافقت عليه القوي السياسية اللبنانية وهو قائد الجيش العماد ميشال سليمان لمنصب رئيس الجمهورية. وتشكيل حكومة ائتلافية بنسب تراعي التوازن السياسي الطائفي وإعداد قانون جديد للانتخابات يراعي التحولات علي الساحة اللبنانية مع الحفاظ علي صيغته التاريخية المحددة في وثيقة الاستقلال. عباس.... سباق مع الزمن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحرك علي عدة جبهات في نفس الوقت فهو يواصل اتصالاته برئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت في محاولات للتوصل إلي اتفاق سلام نهائي إسرائيلي فلسطيني، فيما أكدت مصادر إسرائيلية أن قرابة 50 اجتماعا سريا عقد حتي الآن بين وفدين إسرائيلي برئاسة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني وكبير المفاوضين الفلسطينين صائب عريقات في فنادق ومكاتب إسرائيلية وأن تلك المفاوضات دخلت في عمق كل تفاصيل اتفاق السلام. وهو ما أكده محمود عباس خلال زيارته للقاهرة منذ أيام بقوله إن المفاوضات تتناول قضايا الوضع النهائي: الحدود، الأمن، المياه، القدس، واللاجئين، وهي القضايا الأصعب حيث أدي الخلاف حول بعض تلك القضايا إلي إفشال أقرب محاولة للتوصل إلي اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني في مفاوضات كامب ديفيد سنة 2000 مع نهاية حكم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. وفي نفس الوقت تواصل السلطة الفلسطينية اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية فبعد زيارة الرئيس بوش لرام الله في يناير الماضي، قام نائبه ديك تشيني بزيارة أخري لرام الله الشهر الماضي، علاوة علي الزيارات الروتينية المتكررة لوزيرة الخارجية كونداليزا رايس لرام الله وإسرائيل حيث تحرص السلطة الفلسطينية علي إبقاء الإدارة الأمريكية في قلب التطورات وعلي قرب من تفاصيل المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في ضوء مبادرة الرئيس بوش وتعهده بالتوصل إلي اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني وإقامة دولة فلسطينية في نهاية 2008. ودوليا يتوجه عباس إلي موسكو الأسبوع القادم حيث يتم الإعداد لمؤتمر أنابوليس 2 في موسكو لاستكمال أعمال المؤتمر الأول الذي عقد في الولاياتالمتحدة في نوفمبر الماضي، ومراجعة ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر باريس للدول والأطراف المانحة للمساعدات للشعب الفلسطيني. علي الصعيد العربي قام عباس بجولة في القاهرة حيث شارك في قمة ثلاثية مع الرئيس مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ثم توجه إلي الرياض لعقد قمة أخري مع العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وكان القادة العرب الثلاثة مبارك عبدالله الثاني عبدالله بن عبدالعزيز قد تغيبوا عن قمة دمشق، وبالتالي فقد جاءت تلك الاتصالات بهدف الحرص علي استمرار فاعلية مبادرة السلام العربية التي تم إقرارها في قمة بيروت عام 2003 واستمرار الغطاء العربي للسلطة الفلسطينية في مسيرتها التفاوضية. المبادرة اليمنية علي الصعيد الفلسطيني الداخلي فإن المصاعب والصراعات الداخلية ظلت علي حالها رغم المبادرة اليمنية التي أثمرت عن توقيع اتفاق صنعاء للمصالحة بين السلطة وحماس إلا أن هذا الاتفاق انهار بعد ساعات من توقيعه بسبب التفسيرات المختلفة فالسلطة اعتبرته واجب التنفيذ بإنهاء انقلاب حماس فيما اعتبرته حركة حماس إطارا للتفاوض وكانت النتيجة غياب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن قمة دمشق بعد رحلة إلي السعودية واجتماعه بالملك عبدالله إذ تأكد فشل أي جهد عربي لرعاية مصالحه فلسطينية فلسطينية. وفي نفس الوقت فإن حالة من التهدئة تسود الآن ساحة المواجهات الإسرائيلية الفلسطينية في قطاع غزة علي وجه الخصوص وذلك بعد العمليات الإسرائيلية الكبيرة في فبراير الماضي "عملية حد السيف" ودخول مصر علي الخط ومحاولتها التوصل إلي تهدئة تتيح فتح المعابر وتحسين أحوال الشعب الفلسطيني، ومن ثم محاولة احتواء حركة حماس والمساعدة علي تحقيق مصالحه مع السلطة الفلسطينية. هل يحدث اتفاق وفي ضوء التطورات الفلسطينية تلك بعد قمة دمشق فإن الوضع الفلسطيني بأكمله مايزال يخوض سباق السرعة الرهيبة ضد الوقت فالسلطة الفلسطينية تحاول استثمار ما تبقي من وقت حتي نهاية هذا العام للوصول إلي اتفاق سلام مع إسرائيل اعتمادا علي وعد بوش والغطاء العربي والتأييد الدولي الكبير لها فيما تحاول في نفس الوقت حركة حماس تجميع قواها من جديد والاستعداد للمواجهة القادمة مع إسرائيل والسلطة في حال التوصل إلي اتفاق سلام لا تري فيه حماس أنه يلبي الحقوق المشروعة والكاملة للشعب الفلسطيني، وبالقطع فإن أي اتفاق تتوصل إليه السلطة مع إسرائيل لن يلبي طموحات حركة حماس خجال من الأحوال وبالتالي فالانفجار مؤجل فيما تعي السلطة إلي إنجاز اتفاق وتسعي إسرائيل لاحتقان حماس وضربها قبل أن تنجح في ضرب الطرفين. لبنان قبل التدويل أما علي صعيد القضية اللبنانية فإن غياب لبنان عن قمة دمشق ساعد علي عدم تفجر هذه القمة حيث لم تناقش القضية اللبنانية لغياب أصحابها فيما تم التأكيد علي المبادرة العربية الخاصة بالقضية اللبنانية والقائمة علي دعم انتخاب مرشح التوافق العماد ميشال سليمان قائد الجيش لمنصب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة يتمتع فيها الرئيس بقوة الحسم بين معسكري الأغلبية والمعارضة ثم إعداد قانون جديد للانتخابات. وبدأ رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة جولته العربية بزيارة مصر ثم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات لمناقشة كيفية تنفيذ المبادرة العربية وبعد أن فشل مجلس النواب في الانعقاد بغالبيته الدستورية 17 مرة لانتخاب الرئيس حيث تتغيب المعارضة احتجاجا علي عدم تنفيذ المبادرة العربية دفعة واحدة وليس خطوة خطوة وبالتالي يظل لبنان بلا رئيس للشهر الخامس. ويظل مجلس النواب معطلا لمدة 17 شهرا حتي الان. وقد أدت عملية اغتيال النائب أنطوان غانم في 18 ديسمبر الماضي علاوة علي إنهاء تواجد حزب الكتائب في مجلس النواب بعد اغتيال النائب الآخر بيار الجميل، إلي تقليص غالبية معسكر الأكثرية إلي 68 نائبا وانتهت الغالبية بإعلان الوزير محمد الصفدي من تجمع طرابلس رفضه انتخاب رئيس الأغلبية البسيطة 50+ 1 وهو ما يجعل انتخاب الرئيس بالأغلبية الكبيرة ثلثي الأعضاء" عملا مستحيلا في نفس الوقت لمقاطعة المعارضة. الوضع اللبناني إقليما مايزال يشهد الانقسام الإقليمي ما بين مصر والسعودية ودول الخليج التي تؤيد تنفيذ المبادرة العربية خطوة خطوة بانتخاب الرئيس التوافقي أولا وسوريا التي تحظي بنفوذ كبير لدي معسكر الأقلية في لبنان والتي تري ضرورة تنفيذ المبادرة دفعة واحدة. وتثير سوريا في نفس الوقت قضية منطقية إذ تستغرب إدانة دول عربية لها بالتدخل في لبنان، فما تدعوها هذه الدول للتدخل من أجل تسهيل انتخاب رئيس وهي ردت بأنها تدعو السعودية للعمل معها من أجل حل المشكلة اللبنانية. رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة قال إن الشرط السوري الجديد هي عملية اختطاف للبنان والفدية هنا هي مصالحة سورية سعودية رافضا عملية الاختطاف تلك داعيا العالم العربي للعمل من أجل إعادة صياغة العلاقات السورية اللبنانية. وتبادل الاعتراف والسفراء بين البلدين مثل ما يحدث بين الدول العربية بعضها البعض، وإيقاف إرسال الأسلحة والمساعدات العسكرية والمالية إلي حزب الله من خلال إيران وعبر سوريا مما يؤدي إلي إضعاف الدولة ومؤسساتها أمام قوة حزب الله وحلفائه. وأمام لبنان أسابيع أخري ملتهبة فلا يتوقع أن تنجح الجلسة الثامنة عشرة في 22 إبريل الحالي في انتخاب الرئيس وهناك أفكار بدعوة مجلس الجامعة العربية للانعقاد علي مستوي وزراء الخارجية لبحث مصير المبادرة العربية وقد يتحول هذا الاجتماع إلي اجتماع تصادمي بين مصر والسعودية من ناحية وسوريا من ناحية أخري وهو أمر يتجنبه الجميع بشدة. وتبدو فرص التوصل إلي تفاهم عربي بين المحاور المختلفة أمرا صعبا ولكنه ليس مستحيلا خاصة إذا ما تم التوصل إلي صيغة ترضي جميع الأطراف وتقدم سوريا دعما في استعادة ملف المفاوضات السورية الإسرائيلية لتحرير الجولان. أما إذا فشلت تلك الجهود فإن تدويل الأزمة اللبنانية قد يصبح أمرا واقعا في ضوءالاستعداد لبدء عمل المحكمة الدولية الخاصة بقضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري وعدد من السياسيين والبرلمانيين والصحفيين اللبنانيين، وهناك اتهامات لسوريا بالتورط في هذه العمليات ومخاوف من أن تتحول المحاكمة إلي عملية حصار للنظام السوري عبر تسييس المحاكمة.