سعر الذهب اليوم الجمعة في مصر ينخفض مع بداية التعاملات    لتضامنه مع طلاب محتجين.. إيقاف رئيس حرم جامعي بكاليفورنيا    موعد مباراة الأهلي والترجي في ذهاب نهائي أبطال أفريقيا 2024    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد والقنوات الناقلة    العظمى بالقاهرة 35.. "الأرصاد": موجة حارة ورياح واضطراب الملاحة بهذه المناطق    بعد 12 يوما على غيابه عن المنزل.. العثور على جثة طفل داخل بالوعة صرف صحي بالإسكندرية    ضبط زجاجات مياه غازية ولحوم مذبوحة خارج السلخانة ببني سويف    الإثنين.. المركز القومي للسينما يقيم فعاليات نادي سينما المرأة    لطيفة تحتفل بعيد ميلاد عادل إمام: "من أكتر الناس اللي وقفوا جمبي لما جيت مصر"    "زووم" برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    دعاء يوم الجمعة المستجاب.. «اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها» ردده الآن    هل يمكن أن يؤدي الحسد إلى الوفاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    أسعار الحديد اليوم الجمعة 17-5-2024 في أسواق محافظة المنيا    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    أستراليا تفرض عقوبات على كيانات مرتبطة بتزويد روسيا بأسلحة كورية شمالية    أين وصلت جلسات محكمة العدل الدولية للنظر في دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل؟    السفير سعيد أبوعلى الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربية ل«روزاليوسف»: تحركات عربية مكثفة لملاحقة المسئولين الإسرائيليين أمام «الجنائية الدولية»    أسعار السمك اليوم الجمعة 17-5-2024 في محافظة قنا    فرصة استثمارية واعدة    كريم الحسيني يقلد الزعيم عادل إمام احتفالا بعيد ميلاده (فيديو)    تركيا تجري محادثات مع بي.واي.دي وشيري لبناء مصنع للسيارات الكهربائية    موعد مباراة النصر والهلال والقنوات الناقلة في الدوري السعودي    «الأوقاف» تعلن افتتاح 12 مسجدا منها 7 إحلالا وتجديدا و5 صيانة وتطويرا    احذر.. قلق الامتحانات الشديد يؤدي إلى حالة نفسية تؤثر على التركيز والتحصيل    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    سيولة مرورية وسط كثافات محدودة بشوارع القاهرة والجيزة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 17 مايو 2024    فيرشينين: روسيا مستعدة لتوسيع مساعداتها الإنسانية لسكان غزة    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    النواب الأمريكي يقر مشروع قانون يجبر بايدن على إمداد إسرائيل بالأسلحة دون انقطاع    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    النمسا تتوعد بمكافحة الفساد ومنع إساءة استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي    بركات: الأهلي أفضل فنيا من الترجي.. والخطيب أسطورة    شريف الشوباشي: أرفض الدولة الدينية والخلافة الإسلامية    ملف يلا كورة.. موقف شيكابالا من النهائي.. رسائل الأهلي.. وشكاوى ضد الحكام    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    «رايحة فرح في نص الليل؟».. رد محامي سائق أوبر على واقعة فتاة التجمع    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    "كاميرا ترصد الجريمة".. تفاصيل تعدي شخص على آخرين بسلاح أبيض في الإسماعيلية    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» .. موضوع خطبة اليوم الجمعة    براتب 1140 يورو.. رابط وخطوات التقديم على وظائف اليونان لراغبي العمل بالخارج    عاجل - واشنطن: مقترح القمة العربية قد يضر بجهود هزيمة حماس    شروط الحصول على المعاش المبكر للمتقاعدين 2024    كارثة تهدد السودان بسبب سد النهضة.. تفاصيل    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    تركيب المستوى الأول من وعاء الاحتواء الداخلي بمفاعل محطة الضبعة النووية    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    طريقة عمل بيكاتا بالشامبينيون: وصفة شهية لوجبة لذيذة    للحفاظ على مينا الأسنان.. تجنب تناول هذه الفواكه والعصائر    تنظم مستويات السكر وتدعم صحة العظام.. أبرز فوائد بذور البطيخ وطريقة تحميصها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يؤدي قيام دولة فلسطينية إلي تحقيق الأمن الإسرائيلي
نشر في نهضة مصر يوم 10 - 05 - 2010

إن الحل القائم علي دولتين للصراع الإسرائيلي _ الفلسطيني يمثل مصلحة ملحة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث إنه يعتبر المنهج الأكثر واقعية لإحلال السلام الدائم وتحقيق العدالة للإسرائيليين والفلسطينيين كما أنه يحقق مصلحة واضحة وجوهرية للأمريكيين، والفلسطينيين والإسرائيليين وأيضًا مصلحة العديد من الدول الأخري في المنطقة.
وهذا الحل العملي يجب أن يقوم علي ركيزة أساسية هي توفير الأمن الكافي للجانبين الإسرائيلي والفلسطيني علي حد سواء، لكن تحقيق هذا الهدف لن يكون بالأمر السهل حتي في سياق إقامة دولتين، لأن كل دولة ستكون صغيرة نسبيا، كما سيكون علي الطرفين تنسيق عمليات المراقبة علي الحدود، والوصول للمياه والمواقع الدينية الرئيسية، وغيرها من القضايا الخلافية الأخري المحتملة. فالتاريخ الطويل من الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين سيقود حتمًا لتعظيم المخاوف الأمنية. كما أن ذلك من شأنه إثارة قلق الطرفين من أن التنازلات التي قدمت في إطار اتفاقية الوضع النهائي من المحتمل أن تصبح يومًا ما عرضة للدخول مرة أخري في مفاوضات حولها. وعلي الرغم من هذه التحديات، فإن إقامة دولتين ما زال يمثل أفضل الفرص لتحقيق الأمن المتبادل للطرفين الإسرائيلي والفلسطيني سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب.
في هذا السياق، تأتي هذه المقالة بعنوان "تحديات الأمن الإسرائيلي _ الفلسطيني" للكاتب "ستيفن والت" Stephen M Walt ، وهو أستاذ بقسم الشئون الدولية في كلية هارفارد كيندي وعضو في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، ومحرر في مجلة السياسة الخارجية، وذلك ضمن سلسلة المقالات حول دراسة السلام في الشرق الأوسط الصادرة عن مجموعة بوسطن"Boston Group" تحت عنوان "إسرائيل وفلسطين ... دولتين لشعبين: إذا لم يكن الآن، فمتي؟!"Israel and Palestine ?two states for two peoples: if not now, when"".
متطلبات الأمن الإسرائيلي
يشير الكاتب إلي أنه لكي نفهم متطلبات واحتياجات الأمن الإسرائيلي الحالية بشكل تام فلابد من الاعتراف بأن الوضع الأمني الآن قد تغير عما كان عليه عام 1948، والدليل علي ذلك:
أنه فيما يتعلق بالتهديدات العسكرية التقليدية، فإن إسرائيل الآن أكثر أمنًا مما كانت عليه وقت احتلالها للضفة الغربية ومرتفعات الجولان عام 1967م، حيث كانت إسرائيل حينذاك تواجه معارضة من قبل العالم العربي بأكمله أما اليوم فقد وقعت مصر والأردن معاهدات سلام مع إسرائيل بل أكثر من ذلك ففي عام 2007 أيدت الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية (والمملكة العربية السعودية علي وجه التحديد) مبادرة السلام لعام 2002.
وفي عام 1967 كان حجم الإنفاق الدفاعي الإسرائيلي أقل من نصف حجم الإنفاق لكل من مصر وسوريا والأردن والعراق. أما اليوم فقد تجاوز الإنفاق الدفاعي الإسرائيلي مجموع الإنفاق الدفاعي لجيرانها بهامش كبير حيث فقدت سوريا راعيها السوفيتي عام 1989، والعراق دمرت نتيجة خوضها ثلاثة حروب مدمرة، وإيران تبعد عن إسرائيل مئات الأميال.
علاوةً علي ذلك، فقد انتصرت إسرائيل في حرب عام 1948، حرب 1956، حرب 1967 بشكل حاسم _ في الوقت الذي لم تمدها فيه الولايات المتحدة بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية الكافية _، كما أنها فازت بحرب أكتوبر عام 1973 علي حد وولت علي الرغم من أنها كانت ضحية الهجمة المفاجئة الناجحة. فاليوم، إسرائيل أصبحت أكبر قوة عسكرية في المنطقة وحليفًا استراتيجيا للولايات المتحدة الأمريكية وأكبر متلقٍ لبلايين الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
وأخيرًا، فإن إسرائيل لم يكن لديها درع نووي قبل عام 1967 بينما اليوم أصبح لديها ترسانة نووية تتجاوز 200 سلاح، ففي ظل حدود ما قبل عام 1967 وفي وقت قصير أصبحت إسرائيل أكثر أمنًا من أي وقت مضي ولم تعد تواجه أي تهديدات خطيرة بالأسلحة العسكرية التقليدية.
ويري "والت" أن التهديدات الرئيسة لأمن إسرائيل اليوم تنبع من طرق القتال غير التقليدية بما في ذلك هجمات الصواريخ قصيرة المدي التي تشنها الجماعات الفلسطينية في قطاع غزة، التهديدات الصاروخية من قبل حزب الله في جنوب لبنان والاحتمالات المستمرة للهجمات الإرهابية (بما في ذلك التفجيرات الانتحارية) ضد القوات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة أو ضد المدنيين الإسرائيليين. وعلي الرغم من أنه لا يجب التقليل من شأن هذه التهديدات إلا أنها لا تشكل تهديدًا علي بقاء إسرائيل.
والأكثر أهمية من ذلك أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة لا ينفي هذا الخطر. بل علي العكس، فجهود إسرائيل المستمرة للاستيطان في الضفة الغربية ومحاصرة سكان قطاع غزة يعد أحد الأسباب الأساسية لاستهداف الجماعات الفلسطينية لإسرائيل. وفي ظل غياب حل الدولتين، فإن هذه التهديدات غير التقليدية لن تنتهي بل في الواقع قد تتطور الأمور إلي الأسوأ.
إيران نووية تهدد أمن إسرائيل
أما الخطر الثاني غير التقليدي علي أمن إسرائيل فيتمثل في سعي إيران الدائم لامتلاك دورة الوقود النووي الكاملة ومن ثم إعطاؤها القدرة علي صنع أسلحة نووية إذا ما اختارت ذلك. ومن الجدير بالذكر أن قلق إسرائيل بهذا الشأن من السهولة استيعابه خصوصًا في ظل تصريحات الرئيس الإيراني "محمود أحمدي نجاد" المسيئة بشأن ارتكاب إسرائيل لمحرقة الهولوكوست وتصريحاته المتكررة التي تتحدي شرعية وجود إسرائيل.
غير أن هذا القلق المشروع من قبل إسرائيل لا ينبغي المبالغة فيه كما لا ينبغي أن يقودنا إلي استخلاص استنتاجات خاطئة فيما يتعلق بأسلوب التعامل الأفضل من قبل الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين، حيث أعلن الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" مؤخرًا دعم بلاده لحل الدولتين في حالة جلوس الطرفين علي مائدة المفاوضات.
ثانيا أنه حتي في حالة امتلاك إيران أسلحة نووية يومًا ما، فيجب إلا ننسي أن إسرائيل لديها قوة ردع نووية خاصة بها، فلا يمكن لزعيم إيراني مهاجمة إسرائيل دون رد إسرائيل علي ذلك بانتقام مدمر كما أن أي استخدام للأسلحة النووية يتطلب مشاركة فعالة من قبل عديدٍ من أفراد القيادة الإيرانية والقوات المسلحة. فالخوف من استخدام الأسلحة النووية ما زال بعيدًا نوعًا ما لأن تنفيذ التهديد النووي ليس بالمصداقية ذاتها ضد الخصم المسلح نوويا.
فإسرائيل (وغيرها) لديها أسباب للقلق حيال البرنامج النووي الإيراني لكن هذه المخاوف ليست حجة ضد حل إقامة الدولتين. بل علي العكس، فإن هذه المخاوف تبرز إلي أي مدي أن السيطرة علي الأراضي المحتلة لم تعد ذات أهمية لأمن إسرائيل (بعبارة أخري، أنها لم تعد مصدر حماية من هجمات الصواريخ الباليستية أو هجمات الإرهابيين الانتحارية).
وفي الواقع، فإن وجود إسرائيل الدائم والمستمر في الأراضي المحتلة يعزز مصالح إيران من خلال إعطائها ورقة رابحة للعب بها في السباق علي تعزيز نفوذها علي نطاق أوسع في المنطقة والمساومة بشأن برنامجها النووي مع واشنطن. فالالتزام الإيراني تجاه القضية الفلسطينية يتسم بالانتهازية وحديث النشأة نسبيا، فإيران لم تبدأ في دعم المتطرفين الفلسطينيين مثل حركة حماس والجهاد الإسلامي حتي أوائل التسعينيات وذلك استجابة لاستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية القائمة علي "الاحتواء المزدوج" ومحاولة أمريكا عزلها في المنطقة.
فقد أعلن في وقت سابق أحد الساسة الإيرانيين البارزين وهو الرئيس الإيراني السابق "محمد خاتمي" استعداد بلاده لقبول أي اتفاق يوافق عليه الفلسطينيون وإنهاء دعم بلاده لحركة "حماس"، الجهاد الإسلامي وحزب الله وذلك في سياق عقد صفقة كبري مع الولايات المتحدة الأمريكية.
فإذا ما أزلنا المصدر الرئيسي لقوة إيران وعملنا علي تسهيل التقارب بين إسرائيل وباقي الدول الأخري (مثل المملكة العربية السعودية) _ التي لديها مخاوفها الخاصة من إيران _ فإن حل الدولتين قد يكون الطريق الأفضل لتقليل الخطر الذي تمثله إيران في الوقت الراهن.
في تلك المقالة يؤكد ستيفن وولت
حل الدولتين مصدر شرعية
من شأن حل الدولتين تعزيز رغبة إسرائيل في التمتع بالشرعية الدائمة، فامتلاك إسرائيل للقوة العسكرية لا يعوضها عن فقدان الأمن الناتج عن عدم رغبة دول الجوار في الاعتراف بوجودها وشرعيتها. فحتي يتم الاعتراف بإسرائيل وقبولها في المنطقة، سيظل مواطنوها في خوف مستمر فيما يتعلق بتوقف مستقبلهم علي هيمنة دولة إسرائيل وأيضًا خوفهم من أن تآكل قوة إسرائيل سيضع وجودها علي المحك
في هذا السياق، يشير وولت إلي أنه بالتخلص من المعوقات الكبري أمام قبول إسرائيل إقليميا، فإن حل الدولتين سيحقق منفعة متبادلة للطرفين ويزيد من احتمالات السلام الدائم. وفي الواقع، فإنه من الصعب تخيل إمكانية قبول إسرائيل والاعتراف بها من قبل الدول الأخري في ظل احتلالها للأراضي الفلسطينية واستمرار نكرانها للحقوق السياسية الأصيلة للشعب الفلسطيني.
حل الدولتين بشروط إسرائيلية
وفي الوقت ذاته، فإن حل الدولتين لابد من تطبيقه بطريقة تحمي إسرائيل من الهجمات الناجمة من أراضي دولة فلسطين الجديدة، فلا يمكن لأية دولة أن تتوقع الأمان المطلق، وبطبيعة الحال فإن الإسرائيليين سيريدون التأكد من أن دولة فلسطين لن تصبح معقلا للهجمات الإرهابية المكثفة ضد إسرائيل.
والحماية الأكيدة من هذا الخطر تتمثل في نمو علاقات إيجابية وودية بين الشعبين، ومن ثم القضاء علي الحافز وراء مزيد من الهجمات. في غضون ذلك، فإن الحل الواقعي والمتمثل في إقامة الدولتين سوف يتطلب فرض قيود علي التسلح الفلسطيني والتطوير المستمر لقوات الأمن الفلسطينية (الشرطة والقوات شبه العسكرية) - وهي العملية التي تجري حاليا _ بل وربما نشر مؤقت لقوات حفظ الأمن الدولية والتي من المحتمل أن تضم قوات أمريكية وذلك خلال الفترة الأولي من إقامة الدولة الفلسطينية.
ويجب ألا ننسي أن الاتفاق المتبادل والتخطيط المسبق والتقسيم الواضح للمسئوليات كان مفقودًا وقت الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة في سبتمبر عام 2005م مما خلق فجوة الفراغ الأمني وخلفَ وضعًا كارثيا للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي علي حد سواء مما أدي في نهاية الأمر إلي هبوط الصواريخ في مدن الجنوب الإسرائيلي والحصار الذي فرض علي غزة وحرب غزة أواخر عام 2008 وبدايات عام 2009م.
المتطلبات الأمنية لدولة فلسطين المستقلة
يشير "والت" إلي أن توفير الحد الأدني من المتطلبات الأمنية لدولة فلسطين من أكثر المهام صعوبةً علي الإطلاق، حتي أكثر المخططات التوسعية لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل فإنها لن تمنح لهم السيادة علي ما لا يزيد عن 22 % من أراضي فلسطين الأصلية (في ظل الانتداب) بما في ذلك قطاع غزة.
وحتي إذا ما تم توصيلها بمعبر أرضي (بمعني معبر ضيق للعبور) فإن دولة فلسطين المستقبلية ستكون من مقاطعتين متميزتين أكبرهما ستكون مقاطعة حبيسة ومطوقة بالإسرائيليين من ناحية الغرب وبالأردن من ناحية الشرق، ومن ثم فالدولة الجديدة ستكون أكثر فقرًا وضعفًا من جارتها إسرائيل لعدة عقود قادمة. كما أن مقترحات السلام السابقة (بما في ذلك معايير كلينتون في ديسمبر 2000) تتبني تصورًا لقيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وعلي الرغم من ذلك فإنها تسمح للفلسطينيين ببناء قوات أمن داخلية وذلك من شأنه السماح بالنمو حيث الزيادة السكانية الفلسطينية. وقد اقترحت معايير كلينتون أيضًا ما يلي:
1- حق إسرائيل في الاحتفاظ بثلاث محطات للإنذار المبكر علي الأراضي الفلسطينية بوضعهم الحالي علي أن يعاد النظر في ذلك بعد مرور (10) سنوات ويتم مراجعة ذلك في إطار الاتفاق المتبادل.
2- مد السيادة الفلسطينية علي مجالها الجوي وذلك باستثناء الاحتياجات التدريبية والعملية الإسرائيلية.
3- حق القوات العسكرية الإسرائيلية في اختراق الأراضي الفلسطينية في ظل إعلان حالة الطوارئ الوطنية والتي يطلق عليها مصطلح "الخطر الوشيك للأمن القومي الإسرائيلي ذي الطبيعة العسكرية".
وتمثل هذه المعايير تنازلات مهمة فيما يتعلق بالسيادة الفلسطينية. وفي الواقع، فإنه من الصعب التفكير في قيام دولة مستقلة تواجه قيودا مماثلة، ومن ثم فالترتيبات الأكثر ترجيحًا لقيام دولة فلسطين المستقبلية تتمثل في تعظيم أمن إسرائيل عن طريق ضمانة رئيسيه هي التأكد من عدم وضع دولة فلسطين الجديدة في وضع يهدد أمن إسرائيل بشكل مباشر ويتيح لإسرائيل اتخاذ الخطوات التي تراها ضرورية لحفظ أمنها في حالة فشل الاتفاقية.
وعلي الرغم من أن قبول فلسطين لهذه الضمانات يمثل تطورًا جوهريا في ظل الوضع الراهن للفلسطينيين (بعبارة أخري في ظل عدم تمتعهم بدولة خاصة بهم وخضوعهم المباشر للتحكم العسكري الإسرائيلي) إلا أن هذه القيود لا تزال محل قلق كبير لاسيما بالنظر إلي احتمال حدوث نزاعات في المستقبل حول الحصول علي الموارد المائية والمواقع الدينية المقدسة وذلك جنبًا إلي جنب مع محاولات الإسرائيليين والفلسطينيين المتطرفين شبه المؤكدة لإحباط أي اتفاقية من خلال القيام بالعديد من أحداث العنف. ولا يمكن لأي حكومة فلسطينية مسئولة أن تتجاهل إمكانية ظهور تهديدات جديدة الناجمة عن أي مكان بالإقليم.
وقد أشار عدد من المراقبين والمشاركين في الصراع الإسرائيلي _ الفلسطيني (بمن فيهم الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون") أن أكثر الحلول الواعدة بشأن هذا التحدي يتمثل في شكل ما من أشكال قوات حفظ سلام دولية. فإذا ما تم تصميمها وتنفيذها بشكل صحيح، فإن تواجد القوات الدولية من شأنه أن يطمئن إسرائيل بشأن التهديدات المحتملة الناجمة عن قيام دولة فلسطين وفي الوقت نفسه حماية الدولة الجديدة من الضغوط الخارجية
دولة فلسطينية ضعيفة يهدد إسرائيل
وتوضح الاعتبارات السابقة أن النجاح في إقامة الدولتين يتطلب نهج علاقات مع الفلسطينيين من منظور مختلف نوعًا ما عن النهج الذي كان متبعًا سابقًا. ففي الماضي كانت القيادة الإسرائيلية والصهيونية تفضل بشكل عام أن يكون خصمها ضعيفًا ومنقسمًا مما يسهل من جهودها الذاتية ويقلل من فرص تمثيل الجانب الفلسطيني لأي تحديات خطيرة، وقد كان لهذا النهج منطقه حينذاك ولكنه الآن يجلب نتائج عكسية.
ففي الوقت الراهن، يمكن تعزيز أمن إسرائيل من خلال إقامة دولة فلسطينية شرعية يمكنها الحفاظ علي النظام في المنطقة الخاضعة لسيطرتها. ومن المفارقات، فإن وجود مجتمع فلسطيني ضعيف ومقسم يمثل بيئة خصبة لنمو الإرهاب ضد إسرائيل
وبالمثل فإن القادة الفلسطينيين لابد وأن يروا جيرانهم الإسرائيليين علي أنهم شركاء في مناهضة الخطر المشترك المتمثل في الإرهابيين المتطرفين داخل وخارج النفوذ الإسرائيلي والفلسطيني علي حد سواء. غير أنه يبدو أن بعض القادة من الجانبين لديهم القدرة علي تحقيق هذا التغيير عن إيمان بذلك ولكن من الصعب حدوث هذا التغيير عالميا أو حتي نشره علي نطاق أوسع.
إن تحقيق هذا الهدف يتطلب من إسرائيل أن تقدم مقترح اتفاق نهائي سخي بقدر كافٍ لإعطاء الزعيم الفلسطيني الذي سيوقعه فرصة إحراز تقدم سياسي كبير، حيث إن فرض اتفاق أحادي الجانب من شأنه تقويض ما تم الاتفاق عليه والسماح بنمو روح الانتقام. بعبارة أخري، من مصلحة إسرائيل أن تبرم اتفاقًا مع الفلسطينيين يقبله الطرفان لحظة توقيعه وفي المستقبل البعيد. ومن المفارقات، أنه كلما بدا الاتفاق جيدًا من وجهة النظر الفلسطينية كلما ازدادت ثقة الجانب الإسرائيلي في عدم التزام الجانب الفلسطيني به. ووفقًا لنفس المنطق، فإن الاتفاق أحادي الجانب من الممكن أن يحث الأجيال القادمة علي محاولة إعادة التفاوض بشأنه مرة أخري مما يؤدي بدوره إلي إطالة أمد الصراع بدلاً من وضع حد له.
وفي النهاية، فإن قضية الأمن الإسرائيلي - الفلسطيني تعتمد في نهاية الأمر علي ما هو أكثر من الترتيبات العسكرية، قوات حفظ السلام، وتوازن القوي. فالهدف النهائي يجب أن يمثل نقطة تحول في كيفية رؤية كل طرف للآخر بحيث يبدأ الصراع بينهم يبدو وكأنه بعيد وبشكل متزايد لا يمكن تصوره.
قد يبدو هذا الهدف بعيد المنال في الوقت الحاضر، غير أنه لا ينبغي نسيان أن المنافسات الأخري طويلة الأمد (مثل الصراع بين ألمانيا وفرنسا) قد مرت بتحولات مشابهة في الماضي. ووصولاً لتحقيق هذه الغاية، فإن ترتيبات الأمن يجب تفهمها كما يجب أن تشمل جهودًا حثيثة من قبل الحكومتين للقضاء علي خطابات الكراهية وغيرها من أشكال الدعاية العنصرية. وهذا من شأنه إثارة قضايا أخري مثل حرية التعبير والحريات المدنية التي تكمن من وراء هذا التقرير. وفي أضيق الحدود، فإن اتفاقية الوضع النهائي لابد وأن تشمل تعهدات بأن الممثلين الرسميين عن حكومات الطرفين سوف يمتنعون عن انتهاج لغة الحوار الاستفزازية ويدينون مثل هذا الفعل وقت حدوثه.
ويختتم "والت" مقالته بالتأكيد علي أن إسرائيل وأية دولة فلسطينية مستقبلية سوف يواجهون تحديات أمنية معقدة كما أن أي اتفاق للتسوية النهائية لن يقضي علي كل المشاكل الأمنية التي قد يواجهها الطرفان. إن تنفيذ اتفاقية الوضع النهائي لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها إنما يتطلب ذلك التحلي بالصبر والخطوات الثابتة من جانب كلا الطرفين لكي تؤتي ثمارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.