شهد الجهاز الإداري للدولة الذي يعمل به نحو5.4 مليون موظف علي مدي الثلاثين عاما الماضية حالة من الترهل والفساد الإداري.. فالموظف لم يشعر باهتمام وعناية, وكان يتعرض للظلم ويتسول العلاوة السنوية, في زمن تلاشت فيه الفوارق بين المجتهد والمقصر.. وكانت الواسطة والمحسوبية تشكلان كل شيء في المجتمع. لقد كان ملف الإصلاح الإداري من أخطر الملفات التي لا يمكن لأي حكومة أن تقترب منه, إلي أن جاءت حكومة المهندس إبراهيم محلب ووضعت خطة الإصلاح الإداري للدولة تم عرضها علي الرئيس السيسي الذي أكد أهمية تنفيذها بشكل دقيق وسريع.. أثمرت في النهاية قانونا جديدا للخدمة المدنية.. الأهرام المسائي استطلع رؤية الخبراء في هذا القانون.. فماذا قالوا.. في ظل الحديث عن مشروع قانون الخدمة المدنية الجديد والذي عرضه الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط والمتابعة والاصلاح الإداري والذي جاء نتيجة كثرة عدد التشريعات واللوائح والقرارات وتقادمها وتضاربها والحاجة الي القضاء علي الفساد والمحسوبية في التعيينات التي تتم بالجهاز الإداري للدولة, وان يتم ذلك علي أساس الكفاءة بمسابقة مركزية يعلنها وينفذها الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة,ويشرف عليها الوزير المختص بالإصلاح الإداري, بالاضافة الي زيادة مدة الإجازة الاعتيادية لذوي الاحتياجات الخاصة15 يوما بالإضافة إلي رصيد الإجازات الاعتيادية الحالية تقديرا من الدولة لهذه الفئة من متحدي الإعاقة. كذلك فسوف تتم زيادة مدة إجازة الوضع للموظفة لتصبح أربعة أشهر بدلا من ثلاثة بأجر كامل بحد أقصي ثلاث مرات طوال عملها بالخدمة المدنية, وايضا فتح المجال لترقية الكفاءات بالاختيار دون التقيد بالأقدميات وتخفيض المدد البينية للترقية لتصبح ثلاث سنوات بدلا من ثماني سنوات وهو ما يضاعف عدد مرات علاوات الترقية للموظفين. كما سيتم تطوير جدول أجور العاملين المدنيين بالدولة من خلال منظومة جديدة للأجور تتضمن عمودين فقط للأجور, أساسي ومتغير, بحيث يشكل الأساسي نحو80% من إجمالي الأجر في المتوسط, بالاضافة الي رفع العلاوات الدورية ليكون لها حد أدني هو5% من الأجر الأساسي الجديد, وذلك بدلا من الوضع القائم حاليا والذي تتراوح فيه قيمة هذه العلاوة بين1.5 جنيه وستة جنيهات شهريا. كل هذه الأمور بالطبع لا خلاف علي انها تصب في صالح العامل, ولكن السؤال هل هذا القانون الجديد سوف يؤثر سلبا ام ايجابا علي موازنة الدولة في ظل عجز الموازنة الذي نشهده حاليا... الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق واستاذ الاقتصاد بكلية التجارة جامعة عين شمس يجيب عن هذا التساؤل ويؤكد في البداية ان مشروع القانون الجديد قد تأخر كثيرا وكان لابد أن يتم منذ سنوات عديدة مشيرا الي انه يتمني ان يتم بهذا الشكل المعلن عنه. واضاف انه لابد أن تكون هناك مادة في هذا القانون تؤكد فكرة الثواب والعقاب, فالموظف الذي ينجز أكثر من العمل المطلوب منه لابد أن يثاب علي ذلك, في حين ان من يتقاعس عن إنجاز العمل الذي وكل إليه يستحق أن يعاقب علي ذلك, لأن العمل في هذا الوقت هو رأسمالنا الذي لا نريد ان نتخلي عنه. وعن فكرة الثواب يؤكد د. علي لطفي أن هذا الثواب يكون عن طريق الحافز سواء كان حافزا ماديا أو معنويا, فالحافز المادي عن طريق اعطاء هذا العامل أو الموظف مكافأة مالية, والحافز المعنوي من خلال تكريمه او إعطائه شهادة تقدير وما إلي ذلك. وأشار الي ان هناك حوافز جماعية وأخري فردية, فالحافز الجماعي هو الذي يعطي للشركة أو المؤسسة التي استطاعت أن تحقق اكثر من الأهداف التي وضعت لها, والحوافز الفردية التي تعطي للعامل أو الموظف والذي قام بأكثر مما كان مكلفا به. واضاف لطفي ان هناك ايضا الحوافز السلبية والحوافز الايجابية, فالحافز الايجابي لو قام بالعمل المطلوب منه, والحافز السلبي يتم عن طريق الخصم وذلك لمن تقاعس عن اتمام العمل المكلف به. وفيما يتعلق بمدي تأثير هذا القانون الجديد علي موازنة الدولة في ظل العجز الذي تشهده الموازنة حاليا, اكد أن هذا القانون لا يؤثر مطلقا علي موازنة الدولة بل علي العكس فإنه سوف يفتح المجال لزيادة دوران عجلة الإنتاج وبالتالي فلا خوف مطلقا علي تخصيص اعتمادات اضافية لمشروع القانون الجديد لأن العائد منها سوف يكون أكثر بكثير. ويري الدكتور قاسم منصور مدير المركز الاقتصادي المصري أن هذا القانون سيعمل علي تحقيق خفض في نسبة العجز بالموازنة, لأن هذا القانون سوف يؤدي الي توفير في ميزانية الوظائف بالدولة وبالتالي فسوف يتحقق الوفر الذي يؤدي الي القضاء تدريجيا علي عجز الموازنة. ويؤكد منصور اهمية قياس أداء الوظائف العامة بالإضافة الي تفعيل التوصيف الوظيفي حتي تتم محاسبة العامل الذي ادي مهام عمله وكذلك من قصر في أداء العمل الموكل إليه, وهذا بالطبع سوف يشجع الجميع علي العمل وزيادة الإنتاج. وأشار الي انه يجب أن يصدر هذا القانون بحرفية شديدة وأن تشارك فيه العديد من الجهات مثل الجهاز المركزي للمحاسبات, وجهاز التنظيم والإدارة وكذلك الرقابة الإدارية ولا مانع من الاستفادة من خبرات اساتذه الجامعات, فبذلك سوف يخرج لنا قانون كامل متكامل تستطيع الدولة من خلاله ان تعطي كل عامل او موظف أدي ما عليه حقه الذي يستحقه. وعن رفع الحد الأدني للعلاوة وتقليل مدة الترقي في الوظيفة اشار د. منصور الي ان هذا يعد مكسبل للدولة ولن يتسبب في أي اعباء إضافية لأن من يحصل علي ترقيته هو من ادي العمل المنوط به وهو من أسهم في زيادة الانتاج, واستطاع ان يضيف المزيد من الأموال في خزانة الدولة, لذلك فلن يضير الدولة ترقيته أو زيادة علاوته, وعلي العكس من ذلك فمن يحصل علي تقدير ضعيف خلال عامين متتاليين يتم نقله من عمله ولا يحصل علي ترقيته في موعدها.. فكل هذه الأمور من شأنها ان تزيد من دوران عجلة الإنتاج وتعمل علي خفض نسبة العجز في الموازنة وهذا ما ننشده جميعا.