يعرف كل من له علاقة بالحضارة اليونانية القديمة طبيعة بلاد اليونان الجبلية الوعرة، التى ساهمت فى تقسيم سطحها بشكل عشوائى إلى مجموعة دويلات صغيرة عرفت كل منها بأسم Polis، كيف أن الأنهار والتربة لم تشجعان سكان بلاد اليونان القديم على الاستقرار داخل بلادهم، وهو ما اعتبره العلامة الأشهر أرنولد توينبى بمثابة التحدى الذى استجاب له اليونانيون بخروجهم إلى البحر الذى كان أكثر كرما وسخاء عليهم. يعرف كل من له علاقة بالحضارة اليونانية القديمة طبيعة بلاد اليونان الجبلية الوعرة، التى ساهمت فى تقسيم سطحها بشكل عشوائى إلى مجموعة دويلات صغيرة عرفت كل منها بأسم Polis، كيف أن الأنهار والتربة لم تشجعان سكان بلاد اليونان القديم على الاستقرار داخل بلادهم، وهو ما اعتبره العلامة الأشهر أرنولد توينبى بمثابة التحدى الذى استجاب له اليونانيون بخروجهم إلى البحر الذى كان أكثر كرما وسخاء عليهم، ومن هنا لم يستسلم اليونانيون إلى الظروف القاهرة الطاردة التى فرضتها عليهم الطبيعة الجغرافية ووظفوا البحر فكان بالنسبة لهم بمثابة الحياة التى تبادلوا خلالها منتجاتهم ليست فقط الاقتصادية ولكن الحضارية أيضا، فانتشرت الحضارة اليونانية فى ربوع دول حوض البحر الأبيض المتوسط منذ القدم وصولا إلى مصرنا العزيزة. وعلى الرغم من أن اليونانيين القدماء قد تمكنوا من التغلب على تلك الصعوبات الطبيعية، إلا أنها فى الوقت نفسه لم تذهب دون أن تترك أثرا بالغا على الفكر والحضارة اليونانية القديمة على كافة الأصعدة لا سيما الصعيد السياسى، فورثته ما عرف باسم "النزعة الانفصالية"، التى كانت سببا فى تناحر قطبى المجتمع اليوناني، وهما أثينا واسبرطة فى حروب دامت سبعة وعشرين عاما تقريبا عرفت باسم "الحروب البلوبونيسية"، وهى الحرب التى قادتها أثينا رافعة لواء الديمقراطية فى وجه اسبرطة ذات الحكم المناهض للديمقراطية ، وقد انتهت تلك الحروب بهزيمة أثينا شر هزيمة والقضاء على الحلم الديمقراطى ومعه الحضارة اليونانية ككل وظل الانقسام والانفصال باقيا. و فى مصرو بينما منت علينا الطبيعة بظروف كانت مساعدة للمصريين عبر مختلف عصورهم على الاستقرار والوحدة بفضل وجود نهر النيل والطبيعة الأرضية السهلة إلى أخره من ميزات طبيعية سهلت الاتصال ومن ثم الوحدة بين كافة المصريين فى مصر من شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها. إلا أننا مازلنا حتى الآن غير مُقدرين هذه المنحة الربانية التى حفظها الله لمصر عبر تاريخها الطويل، فلا يزال المصريون يرهقهم السعى وراء بريق الانقسام والاختلاف متناسين أنهم مكبلون بمشاكل اقتصادية صعبة، ومشاكل صحية أكثر خطورة، وأمراض اجتماعية يستعصى على أى مجتمع منقسم الالتفات إليها أو حتى مجرد التفكير فى وسائل علاجها. والأخطر من ذلك هو الاتجاه الدائم الحثيث نحو إثارة الفتن وتوظيفها فى إثارة جزء من الرأى العام، وكأن هناك من بيننا من يستكثر على بقيتنا العيش حتى فى ظل ما يطلق عليه اسم استراحه المحارب، نتمكن من خلالها من العمل على انتشال وطننا وانفسنا من تلك البؤرة السوداء التى لا طائل من ورائها سوى إهدار المزيد من الوقت وفقدان المزيد من الأرواح الطيبة التى تنساق وراء أى مد ثورى يعدها بإصلاح أو تغيير ربما يفضى فى حقيقته إلى ما يمكن اعتباره وهما. إذن فلنبحث عن المستفيد من تشكيك البعض فى الآخر، وعن الرابح من وراء إلهاء المصريين بقضايا لن تفيد مستقبل وطنهم. وفيما الإصرار على أن تتحول مصر لتصبح دولة الميادين عوضا عن كونها دولة المؤسسات؟، ولينتبه الجميع! وليدرك أن هناك من يحاولون إيقاف تلك المسيرة المخلصة التى بدأت بالفعل لتصبح مصر فى دائرة مغلقة لا تخسر فيها ما بدأته فقط وإنما تعجز عن الإتيان بجديد فيها. وهنا لن أشير إلى أعداء الوطن المستعدين دوما للتمويل والى غيره من وسائل الإثارة الواهية، فالشعب يعرفهم جيدا ولفظهم فى كافة الميادين المصرية. وأهيب بالإعلام ان يتحرى مسؤلياته بدقة، فعليه دور كبير فى التوعية دون التضليل، والتأهيل دون التهليل، وتوجيه الجماهير إلى القضايا الفكرية الجادة دون الانغماس فى قضايا لا طائل من ورائها سوى بث الفرقة وتكريس الانقسام . إنه تحد لا يواجه الإعلام فقط بل يواجه مصر كلها بمالها من تاريخ وحضارة، وأثق تماما فى أنها ستجتاز ذلك التحدى بفضل استجابة المخلصين من المصريين .أستاذ التاريخ القديم المساعد آداب الاسكندرية