يفرض عجز النظام العربي الرسمي عن إلحاق الهزيمة بمشروعات التقسيم والتفكيك والإرهاب, ضرورات لازمة أهمها علي الإطلاق, ضرورة القطع نهائيا, وإلي الأبد, مع السياسات التي مارسها العرب, تجاه بعضهم البعض, منذ انطلق ما عرف بالربيع العربي. فقد أسهمت هذه السياسات الانعزالية, في تعطيل عمليات التنمية والبناء في الوطن العربي. ولم تتحقق الديمقراطية المنشودة, في أي من البلدان التي شهدت الحراك السياسي والشعبي, قبل أربعة أعوام. أضف إلي هذا أن الأفكار الدولية المعلنة, لمواجهة الإرهاب مثلا, تتعامل معه جزئيا وانتقائيا, ولا تنطلق من إستراتيجية كبري, وشاملة في هذه الحرب. وفي السياق ذاته, كان من المؤمل أن تكون جامعة الدول العربية هي الراعي والحارس لهذه المبادئ. أما وأنها عجزت عن ذلك, فقد آن للعرب أن يعيدوا الاعتبار للمبادئ الوحدوية. التي لن تكون عملية وفاعلة, إلا إذا تعززت برؤية إستراتيجية, وبتشكيل جبهة عربية موحدة, كما هو الحال في التحالف القائم بين مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات, بحيث تقود هذه الجبهة المواجهة الضرورية من أجل القضاء علي معضلة الإرهاب, ليس فقط في ساحات الصراع, ولكن في جذورها الفكرية, ومنطلقاتها الأيديولوجية, وتجفيف منابعها, وعلي كل الأصعدة. وغني عن البيان أن المنطقة العربية بحكم موقعها الإستراتيجي, وغناها بالثروات الطبيعية, كانت, وستظل, مطمعا لكل القوي الأجنبية, وذلك استنادا إلي خطورة الوحدة العربية علي مستقبل الغرب, ومصالحه, واستمرارية تطوره, وبهدف الإبقاء علي حالة الفرقة والانقسام طرحت القوي الغربية المعادية لفكرة الوحدة العربية مجموعة من البدائل البراقة كان من أبرزها الاتحاد من أجل المتوسط والشرق الأوسط الكبير. حتي إن كان الظاهر من هذه الخطط والأفكار البديلة, يهدف إلي تعزيز الإصلاح الاقتصادي, ونشر قيم الديمقراطية, وتعزيز الاستقرار والسلام, وتحقيق الازدهار للمنطقة, ودعم التنوع الثقافي, وتشجيع الحوار بين الحضارات, فإن هدفها الأساسي هو تعويم هوية المنطقة, وتغييب منطلقاتها الحضارية من خلال إدخال إسرائيل كعنصر قوي وفاعل, ومعترف به من قبل الأنظمة العربية القائمة. أي الاعتراف بشرعيته والتطبيع معه سياسيا واقتصاديا, مما يسهم في الحفاظ علي أمنه واستقراره, وضمان تفوقه النوعي علي الأقطار العربية, كما تهدف, وهذا هو مربط الفرس, إلي إعادة ترتيب المنطقة وفق متطلبات السوق, وعلي إيقاع ما يسمي بالفوضي البناءة, وإلحاق جنوب المتوسط بشماله في وجه الزحف الأمريكي الصيني, ومواجهة الهجرة غير الشرعية. وهما أداة لتفجير الهويات الثقافية, وشكل من أشكال التغريب اللغوي الذي يهدد وحدة النسيج الثقافي العربي. ويزداد الأمر خطورة إذا أخذنا بعين الاعتبار خطورة المشروعات البديلة علي فكرة التكامل والوحدة العربية بسبب تركيزها علي توطيد العلاقات الاقتصادية بين دول منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا, وبين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية علي حدة. كما أن تلك البرامج تمر عبر مرحلتين: مرحلة الإتفاقيات التجارية الثنائية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة, ومرحلة تأسيس شراكة إقليمية تضم الدول التي عقدت الاتفاقيات الثنائية مع الشريك الدولي بما فيها إسرائيل. عموما فإن كل المشروعات الأوروبية والأمريكية البديلة تحول دون وحدة العرب و تحرف مسارها, وتشكل ضمانة لحماية أمن إسرائيل بإدماجها في المنطقة. كما أن هذه الخطط هي في نهاية المطاف بديلا عن الوحدة العربية, وعن التكامل العربي في المجالات السياسية والاقتصادية. المحك إذن هو في كيفية تجاوز منطق اليأس والتأكيد علي فكرة التراكم في تحقيق الوحدة العربية علي أساس أنها ليست خطا بيانيا صاعدا, وباعتبارها آلية للاستفادة من تجارب وإنجازات الماضي لفهم الحاضر والتطلع نحو المستقبل, وضرورة ملحة لمواجهة التكتلات الإقليمية وتحديات العولمة. وبطبيعة الحال فإن تحقيق الوحدة العربية, ليس مستحيلا أو ضربا من الخيال, كما يتصور البعض في عالمنا العربي, فعلي الضفة الأخري من المتوسط, عاش الأوروبيون في صراعات مريرة, استمرت مئات السنين, لم يتمكن خلالها أي منهم من إلغاء الآخر. واكتشفوا من خلال التجربة, أن أهدافهم أقرب للتحقق, حين ينجزون اتفاقا تاريخيا, يؤمن السيادة والاستقلال, لبلدانهم. فكان أن وقعوا اتفاقية ويستفاليا, في القرن السابع عشر, التي أسست للنظام الدولي القائم حتي يومنا هذا. وعماد هذه الاتفاقية, هو الاعتراف بسيادة الدول وعدم جواز التدخل في شئونها الداخلية. الواجب هنا أن نتذكر دائما بأن مجتمعا لا يحسن أفراده التفكير ولا يقبلون النقد.. ولا يمتلكون رؤي واضحة لمستقبل يعمه الرخاء والأمن والاستقرار والعدالة والمساواة.. ولا تربطهم بأرضهم ثقافة ولا تاريخ سيبقي مجتمعا محكوم عليه بالفناء والزوال. [email protected]