يبدو أن الرئيس الامريكي باراك أوباما كان عليه أن يوقع اتفاقيات مع مسئولي ادارته تضمن ولاءهم له بعد تقاعدهم خاصة عندما يقررون كتابه مذكراتهم التي تكشف أسرار البيت الابيض. هذا التعبير الساخر لصحيفة( واشنطن بوست) يأتي في محله خاصة مع تلاحق مذكرات مسئولي ادارة أوباما السابقين خاصة مذكرات وزيرة الخارجية الامريكية السابقة هيلاري كلينتون التي حملت اسم( أوقات صعبة) وروبرت جيتس( واجب) واخيرا ليون بانيتا مدير المخابرات الامريكية ووزير الدفاع الاسبق( حروب تستحق) والتي اشتركت جميعها في توجيه الانتقادات لسياسات الرئيس باراك أوباما. الا ان هذه المذكرات جعل القراء يتساءلون لماذا استمر هؤلاء المسئولين في الخدمة بينما كانوا مختلفين مع أوباما حول سياساته, وألم يكن من الافضل التحدث في وقت خدمتهم او تقديم استقالتهم. وتقول صحيفة واشنطن بوست التي عرضت المذكرات: نحتاج الي المسئولين الذين يقولون الحقيقة علنا ووقت وجودهم في مناصبهم. يقول بانيتا في مذكراته أنه لم يشعر بالغضب نظرا لتجاهل مشورته من جانب الرئيس أوباما معتبرا أن هذه هي طبيعة السلطة في الولاياتالمتحدة والتي تتركز في يد الرؤساء مشيرا الي ان الرئيس اوباما يشبه الرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون صاحب فضيحة ووترجيت التي أجبرته علي الاستقالة والتي يؤكد بانيتا أنها نتيجة مباشرة لتركز السلطة داخل البيت الابيض, حيث يعتقد مدير المخابرات الاسبق أن أوباما كان مخطئا في بعض القرارات الرئيسية مثلما فعل نيكسون. ويشير الي ان القرار في عهد أوباما كان مركزيا في البيت الابيض أكثر من أي ادارة سابقة مما يقلل من أهمية اي مناصب وزارية. يكشف بانيتا عن علاقة السلطة في البيت الابيض بوسائل الاعلام, وكيف يتم تصعيد مستشاري الرئيس الذين يتفق مع وجهة نظرهم الي شاشات التليفزيون والاعلام الامريكي للترويج لهذه الافكار. غضب أوباما يقول بانيتا ان الرئيس اوباما لا يريد لاي وكالة أن تكشف عن مداولات السلطة التنفيذية لاعضاء الكونجرس الامريكي, والمشكلة أن بانيتا استطاع من خلال لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الوصول الي الاف الوثائق التي تكشف سياسات الاستجواب التعذيبية التي كانت تتبعها المخابرات الامريكية في عهد بوش, وقد أغضب أوباما تجاوز بانيتا في هذا الشأن. ويقول بانيتا أن شخصية أوباما تعكس الرغبة في أن يكون صانع سلام في الشئون العالمية مشيرا الي ان هذا كان نتيجته مزيج من التناقض في صناعة القرار بالنسبة للسياسة الخارجية. منصب فوضوي يصف بانيتا تعيينه في منصب رئيس موظفي البيت الابيض عام1994 بأنه منصب فوضوي وغير منضبط, فعندما طلب من سلفه ماك ماكلارتي الحصول علي الهيكل التنظيمي للعمل علم أنه لا توجد لديه مثل هذه المستندات. كان اسلوب بانيتا هو تسيير ادارة منضبطة في البيت الابيض في عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون الذي كان يصفه بالذكي ولكنه يهوي الاطالة والتحدث في أي قضية علي وجه الارض. ثم انفجرت ازمة ضعف شخصية كلينتون وفقا لتعبير بانيتا في فضيحة مونيكا لونيسكي مما جعل بانيتا يرحل عن ادارة كلينتون عام1997 ليتركها غارقة في الفوضي. ثم جعله الرئيس أوباما مديرا لمخابراته باعتبار انها كانت تحتاج الي سياسي محنك بعد عهد بوش الصعب الذي شهد العديد من الانتهاكات والسقطات للمخابرات الامريكية. سرعان ما انتقي بانيتا الضباط الذين من الممكن ان يعملوا معه لمواجهة اعداء المخابرات الامريكية وأبرزهم أنذاك نانسي بيلوسي التي وصفت بانيتا من قبل بأنه كاذب فيما يتعلق بعمليات التعذيب في عهد بوش, كما يروي بانيتا ما أسماه بالنضال القبيح ضد دنيس بلير الاميرال المتقاعد ومدير الاستخبارات الوطنية الذي كان يعتقد أنه يمكنه فرض قراراته عليه. التكلفة الاخلاقية كما تقول صحيفة( الواشنطن بوست) لم يعترف بانيتا بالتكلفة الاخلاقية والانسانية الرهيبة لمناورة تأكيد وجود أسامة بن لادن زعيم القاعدة السابق في مخبأ داخل مدينة أبوت أباد بباكستان حيث تم ارسال طبيب لجمع عينة من الحمض النووي من منزل بن لادن بذريعة برنامج للتطعيم, تلك العملية عززت الشكوك في العاملين في مجال الرعاية الصحية في أفغانستان وباكستان وساعدت علي السماح لعودة شلل الاطفال هناك وهو امر كان يجب ان يعترف به مدير المخابرات السابق. وكانت وزارة الدفاع الامريكية بالنسبة لبانيتا لعنة كبيرة ببنما كانت وكالة الاستخبارات علي النقيض من ذلك تماما فهي عائلته السرية التي تملك عقله وقلبه, وكان بانيتا وجورج تنيت من أكثر الشخصيات ولاء للمخابرات خلال الثلاثين عاما الماضية. سفير بنغازي يحاول بانيتا استكشاف ما اذا كان البيت الابيض قد حاول التستر علي الظروف التي أحاطت بوفاة السفير الامريكي في بنغازي ويتوصل الي ان هذا لم يحدث لكنه لم يتفق مع التقديرات الاستخباراتية من جانب مدير المخابرات ديفيد بترايوس, حيث أشارت تقارير الوكالة الاولية الي ان الهجوم علي السفير الامريكي في بنغازي كان من عمل المتظاهرين بدلا من كونه اعتداء منظما, حيث كان بترايوس قد عمل مع محللي المخابرات الامريكية للتوصل الي هذا الاستنتاج وتقديمه في غرفة العمليات في البيت الابيض في اليوم التالي للهجوم. يقول بانيتا: أنا شككت في ذلك منذ البداية ليس لان لدي معلومات مختلفة ولكن لانه بدا لي أن المتظاهرين العفويين لن تصل احتجاجاتهم لحمل قاذفات قنابل صاروخية, ودافع بترايوس عن وجهة نظر محللي الوكالة بحجة ان هناك الكثير من الاسلحة التي تم تداولها في بنغازي في أعقاب سقوط نظام القذافي. رفض بانيتا عملية مقايضة لتبادل خمسة من مقاتلي حركة طالبان الافغانية بامريكي واحد وقال: لقد فكرت في الامن القومي الامريكي وكانت قطر قد توسطت للافراج عن مقاتلي الحركة وتعهدت بعدم عودتهم للقتال مرة أخري, الا ان بانيتا قال: ما الذي يضمن لنا ذلك ؟. عندما كان البيت الابيض يبحث عن وزيرا للدفاع في الوقت الذي كان يسعي فيه روبرت جيتس للتقاعد منتصف عام2011 تحدث جيتس وقتها مع بانيتا عن رأيه في تولي المنصب, الا انه قال له ان البيت الابيض ربما اقترح اسم كولين باول. ويقول بانيتا لم اعرف الا من مذكرات جيتس لاحقا ان باول وهيلاري كلينتون وميشيل بلومبرج عمدة نيويورك كانوا جميعا مرشحين للمنصب, الا ان جو بايدن نائب الرئيس الامريكي هو الذي حسم الامر ورشحني للمنصب. اشتعال الخلافات كان بانيتا قد حذر زملاءه في المخابرات الامريكية من أنه اذا تم شن الغارة علي مجمع بن لادن ليلة السبت فان ذلك يتعارض مع العشاء السنوي لمراسلي البيت الابيض الذي يجمع مسئولين رفيعي المستوي وعلي واشنطن أن تجمع الصحفيين والشخصيات السياسية, وقال: سيكون من الصعب تبرير غياب الرئيس وكبار المسئولين الاخرين عن هذا الحدث المهم. لكن هذا التحذير أوغر صدور القادة العسكريين الذين لم يستطيعوا استيعاب تداخل جدول أعمال اجتماعي مع مسائل الامن القومي, ولكن رئيس قوات العمليات الخاصة المشتركة الادميرال وليام مكرافن ساعد علي تجنب الصدام وخلص الي ان الطقس سيكون يوم الاحد أفضل من السبت لتنفيذ الغارة ؟ كان النقاش يدور حول أن الرئيس أوباما والمسئولين الامريكيين يفضلون وفاة بن لادن لتجنب المشاحنات السياسية والاهتمام الدولي وتنفيذ عمليات ارهابية خلال محاكمته. ويقول بانيتا: كنا علي استعداد لان نأخذه سجينا ولكن توقعنا المقاومة وكنا مستعدين للقبض عليه اذا ما استسلم بشكل واضح ولكنها في النهاية كانت غارة عسكرية وليست عملية اعتقال. ويضيف بانيتا: خلال عملية اغتيال بن لادن تعطلت واحدة من طائرات فريق قوات البحرية الامريكية, ولحسن الحظ كان أوباما قد أصر علي ارسال طائرة هليكوبتر لمتابعة الغارة والتي لولاها ما نجحت العملية. وتملك الحصول علي سلاح بن لادن من طرازAK-47 وتم ارساله الي متحف المخابرات الامريكية, وتم ارسال السلاح الاخر وهو من نفس الطراز الي متحف البحرية الامريكية. كان بانيتا قلقا من تولي بترايوس منصب مدير المخابرات خلفا له وقال لجو بايدن: هل أنت متأكد من أنك تريد أن تفعل ذلك ؟ ثم استمر البيت الابيض قدما في خطته, ويشير بانيتا ان ترشح بترايوس كان أمرا سياسيا حتي تجذبه الوكالة من طموحاته للترشح للرئاسة. يري بانيتا أن مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام( داعش) بالطائرات سيكون انجازا صعبا بدون وجود حذاء لواشنطن علي الارض, مضيفا: اعتقد ان اوباما سيدرك في نهاية المطاف أن القوة الجوية وحدها لن تستطيع القيام بهذه المهمة وسوف يكون اعادة القوات الامريكية هو الطريق الوحيد لمواجهتها, وهو سيناريو بلا شك سيكون له تداعيات خطيرة علي المنطقة العربية بأكملها. ملخص الحلقة السابقة: نشرنا في الحلقة السابقة بدء مذكرات بانيتا بأهم حادث هز المخابرات الأمريكية سي. آي. إيه الذي يعد أكبر خسارة لها في تاريخها بالكامل, وهو نجاح أحد عناصر القاعدة في استدراج أكفأ عناصر المخابرات الأمريكية إلي إقليم خوست شرق أفغانستان بعدما أوهمهم بأنه سيعمل عميلا للمخابرات الأمريكية, وسيكشف لهم أسرار تنظيم القاعدة, وما أن وصل العميل المزعوم حتي فجر نفسه في عملية انتحارية أسفرت عن مصرع7 من أفضل عناصر المخابرات الأمريكية, إلي جانب إصابة عشرات آخرين. كما عرضنا لطفولة بانيتا التي تضمنت عمله في مطعم والده الذي لولا جنود الحرب العالمية الثانية ما حقق مكاسب باهظة, وما استطاع والده أن يشتري منزلا ضخما يعيش فيه بانيتا وزوجته حتي اليوم. ويري بانيتا أن قرارات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم تكن في محلها, وجعلت الحرب ضد داعش. حوار مع بانيتا: أمريكا مختلة.. وفي طريق مسدود أحدثت مذكرات ليون بانيتا ضجة غير مسبوقة داخل الولاياتالمتحدة, باعتباره أهم مسئول سابق في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما, التي تنتقد الرئيس بشكل مباشر برغم أنه مازال في منصبه. جودي وودروف الإعلامي الأمريكي أجري الحوار التالي مع بانيتا حول مذكراته: كنت تتحدث عن الحرب ضد داعش وقلت إنها قد تستغرق30 عاما, إذا كنت اليوم علي الطاولة هل كنت ستتخذ قرارا بترك الأمر لشعوب المنطقة لمواجهة هذا التنظيم؟ حسنا.. يجب أن نكون مرنين للغاية لأننا نتعامل مع عدو مرن, وهذا واضح, مضيفا أن داعش مسلحين جيدا بتمويل جيد, لذا فهم مدربون جيدا, لذا نراهم يستخدمون تكتيكات دقيقة جدا في ساحة المعركة, وكلما سيطروا علي بلدة يختبئون ويخفون أسلحتهم ومعداتهم, نحاول الوصول إلي قوة أمنية فعالة في مواجهة داعش ودفعها للوراء, ونحن في طريقنا لتدريب المسلحين إلي جانب الهجمات الجوية, لكن ينبغي أن ننتبه للأهداف حتي نظهر للشعب الأمريكي وللعالم أننا قادرون علي هزيمة داعش. تعاملتم مع نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي الذي يتبع طريقته الخاصة.. فكيف تعاملت إدارة أوباما معه؟ عندما كنا نريد منه اتخاذ قرارات بشأن الحكم أو الأمن نضغط عليه قائلين لن نعطيك دعما عسكريا, لن نمدك بطائراتF18, وكان هذا هو الطريق الوحيد الذي نحصل من خلاله علي الاستجابة من جانبه. في كتابك عرضت لخطأ الولاياتالمتحدة في عدم المضي قدما لتسليح متمردي سوريا وتدريبهم, وبعد10 سنوات في العراق دربت واشنطن الجيش العراقي وقامت بتسليحه, وفي النهاية رأينا في الأشهر القليلة الماضية الجيش العراقي ينهار, وكان هذا التدريب في جزء من وقت كنت فيه وزيرا للدفاع؟ كان علينا تسليح المعتدلين في سوريا لأننا الآن علينا أن نضع أحذيتنا علي الأرض لمواجهة داعش, وهنا كان سيكون لدينا أشخاص يمكنهم أن يمدونا بالمعلومات حول هذا التنظيم والأهداف التي يمكن ملاحقتهم من خلالها. يري البعض أنه من الخطأ مهاجمة الرئيس وهو في منصبه.. ما تعليقك؟ نحن في وقت خطير في تاريخنا, حيث أصبحت واشنطن مختلة وفي طريق مسدود, فنحن لا نتعامل مع القضايا الرئيسية التي تواجه هذا البلد, لكن نتعامل مع سلسلة تهديدات في الخارج.