مذكرات ليون بانيتا مدير المخابرات الأمريكية ووزير الدفاع الأسبق( حروب تستحق00 مذكرات القيادة في الحرب والسلم) تصب في مصلحة كل من يريدون توجيه اللوم للرئيس الأمريكي باراك أوباما حول سياساته خاصة بالنسبة لما يتعلق بسياساته إزاء منطقة الشرق الاوسط, فهي مذكرات جريئة تأتي بعد عامين من تقاعد بانيتا كوزيرا للدفاع. في صفحات هذا الكتاب لا يوجد استكشاف كبير حول الاخطاء الاستخبارية التي ساهمت في فشل ادارة اوباما في توقع الربيع العربي أو فهم تداعيات ما يحدث في مصر وليبيا وسوريا. المؤلف في سطور ليون بانيتا إدوارد هو سياسي أمريكي مواليد28 يونيو1938 في مونتيري بولاية كاليفورنيا, تولي اثنين من اهم المناصب في الولاياتالمتحدةالامريكية لم يتول مثلهما معا أي أمريكي خلال الخمسين عاما الماضية. أول منصب له كان ضابطا في المخابرات الحربية الامريكية الي جانب عمله كواحد من أكثر رجال الكونجرس الأمريكي قوة واحتراما حيث كان يمثل ولاية كاليفورنيا من عام19921976. عمل رئيسا لموظفي البيت الابيض من1994-1997 في عهد الرئيس الاسبق بيل كلينتون ثم تقاعد لانشاء معهد بانيتا للسياسات العامة هو وزوجته الذي تأسس بجامعة خليج مونتيري بكاليفورنيا, كما شغل منصب أستاذ السياسة العامة بجامعة سانتا كلارا بالولاياتالمتحدةالامريكية. وفي عام2006, كان واحدا من المشاركين في لجنة الدراسات الديمقراطية في العراق المعروفة باسم( بيكر هاملتون) والمكونة من عشرة أشخاص معينين من قبل الكونجرس في الولاياتالمتحدة والمكلفة بتقديم تقييم مستقل حول الوضع في العراق. في2009 قرر العودة للعمل العام حيث عينه الرئيس الأمريكي باراك اوباما في5 يناير من نفس العام مديرا عاما لوكالة الاستخبارات المركزية( سي اي ايه) بعد حالة من الاضطراب الذي شهدته الولاياتالمتحدة في اعقاب عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن الذي اشتمل علي اتهامات للمخابرات الامريكية بالتعذيب, وكانت من أبرز المهام التي أوكلت اليه قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. ثم عينه أوباما وزيرا الدفاع1 يوليو2011 واستمر في منصبه19 شهرا أنهي خلالها بانيتا الحظر الذي كان مفروضا علي قيام النساء بدور قتالي في خط المواجهة, كما أشرف علي دمج المثليين ليخدموا في الجيش الأمريكي. ورث بانيتا نتائج مخزية لاثنين من أبشع الحروب وسط خيارات مؤلمة وهما حربي العراق وأفغانستان ويعكس كتابه( حروب تستحق) القيم التي يؤمن بها ويعد الكتاب شهادة من شخص جرب القيادة السياسية في اثنين من اهم المناصب داخل ادارة أوباما. يختصر بانيتا قضايا حاسمة تتعلق بالحروب الطويلة في العراقوافغانستان, كما انه كان أكثر مراوغة بشأن استخدام المخابرات الامريكية لأساليب التعذيب لاستجواب عناصر القاعدة خلال عهد الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش الابن واستخدام الطائرات بدون طيار للقتل المستهدف في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بينما يعارض بانيتا تنفيذ أحكام الاعدام داخل واشنطن! يبدأ بانيتا مذكراته بأهم حادث هز المخابرات الامريكية( سي أي ايه) والذي يعد أكبر خسارة لها في تاريخها بالكامل وهو نجاح أحد عناصر القاعدة في استدراج أكفأ عناصر المخابرات الامريكية الي اقليم خوست شرق افغانستان بعدما أوهمهم بانه سيعمل عميلا للمخابرات الامريكية وسيكشف لهم أسرار تنظيم القاعدة وما ان وصل العميل المزعوم حتي فجر نفسه في عملية انتحارية اسفرت عن مصرع7 من أفضل عناصر المخابرات الامريكية الي جانب اصابة عشرات أخرين. يقول بانيتا أصيبت المخابرات الامريكية بالصدمة اثر هذا الحادث وقضيت الشتاء والربيع التاليين في التشاور مع موظفي الوكالة, وتنقلت بين العديد من الولاياتالمتحدة لمواساة أسر الضحايا, بينما تظاهر بعض الشباب الأمريكي حاملين لافتات كتبوا عليها( شكرا لحفاظكم علي حياتنا) في لوم مباشر للمخابرات الامريكية علي هذا الحادث. ويتحدث بانيتا بحسرة قائلا: انه لم يكن أمامنا سوي اعطاء وعد بتحقيق العدالة للذين قتلوا. وبحلول عام2010 أي عقب10 سنوات كاملة من هجمات11 سبتمبر وما فعلته واشنطن من حروب ضد القاعدة كان التنظيم لا يزال قوة مقاتلة, واكتشفنا أن القاتل لم يكن بمفرده حيث كان قادة القاعدة يعلمون أن السياسة الامريكية تتركز علي تجنب الخسائر البشرية بين صفوفها. يقول بانيتا أنا ابن لمهاجرين ايطاليين جاءوا امريكا لجعل حياتهم أفضل ولذا تعهدت بحماية هذا البلد. اصطياد بن لادن وأشار بانيتا الي انه في هذه الأثناء وضعت المخابرات الامريكية يدها علي أسرة غريبة الاطوار تعيش في باكستان ومع المراقبة أيقنا اننا وضعنا يدنا علي زعيم القاعدة أسامة بن لادن, لكن كان معه أسرة واطفال, ولم نكن نريد أن نقتل الابرياء علي حد قوله. وداخل حجرة صغيرة داخل وكالة الأمن القومي الأمريكي تحدث بانيتا مع مسئولين في البيت الابيض لبحث هذا الوضع, وكنا نعلم اننا لا بد أن نتجنب قتل المدنيين وفقا لسياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي حد زعمه الا في ظروف غير تقليدية, وكان يجب عزل زعيم القاعدة لتقليل المخاطر التي قد يتعرض لها الاخرون, ولكن كل الفريق كان يعمل علي خطة عدم السماح له بالهرب وبعدها بساعات قتلناه. ويقول بانيتا( أدهشني ضخامة ما وافق عليه الرئيس أوباما وهو أن حياة20 شخصا ستكون في خطر عند التعرض لبن لادن). طفولة بانيتا ولدت عام1938 وأقمنا في شقة في مبني في شارع فان بيرن في المجتمع الايطالي الأمريكي الكبير المعروف باسم( سباجيتي هيل) وكنا نعيش بين صيادي السمك, وكان والدي يعمل في مطعم وبعد ذلك شارك شخص أخر فأصبح لديهما مطعم وبار وكل منهما يخدم الاخر, وهكذا كانت حياتنا تقوم علي هذا المكان, كان والدي شيف وأمي تحصل الاموال في المطعم. كنت أساعدهم بعض الوقت انا وأخي فنغسل الاطباق ونقلي البطاطس ونعد أطعمة سريعة أخري, وكان المترددون علي المطعم من الصيادين ومالكي المحلات ورجال الاعمال. كان يتردد علي المطعم أيضا الالاف من المجندين حول البلاد لاستقلال القطار الي ساحة المعارك في الحرب العالمية الثانية فكان المطعم فرصة لتلقي المشروبات او طبق من المكرونة الاسباجيتي واستفاد والداي كثيرا من الحرب, ثم اشتري12 فدانا من الارض لزراعتها باشجار النخيل وبحلول عام1948 كان لنا منزل كبير قضينا فيه معظم حياتنا ونعيش فيه انا وزوجتي سيلفيا حتي اليوم. الولع بكنيدي يقول بانيتا علي الرغم من انني انتخبت الرئيس الأمريكي الاسبق نيكسون عام1960 كنت معجبا بكنيدي ولانني كاثوليكي كان قلبي معلق به, وحضرت حملة كنيدي الانتخابية في سان جوس وكانت لدي فرصة مصافحته وعندما فاز في الانتخابات انضممت الي حفل تنصيبه, مشيرا الي ان تمتعه بالكاريزما وزوجته الصغيرة وجاذبية اطفاله اعطوا املا للبلاد في اول رئيس يولد في القرن العشرين. وعندما دعا كنيدي للخدمة في الجيش كان يقول لا تفكر ماذا اعطتك البلد, ولكن فكر ماذا ستعطي البلد, فكانت فكرة خدمة امريكا اهم الدروس التي تعلمتها من كنيدي. وعندما انجبت ابني الثاني كان علي التوجه الي واشنطن للخدمة في المخابرات الدفاعية وكنت اعلم الضباط الذين سيتوجهون الي فيتنام ووقتها علمت باصابة والدتي بسرطان القولون. وحتي الآن انظر الي صور شهداء فيتنام الذين لايعرفون لا هم ولا قاداتهم لماذا كانت هذه الحرب. كضابط مخابرات كنت مسئولا عن العمليات والخطط الامنية في اوقات الازمات والتدريب الجيد للمستقبل, احيانا يقال إنك لن تفهم السياسة ابدا حتي تموت وهذا حدث عام1968 عندما فزنا بما اعتقدت انه من أهم الانتصارات في مجلس الشيوخ الأمريكي من خلال اصدار قوانين لحماية البيئة ومنع التمييز ولكنها لم تكن كافية كما ان تحقيق حقوق الانسان لم يكن كافيا, هنا اكتشفت ان مجلس الشيوخ الأمريكي يقود الرأي العام بدلا من ان يتبعه. قرارات أوباما يري بانيتا ان قرارات اوباما وأسلوب قيادته جعلت الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق والشام( داعش) أكثر صعوبة من خلال رفض أوباما لدفع الحكومة العراقية للحفاظ علي قوتها المتبقية والتي أسفرت عن ارتفاع نجم داعش كما ينتقد فشله في تسليح الثوار السوريين وفشله في اتخاذ اجراءات ضد الرئيس السوري بشار الاسد بعد تجاوزه الخطوط الحمراء من خلال استخدامه للاسلحة الكيميائية ضد المدنيين. دافع بانيتا عن أساليب المخابرات الامريكية في الاستجواب والتي تضمنت الايهام بالغرق والتي يقول انها اسفرت عن تحديد مكان بن لادن. ويري البعض ان بانيتا يحاول من خلال مذكراته الدفاع عن نفسه امام الناس وليس هدفه تشويه صورة اوباما وادارته, ولكنه يكشف في نفس الوقت عن عدم تعلم أوباما من أخطاء الرؤساء السابقين أو أخذ مشورة مستشاريه. الاجزاء الاكثر اثارة في المذكرات تتعلق بخلافات بانيتا مع البيت الابيض حول سورياوالعراق وازمة الميزانية, الي جانب تسليط الضوء علي الاحداث المؤسفة التي تتكشف الان في الشرق الاوسط والتي تتركز حول داعش والتي تمثل فشلا مباشرا للادارة الامريكية وسياساتها في الشرق الاوسط. ويقول بانيتا لم نمنع هؤلاء المتطرفين من الاستيلاء علي مساحات واسعة من الاراضي في الشرق الاوسط وستكون مسألة وقت حتي تتحول انظارهم الينا. ويشير بانيتا الي انه دعا لترك قوة امريكية للمساعدة في الحفاظ علي الاستقرار الهش في العراق عام2011 وشاركه في ذلك اعضاء هيئة الاركان المشتركة والقادة العسكريين في المنطقة ولكن فريق اوباما رفض كل ذلك, حيث كان البيت الابيض متلهفا للخروج من العراق بدلا من دراسة الترتيبات التي من شأنها الحفاظ علي نفوذنا ومصالحنا في المنطقة بما يكشف الاهداف الحقيقية وراء غزو واشنطن للعراق. ويري بانيتا ان المشاكل تأتي من انك تحرص دائما علي عدم الوقوع في الخطأ او ايذاء منصبك, ولكن الكثير من الخطأ من الممكن منعه من خلال النظر في عواقب القرارات التي نتخذها. ويرثي بانيتا نهج الرئيس أوباما الذي يقول أنه يتجنب المواجهة والمعارك ويهدر الفرص علي حد قوله, وليس هناك تحليل في هذه المذكرات لماذا اشتعل البيت الابيض مرة واحدة بسبب صعود داعش وانهيار الجيش العراقي حيث وقعت هذه التطورات بعد ترك بانيتا للحكومة, فلم يكشف اذا ما كانت هذه التطورات جاءت بسبب مشكلة وقعت فيها المخابرات الامريكية ام بسبب مشكلة في صنع السياسات في البيت الابيض, لكنه يكشف مركزية السلطة في البيت الابيض.