الانتخابات ليست غاية فى حد ذاتها وانما هى وسيلة لتفعيل حق المشاركة السياسية للمواطن لتحقيق الاستقرار فى المجتمع. والديمقراطية التى لا تنجح فى إجراء انتخابات نزيهة تتحول إلى ديكتاتورية مدمرة. وفى الطريق إلى البرلمان المقبل تبدو الساحة السياسية مرتبكة واللاعبون الأساسيون فى تحالف ثورة 30 يونيو مترددين والاحزاب متراجعة بصورة لافته والائتلافات كثيرة ومتشابهة والخلافات تتنامى فى كل الأطر التنظيمية اعتمادا على الشخصنة والمصالح الخاصة مع تراجع أهمية المصلحة العامة عند غالبية أطراف اللعبة. وفى البيئة الانتخابية نرى الصراع بين الشعب والارهابيين يتصدر المشهد ويصاحبه تعثر شديد فى توفير الدرجة المطلوبة من الاستقرار قبل إجراء الانتخابات وهو ما أدى إلى تأخر إعلان الإجراءات التنفيذية لقانون الانتخابات بما تتضمنه من تقسيم جديد للدوائر ارتباطا بالتعديل الإدارى لحدود المحافظات ومازال الخلاف حول القوائم الانتخابية مع ضرورة تنفيذ الحظر المؤقت على من شاركوا فى الفساد والإرهاب الأسود ترشحا وتصويتا فى القانون واللائحة التنفيذية. ولايختلف اثنان على أن المعايير الأساسية الإنسانية الحقوقية لنزاهة الانتخابات لاتتوافر حاليا لأن الانتخابات الناجحة يجب أن يتوافر فيها الشفافية وتكافؤ الفرص وحرية وأمان المواطن فى التصويت. فلا شفافية مع الاختلافات الحادة حول قانون الانتخابات وبخاصة عدم التزام المشرع للقانون بالإلزام الدستورى الخاص بتمثيل الفلاحين والعمال والمرأة والأقباط والمعاقين تمثيلا مناسبا مما أغضب كل الأطراف. ثم أين تكافؤ الفرص فى ظل الأنهار المتدفقة للمال السياسى خاصة للمنتمين للإسلام السياسى ومنهم إرهابيون وخلايا نائمة ونرى الأموال لديهم بالمليارات فى الوقت الذى لا يملك فيه الشباب صناع الثورة وروحها الحية أموالا تمكنهم من الترشح والدعاية الانتخابية فكيف تتحقق الفرصة المتكافئة فى ظل عدم السيطرة على المال الذى يتدخل عادة فى الانتخابات بلا رقابة ولا ضوابط والحديث عن حرية وأمان المواطن الناخب لايحتاج شرحا فجميعنا نعيش مايقوم به الإرهابيون من عمليات قذرة تقتل البشر وتدمر المرافق بما يؤدى إلى تأرجح مستوى الاستقرار المطلوب دائما لنزاهة الانتخابات والتفجيرات وانقطاع الكهرباء والمياه لفترات طويلة ولمرات عديدة فى اليوم الواحد لاتوفر بيئة آمنة للمواطن أثناء الانتخابات. ويكفى أن تنقطع الكهرباء أثناء الفرز فتبطل العملية الانتخابية كلها. وأذكر أننى عندما شاركت ضمن فريق مراقبة الانتخابات التابع للأمم المتحدة فى عدة دول عربية وأفريقية كانت الهيئة الدولية توفر دعما لوجستيا من المولدات الكهربائية بمبالغ كبيرة للتغلب على الظلام وما يحدث فيه من جرائم انتخابية. أن الدول التى تعانى من مشكلات اجتماعية واقتصادية وأمنية وتحتاج إلى تضافر جهود كل قوى المجتمع لتحقيق برامج الإصلاح والتنمية بعيدا عن التنافر والمنافسة الشرسة على السلطة والتى تبلغ أعلى درجات التصادم خلال الانتخابات. وهذه الدول تضع شروطا لتتحقق أولا قبل تنظيم الانتخابات بل ربما تعطل العمل الحزبى ذاته لفترة مؤقتة كما فعل مهاتير محمد فى تجربته التنموية بماليزيا حين عطل العمل الحزبى لخمس سنوات حتى حقق معدلات معلنة سلفا فى التنمية. وتجربة الثورة التى قادها مانديلا فى جنوب أفريقيا قامت على توحيد الأحزاب هناك تحت قيادة حزبية واحدة حتى تحقق الاستقلال. إن نزاهة الانتخابات لها قواعد وشروط وتحتاج بيئة انتخابية صحيحة ولاننا اليوم نفتقد كل هذا فإن تأجيل الانتخابات البرلمانية مؤقتا تفرضه المعايير الديمقرطية الاساسية للانتخابات النزيهه وأعتقد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى وحكومة محلب وهم الأكثر حرصا على أن تكون الانتخابات البرلمانية دعامة للاستقرار وليس سببا فى تصاعد الصراعات الداخلية. وتأجيل الانتخابات ستة أشهر لتجرى فى مطلع الصيف المقبل مع توفير البيئة المناسبة لها أفضل من اجرائها فى ظل هذه المخاطر.