في أجواء حرية الرأي والتعبير غير المسبوقة التي تفتح الأبواب والنوافذ أمام المعارضة بجميع ألوانها وأشكالها لتفعل وتقول ماتشاء, أستطيع المجازفة بالقول بأن مصر مقبلة علي مرحلة فارقة في تاريخها المعاصر وشذلك عقب الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي وبعد اكتمال تسمية نواب الأمة في مجلسي الشعب والشوري. والقراءة المنصفة لعصر مبارك تشير الي أن القائد الذي خاض الحروب دفاعا عن مصر واستطاع أن يعيد لها كل شبر من أراضيها ومن ثم أعطي الأولوية المطلقة للنهضة الشاملة في جميع المجالات ولاستكمال عملية الاصلاح التي انطلقت في مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, هذا القائد لن يقبل بأقل من المكانة العالية والرفيعة التي تستحقها مصر وسط العالم المتقدم خاصة أن خطوات واسعة قد تمت بالفعل وقد آن الأوان لقطف ثمارها, ولذلك يتعين علي المصريين جميعا وبكل انتماءاتهم السياسية القبول بحقيقة مفادها أن الوقت قد حان للدفع بجهود التنمية والتحديث والتطوير الشامل في جميع الاتجاهات, وعدم الوقوع في دائرة مغلقة لانهاية لها تجعل من الممارسة السياسية هدفا في حد ذاته لتحقيق طموحات ضيقة حتي ولو كانت مشروعة, في حين أن النهوض بالوطن يجب أن يظل الغاية المثلي التي يعمل الجميع من أجلها بصرف النظر عن مكاسب وقتية قد يحققها هذا الطرف أو ذاك في سياق حراك ايجابي لا يعترف بالجمود أو التراجع. ومن هنا يمكننا تأكيد أن معطيات المرحلة القادمة لن تفسح الطريق الا للأداء المتميز علي الصعيد التنفيذي, وأن الأهداف والبرامج الموضوعة ستكون أكثر طموحا لتلبية احتياجات البناء الذي يسابق الزمن, ولامجال أومكان للأيدي المرتعشة. ولعلي لا أبالغ حين أؤكد أن الدلالات العميقة لنتائج الانتخابات تظهر ادراكا شعبيا عميقا بضرورة الحسم والانتصار للشرعية والاستقرار بعيدا عن الصخب والجدل الذي استنفد الوقت العام وأراد البعض عن سبق اصرار وترصد تحويل الاهتمام وجذب الانتباه لقضايا جانبية ليس فيها انجاز يضيف للرصيد الوطني, بل ووصل الحال الي درجة ممارسة الابتزاز والتخويف للوزراء والمسئولين حتي لايتخذوا قرارات حاسمة خشية أن تتحول لوجبة دسمة لفضائيات وبرامج نصبت أنفسها الرقيبة علي مجريات الأحداث وتستطيع بالغمز واللمز والتصريح المعلن أن تحاكم علي الهواء هذا المسئول وتجعله عبرة لغيره. ولسنا في حاجة لاعادة تأكيد أن مانقوله ليس معناه من قريب أو بعيد غلق الأفواه والتراجع عن حرية الرأي والتعبير, ولكننا نعني العودة الي السياق الصحيح الذي يمارس من خلاله كل منا دوره بلا تجاوز علي أدوار أخري يحددها الدستور والقانون وبحيث لاتتحول أدوات الاتصال ووسائل الاعلام الي واقع يلغي رقابة البرلمان والجهات المعنية ذات العلاقة, مع افساح المجال أمام المعالجة الاعلامية الراصدة والواعية لمهامها والملتزمة بالمعايير المهنية المعمول بها في المجتمعات الديمقراطية والتي لاتعرف مثل هذا التجني والابتزاز. وبكل الجدية نضيف أن الشارع المصري لم يعد يحتمل المزيد من الصداع والصراخ القادم من أفواه ووجوه لانعرف لها رصيدا يذكر في الماضي اللهم الا أنها استيقظت ذات صباح وقد امتطت جواد البطولة الزائفة لعلها تقنعنا بفروسيتها الوهمية, ولن نذكر تفاصيل يعرفها الجميع عن الذين يتباكون علي الحرية والديمقراطية وهم الذين ترعرعوا في أحضان الحزب الواحد والرأي الواحد ولم نسمع عنهم اعتراضا ولو بكلمة. لقد أفضت نتيجة الانتخابات الي أغلبية ساحقة للحزب الوطني تحت قبة مجلس الشعب, وهو تفويض يتجاوز في تقديري المعني الحزبي ليكون دعوة من الشعب بجميع انتماءاته السياسية للوصول الي مرحلة الانطلاق في العمل الوطني بأقصي الطاقات الممكنة ولتحقيق حجم الانجاز المنشود دون وجود قوي تفتقد الرؤية والقدرة علي الحركة سواء علي الصعيد الشعبي أو التنفيذي لحل مشاكل الجماهير. وهكذا تكون المسئولية مضاعفة علي نواب الحزب الوطني في ضوء هذا المعني الذي يظل ساري المفعول حتي تعيد بقية الأحزاب المعارضة ترتيب أوراقها وتصحح مسارها بما يلبي احتياجات قواعدها الأساسية وتفعل قنوات الاتصال الصحيحة مع كوادرها ولاتكتفي بمحاولة القفز غير المحسوبة ولا تراهن علي الاكتفاء بمهاجمة حزب الأغلبية باعتبارها الوسيلة السهلة للعمل السياسي. وإذاكان علي أطراف الحراك الديمقراطي استيعاب هذه المعاني البالغة الأهمية والخطورة معا, فان الأمر المؤكد أن مصر لن تنتظر أحدا وأنها ستمضي الي آفاقها المشرقة التي تتناسب مع عطاء سنوات العمل والجهد المضني, وسيكون مجلس الشعب تحديدا مثالا يحتذي للأداء البرلماني الرفيع المستوي, برهانا علي تلقي رسالة الشارع المصري الذي فاض به الكيل. وان غدا لناظره قريب.