أي مصري صميم عاش حياته في الأعوام الخمسين الماضية فيها عاش الحروب والثورات الكبري والمتغيرات المتلاحقة بل والتطورات التكنولوجية الحديثة يشعر بعض وقت أن في حياته شيئا يريد أن يتركه للجيل الذي يليه ليستفيد من تجربته.. هذا ما فعلته الاستاذة زينب حمزة فقد بدأت حياتها العملية تعمل في جامعة الدول العربية وكان من حسن حظها أن عملت مع الكبير عبد الوهاب العشماوي أمين عام المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي احدي المنظمات المتخصصة لمكافحة الجريمة. لقد اختارت لأفكارها عنوان الطوفان قادم وقدمت كتابا هو كما تقول شهادة. تبدأ شهادتها بالطوفان في القرآن الكريم: كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه اني مغلوب فانتصر. ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقي الماء علي أمر قد قدر وحملناه علي ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها اية فهل من مدكر سورة القمر9-15 قرآن كريم في كتابها هذا تروي احاديث مع استاذها وتستطلع رأيه في أمور الحياة خاصة الحياة السياسية. إذ سألته عن مصر قبل عام1952, حيث عرف مصر من قادتها وملكها تحدث عنهم تأريخا وتشخيصا وتصويرا وكأنما قد عاشرهم أو اقترب منهم أو حتي ولد وشب في حياتهم. سألته هي تابعت مسلسل الملك فاروق؟ قال عايشت عهد فاروق ومن أجل ذلك وجدت المسلسل في كثير مما فيه ابعد ما يكون عن أحداث عايشتها. ويستطرد هو يتحدث عن حريق القاهرة: منذ أكثر من خمسين عاما امتدت يد عابثة فأحرقت القاهرة واحرقت معها عرش مصر وجانبا من تاريخها. وبقيت الحقيقة تائهة بين صخب أدعياء التاريخ. لقد كان حريق القاهرة هو البداية الحقيقية لعصر جديد من العصور التي تتابعت علي مصر. ولذلك يخطئ المؤرخون إذا ظنوا أن العصر الذي نعيش فيه الآن قد بدأ عند منتصف ليلة23 يوليو1952. ربما كان هذا الموعد الأخير هو موعد التحرك الفعلي لضباط القوات المسلحة أو موعد فتح الستار. أمام جموع الناس ليعلموا شيئا لم يكن لهم به علم باعتبار أنهم كانوا في غفلة عن أمر دبر لهم بكفاءة فائقة أو بعبارة أكثر وضوحا ربما كان يوم26 يناير1952 هو اليوم الذي قرر فيه الأطباء المعالجون نقل النظام الملكي إلي غرفة الانعاش.. وكان ترنح الوزارات وسقوطها بمثابة المضاعفات التي تسبق النهاية. لكني بعد حريق القاهرة.. الرجل يقول خلاصة القول أن شعب مصر في عهده الحديث لم يشهد ثورة اقول والكلام له أن الشعب باكمله لم يشعر هل هناك حركة أم تمرد أولا لانه لا يميل الي العنف وثانيا لأن ايا من هذه الامور لم يصاحبه لاعنف ولا عدوان فمن أين إذن جاء العنف إلي أرضنا الطيبة وأهلها المسالمين..! هل هي جرثومة أصابت شعب مصر فتغير طبعه وتغير سلوكه وغدا مهيأ لأمر لم يعهده الناس من قبل؟ تاريخ مصر الحديث مازال له شهود أحياء.. ونحن فعلا في حاجة إلي كتابة تاريخ مصر الحديث كتابة جادة مجردة من العواطف وتعتمد علي الاحداث وتفسيرها.. لأن من يعرف ماضيه جيدا بالتأكيد سيستشرق بمستقبله جيدا أيضا؟ الورقة الثانية علي جانب آخر من الحياة السياسية كان شاعر عظيم يجلس علي المقهي ليندب حظه! عندما يكون سوء الحظ سببا في النبوغ والشهرة أتذكر ذلك كلما دار الحديث مع الاصدقاء الذين من عمري زملاء الجيل القديم.. لقد كان الموضوع الشاعر عبدالحميد الذي مازال صوته وصيته علي ألسنة الجيل الجديد أيضا. لقد كان يكتب كثيرا ثم يبيع أوراقه إلي الصحف والمجلات بقروش قليلة وكما يقول كان يروي بثمنها عطشه في اقرب حانة ثم يلعن الناس ويلعن الدنيا.. ويندب حظه العاثر ويقول. * حظي هو الأيكة الخرساء ذابلة * هو النسيم سموما غير خفاق هو السحاب جهاما والندي أسنا * هو الضياء به موتي وإحراقي كأنه أذرع شلاء راحتها أو أنه أعين من غير أحداق لاتسألوني عن بؤسي وعلته سلوا به الحظ ميتا فوق أعناق هذا الشاعر ملأ الدنيا أزجالا تسخر من الفقر لكن من الصعب جدا أن نجدها كاملة.. وأهمية جمع هذه القصائد وطبعها في كتاب فسوف يحكي هذا الكتاب تاريخ مصر أو تاريخ القاهرة في الاربعينيات.. ولعل هذه الفقرة تعبر عن مكنون احاسيس شاعر عاش فقيرا ومات فقيرا.. وأوراقه وازجاله وتعبيرات الألم.. قد طارت في الهواء. لكن بالتأكيد هذا الكوبليه من شعره مازال( الجيل القديم والحديث يحفظه عن ظهر قلب كما يقولون.. إذا يقول: وهام بي الأسي والبؤس حتي كأنني عبلة والبؤس عنتر كأني حائط كتبوا عليه هنا ياأيها المزنوق..طر...... التاريخ.. نعرف المستقبل