أثار الإعلان عن إنهاء الخلاف القطري مع الإمارات, والسعودية والبحرين تساؤلات عدة حول طبيعة السيناريوهات المحتملة التي تم الاتفاق عليها, لاسيما في ضوء الغموض حول مضمون ما تم الاتفاق عليه في اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في جدة في30 أغسطس.2014 وكانت الخلافات القطرية الخليجية قد تفجرت في مارس الماضي, إثر بيان مشترك من الإمارات, والسعودية, والبحرين بسحب سفرائها من قطر, واتهامها بالتدخل في الشئون الداخلية لها, وتهديد أمنها. علي أن عدم تطرق بيان اجتماع جدة لمسألة عودة سفراء الدول الثلاث( السعودية, والإمارات, والبحرين) إلي الدوحة دفع الكثير من المحللين للتساؤل عما إذا كان ما حدث في جدة هدنة مؤقتة أم تسوية دائمة للأزمة؟, علاوة علي مستقبل العلاقات الخليجية الخليجية, في ظل تنامي التهديدات المقبلة من العراق, خاصة من تنظيم الدولة الإسلامية. أولا الخلاف الخليجي وجهود الحل: اتخذت السعودية, والإمارات, والبحرين قرارا مفاجئا يوم5 مارس2014 بسحب سفرائها من قطر في بيان ثلاثي شديد اللهجة, يعد الأول من نوعه في إطار العلاقات الخليجية, وذكر بيان الثلاثي المشترك خمسة أسباب رئيسية للخلاف بين الدول الثلاث وقطر. عدم التزام قطر بمبادئ دول مجلس التعاون الخليجي, والاتفاقية الأمنية والسياسية الموحدة للمجلس. عدم التزام قطر بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الثلاث بشكل مباشر أو غير مباشر. دعم قطر لعناصر ومجموعات تهدد أمن واستقرار دول المجلس بطريق العمل المباشر أو التأثير السياسي. دعم قطر لما وصفه البيان الثلاثي ب الإعلام المعادي. عدم التزام قطر بما تم التوصيل إليه من مقررات في قمة الرياض(2013/11/23), والآلية التنفيذية في اجتماع الكويت(2014/2/17). وقد أدت الأزمة لتسارع الجهود الدبلوماسية المختلفة لمحاولة حلها, والتوسط بين الدول الأربع, من أجل الحفاظ علي تماسك مجلس التعاون الخليجي. ويمكن ذكر بعض هذه الجهود علي النحو التالي: سعت الكويت لتقريب وجهات النظر بين الطرفين, حيث قطع أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح رحلة علاجه, عقب قرار سحب السفراء, وقام بمحاولات عدة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين. زيارة أمير قطر, تميم بن حمد آل ثاني, إلي الكويت في6 يوليو2014, ثم زيارة كل من الممثل الشخصي لأمير قطر في27 يوليو, ووزير الخارجية القطري في10 أغسطس للكويت. زيارة مفاجئة لأمير قطر للرياض, ولقاؤه ملك السعودية, عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في22 يوليو.2014 زيارة وزير الحرس الوطني السعودي, الأمير متعب بن عبدالله في6 أغسطس إلي قطر, وأعقب ذلك زيارة وفد يضم رئيس المخابرات, ووزيري الداخلية والخارجية السعوديين في27 أغسطس إلي قطر. ثانيا اجتماع جدة.. وغموض الاتفاق: عقد اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون في30 أغسطس في مدينة جدة,وتناول فيه المجتمعون عدة قضايا داخلية, وأخري إقليمية, وأكد ضرورة حل الخلافات البينية, ودعم تطبيق المبادرة الخليجية في اليمن, ومراجعة وتقييم التقرير الذي رفعته لجنة متابعة تنفيذ اتفاق الرياض. وعقب الاجتماع رحب مجلس الوزراء الكويتي بما توصل له المجتمعون في جدة, معتبرا أنه يعكس صلابة مجلس التعاون الخليجي وروح المسئولية العالية لدي قادته بينما صرح وزير الخارجية الكويتي, الشيخ صباح خالد الحمد الصباح, بأن الاجتماع قد توصل لمعايير تضمن تنفيذ الالتزامات المتبادلة, وبالتالي تجاوز الخلافات في أقرب وقت ممكن. علي جانب آخر, صرح وزير الخارجية العماني, يوسف العلوي, بأن الخلافات بين الدول الثلاث قد تم حلها, وأن الدول الثلاث ستعيد سفراءها لقطر قريبا. ويمكن هنا تسجيل ملاحظتين علي السياق العام لمؤتمر جدة: جاء المؤتمر في وقت حساس بلغت فيه نقطة الخلاف بين الدول الأربع مرحلة حاسمة, مع رفع لجنة متابعة اتفاق الرياض لتقريرها, فإما الاتجاه لمزيد من التصعيد والتأزم, أو الوصول لنقطة توافق مشتركة. سبق المؤتمر جولات سياسية عالية المستوي, مثل زيارة الوفد السعودي قطر, والبحرين, والإمارات, وزيارة وزير الخارجية العماني القاهرة. ولعل اللقاء الأكثر أهمية جاء في اجتماع وزراء خارجية مصر, والسعودية, والإمارات, وقطر, والأردن, الذي عقد في مدينة جدة يوم25 أغسطس, والذي مثل تطورا لجهة اجتماع الدول الخمس لتشكيل سياسة موحدة تجاه قضية إقليمية( تمدد تنظيم الدولة الإسلامية) من جهة, ولتدشين تعاون مشترك تكون مصر وقطر طرفا فيه من جهة أخري, تتجاوزان فيه مشكلاتهما منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي, كما سبق اجتماع جدة بيوم واحد زيارة سريعة لوزير الخارجية العماني للقاهرة في29 أغسطس. وفيما يخص نتائج الاجتماع وما تمخض عنه, يمكن ملاحظة نقطتين مهمتين: تضارب التصريحات بين أطراف المجلس ووزير الخارجية الكويتي, من جهة, الذي قال إن الاجتماع وضع معايير لتجاوز الخلاف في أقرب وقت ممكن, وبين وزير الخارجية العماني, من جهة أخري, والذي صرح بأن الأزمة تم حلها تماما, وأن السفراء في طريق العودة لقطر, ثم عاد ليستدرك أن الأزمة قد حلت ببابين مفتوحين, أي بموافقة دولتين فقط من الدول الثلاث, بالإضافة لعدم ذكره إطارا زمنيا لعودة السفراء. ويلفت النظر أن البيان الختامي لاجتماع جدة لم يتطرق للأزمة الخليجية, ولا لقضية عودة السفراء. ركز البيان الختامي للاجتماع علي موضوع الإرهاب, ورحب بقرار مجلس الأمن رقم(2170) حول تنظيمي الدولة الإسلامية والنصرة الإسلامية, ورفض جميع أشكال الإرهاب مع تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لمحاربته. ثالثا سيناريوهات العلاقات القطرية الخليجية: في ظل غموض التصريحات والمواقف العلنية والرسمية, يمكن القول إن اجتماع جدة قد أدي بالفعل إلي تهدئة الخلافات الخليجية, ومنع التصعيد والتأزم فيها بدرجة كبيرة, لكنه لم يؤد بالضرورة إلي حل الأزمة بعد. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلي أن هناك سيناريوهين أساسيين للعلاقات البينية الخليجية, أولهما يتعلق ب التسوية الشاملة, وهي الحل الأمثل للعلاقات الخليجية, وتقوم علي معالجة شاملة لأوجه الخلاف بين دول المجلس. أما السيناريو الثاني والأخير, فيتعلق ب التسوية الجزئية وينصرف إلي حالتين, هما: التهدئة المؤقتة, وتتمثل في تجميد الأزمة وترحيلها, وهذا الاحتمال لايتطلب بالضرورة عودة السفراء لقطر. الحل الجزئي, ويتضمن تسوية أعمق بين الطرفين تؤدي للالتزام بوقف الحملات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية بين الطرفين, وتحقيق أحد المطالب الأساسية بوقف التدخل القطري في شئون الدول الثلاث. ونجادل بأن السيناريو الأول أمر مستعبد للغاية, في ظل الأوضاع الراهنة التي تتميز بالسيولة والاختلاف الكبير بين مواقف الطرفين. فالوصول لهذه التسوية يتطلب إما الاستجابة القطرية لمطالب الدول الثلاث, أو تنازل الدول الثلاث عن مطالبها, أو تهديدا وجوديا يؤدي لتكاتف دول المجلس من جديد. ولعل إسقاط الدول الثلاث مطالبها هو أمر بعيد في اللحظة الراهنة, بينما استجابة قطر هي أيضا بعيدة الحدوث لما تتطلبه من تغيير جذري في توجهات سياستها الخارجية. ولذا, فإن هذا السيناريو الأول غير مطروح في المدي القريب, وربما المتوسط أيضا. أما السيناريو الثاني والأخير المتعلق بتسوية جزئية, فهو الأرجح خلال الفترة المقبلة ويعود ذلك إلي ثلاثة عوامل رئيسية: 1 التطورات الإقليمية, والمتمثلة في صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وتشكيله تهديدا ضخما, لايمكن حله بشكل منفرد, بل من خلال تعاون إقليمي شامل. ويتزامن ذلك مع عدة مؤشرات, منها الجهد الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة لإنشاء تحالف دولي يضم حتي الآن دولا غربية فقط لمحاربة تنظيم الدولة, واحتمالات التقارب الأمريكي الإيراني في العراق, مع إجازة مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامئني التعاون مع الولاياتالمتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق, وكذلك احتمالات التقارب السعودي الإيراني مع زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني السعودية في25 أغسطس. 2 صعوبة وتعدد نقاط الخلاف, فالخلاف القطري الخليجي متعدد الجوانب, ويشمل قضايا معقدة وخلافية, بعضها يتعلق بدول مجلس التعاون, والأخري تختص بملفات إقليمية, وحتي بطبيعة توجهات العائلة الحاكمة في قطر, وهو الأمر الذي يجعل حلها أمرا معقدا في مدي زمني قصير, وسيؤدي بالضرورة لمزيد من التصعيد والتأزم داخل منظومة مجلس التعاون. 3 تماسك مجلس التعاون, حيث بات من الواضح أن التصعيد قد يؤدي إلي تفكيك مجلس التعاون, ودفع قطر إلي أحضان إيران. ولذا, فإن الحفاظ علي المؤسسة الإقليمية الأكثر فاعلية في الإطار تظل أولوية قصوي, خاصة مع تصاعد التهديدات الإقليمية التي تستلزم جهدا مشتركا وجماعيا. وبالتالي, فإن العلاقات القطرية الخليجية ستنصرف علي الأغلب لتسوية مؤقتة تقوم علي تجميد نقاط الخلافات بين الطرفين لحين مواجهة الأخطار الأكثر إلحاحا, ونتيجة عدم القدرة علي حسم الخلافات في دفعة واحدة. أما عودة السفراء لقطر, فسترتبط ارتباطا وثيقا بمدي التقدم الذي قد يحدث علي مسار تخفيض التدخلات القطرية وفق رؤية الدول الثلاث في شئونها. ولذا, فإن الأرجح أن تشهد الفترة المقبلة تخفيضا لحدة التوتر الإعلامي بين الطرفين, وتعاونا أكبر في المجال الإقليمي, خاصة في مجال مكافحة الجماعات المتشددة, بينما سيستمر الصراع بينهما في ساحات الإقليم الأخري( ليبيا نموذجا). أي أن الحل المتوقع سيمزج بين التهدئة المؤقتة كمرحلة أولي لتخفيف أثر الاحتقان بين الطرفين, من أجل الوصول للمرحلة الثانية الخاصة ب(حلول جزئية), تركز بالأساس علي تصفية الاحتقانات البينية, كقضية تجنيس المواطنين الخليجيين, والتصريحات المسيئة( القرضاوي نموذجا) وتحييد الصراع حول الأدوار الإقليمية مؤقتا ليبيا مثالا من العلاقات البينية. ويمكن القول إن ما حدث لايعدو أن يكون ترحيلا للخلاف بين الدول الأربع إلي مرحلة لاحقة, وأن حدود وطبيعة الخلاف بينهما عميقتان للغاية, خاصة بين الإماراتوقطر, اللتين تبادل أشخاص محسوبون علي دوائر السلطة في كل منهما حملة تراشق علي مواقع التواصل الاجتماعي, بعد تسريب أنباء قصف مصري إماراتي لمواقع الميليشيات في طرابلس بليبيا. ولذا فإن الانفراجة الحاصلة لن تمنع تجدد الخلاف واستمراره بين الأطراف, لكنها ستحاول أن تقلل من حدته من جهة, وتصرفه من جهة أخري لساحات صراع بعيدة عن الساحة الخليجية. ولذا, فإن عودة السفراء ترتبط ارتباطا وثيقا بمدي تقدم قطر في تحقيق بعض المطالب منها, وأن هذه الانفراجة هي خطوة أولية لتشجيع وحث قطر علي التقارب, وتنفيذ تعهداتها. الخلاصة أن اجتماع جدة مثل انفراجة بالفعل في الازمة الخليجية, نتيجة التطورات الإقليمية واشتدادها, مما دفع دول المجلس لتجميد خلافاتها مؤقتا, والتي هددت بتفكك مجلس التعاون من الداخل. لكن آفاق التسوية الشاملة للخلاف لاتزال بعيدة, ونتائج الاجتماع لن تتعدي بأي حال من الأحوال كونها تهدئة مؤقتة فقط لحين توافر الظروف والعوامل التي تؤدي ل حلول جزئية للخلاف بين الدول الأربع. باحث في العلوم السياسية