في انتخابات مجلس الشعب أشياء كثيرة قديمة لكن فيها أشياء جديدة أيضا. تغيرت مصر كثيرا خلال السنوات الخمس التي انقضت منذ انتخابات مجلس الشعب الأخيرة, وانعكس بعض هذا التغير في الانتخابات في مصر اليوم مجال عام أكثر اتساعا ورأي عام أكثر اهتماما بالسياسة ومتابعة لها, وإن كان مستوي مشاركته فيها مازال محدودا, فأصبح لدينا عدد أكبر من مستهلكي السياسة, لكن عدد' منتجي السياسة' لم يتغير كثيرا. المشاركون في الحياة السياسية هم نسبة محدودة من المصريين, لكن هذه النسبة القليلة أصبحت أكثر كفاحية والتزاما. النشطاء السياسيون من كل الاتجاهات الذين تراهم ليل نهار في الشوارع مع المرشحين, وعلي شبكة الإنترنت معلقين علي الانتخابات وتطوراتها, وفي جمعيات المجتمع المدني الكثيرة التي تراقب الانتخابات أو تتابعها- لا فرق- كل هؤلاء هم نوع جديد من النشطاء لم يكون هناك قبل خمسة أعوام. السخونة المميزة للحملات الانتخابية, والتي وصلت إلي مستوي الصدامات بين أنصار المرشحين وبعضهم البعض, وبين أنصار المرشحين وقوات الأمن, هي في جانب منها تعبير عن المستوي الأعلي من الكفاحية الذي بات يميز النشطاء السياسيين في مصر. الانفتاح الإعلامي والتعزيز غير المسبوق لحرية التعبير هو أحد أهم الأشياء التي تغيرت في مصر بين انتخابين. العشرات من الصحف وقنوات التليفزيون الجديدة التي باشرت العمل في السنوات الأخيرة فتحت مجالات جديدة للتعبير, كما رفعت سقف الحرية. لم يعد هناك في مصر قضية لا يمكن مناقشتها في الإعلام, ولم يعد هناك شيء يمكن تحصينه ضد تغطية إعلامية تجرح أحيانا, وتخرج عن التقاليد المهنية أحيانا أخري, لكنها كثيرا ما كشفت الفساد, ووضعت الإهمال والمهملين تحت بصر الرأي العام. الحضور الكبير للمرأة المصرية في هذه الانتخابات ليس له سابقة. المؤكد هو أن هذا الحضور النسائي لم يكن له أن يحدث لولا الأربعة وستين مقعدا المخصصة للنساء, والمعروفة بكوتا المرأة. التراجع الكبير في تمثيل المرأة في مجالس الشعب السابقة برهن علي أن المرأة تحتاج إلي دعم وحماية حتي يمكنها المشاركة في انتخابات يلعب فيها المال والعنف دورا لا يستهان به. تزاحم النساء علي الترشح لمقاعد المرأة يدل علي أن النساء في مصر يتطلعن للمشاركة شرط توافر الظروف. كوتة المرأة ستخرج لمصر جيلا جديدا من الناشطات من النساء, وهذا هو أحد أهم ما أنتجته لنا هذه الانتخابات.