مصر تحصد المراكز الأولى بمسابقات المنتدى الأفرواسيوى للابتكار والتكنولوجيا في ماليزيا    منافس مصر - ريو نجوموها خارج قائمة إنجلترا في كأس العالم للناشئين    تنس طاولة - محمود أشرف: أعتذر عما حدث مع عمر عصر.. ومستعد للمثول للتحقيق    وزير الثقافة يتابع استعدادات إنعقاد معرض القاهرة الدولي للكتاب    برا وبحرا وجوا.. جيش الاحتلال يواصل انتهاكاته لاتفاق غزة    وزير قطاع الأعمال يستقبل سفير الإمارات الجديد بالقاهرة ويؤكد عمق العلاقات بين البلدين    انخفاض ملحوظ في أسعار الأسماك بأسواق الإسكندرية.. البلطي ب70 جنيها    الداخلية تكشف ملابسات فيديو أداء 3 سائقين حركات استعراضية بالشرقية    قادة أوروبيون يدعمون أوكرانيا وجهود ترامب لإنهاء الحرب    الخميس.. محمد ثروت ومروة ناجى بقيادة علاء عبد السلام على مسرح النافورة    سجن لاسانتيه.. كيف تبدو زنزانة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي؟    موسكو تنفي تأجيل لقاء لافروف وروبيو: "لم يتم الاتفاق عليه من الأساس"    اليوم، ختام تعديل رغبات الانضمام لعضوية اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    السيسي يتوجه لبروكسل لرئاسة وفد مصر في القمة المصرية الأوروبية الأولى    وزير الاستثمار: الحكومة تركز على تعزيز مساهمة القطاع الخاص باعتباره المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي    ارتفاع كبير بالقاهرة والصعيد في المنطقة الآمنة، درجات الحرارة اليوم في مصر    6 مصابين في انقلاب ميكروباص على طريق مصر-أسيوط الصحراوي الغربي بالفيوم    القبض على شاب انتحل صفة ضابط شرطة ونصب على طالبة بالجيزة    محافظ أسوان يمنح موظفي المحليات والمديريات المرشحين للانتخابات إجازة    الفريق أول عبد المجيد صقر يستقبل وزير الداخلية لتقديم التهنئة بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر    وزير الخارجية يشكر محافظ أسوان على الدعم اللوجستي لإنجاح منتدى السلام والتنمية المستدامين    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    مخاطر تقديم الكافيين للأطفال الأقل من 12 عاما    الرعاية الصحية: تقديم 50 ألف خدمة طبية للاجئين من 60 دولة    بروتوكول تعاون بين جامعة القاهرة و «القومي للحوكمة» لدعم التنمية المستدامة    أمينة خليل: أنا وسط البنات اللي في جيلي تأخرت شوية في الجواز    الخارجية الروسية: لم يتم الاتفاق على عقد لقاء بين لافروف وروبيو    تصريحات ذكرتنا بالحقائق    «التضامن» تقر توفيق أوضاع جمعيتين في محافظتي القاهرة وكفر الشيخ    «التضامن» تعلن فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية.. غدًا    مصر وفرنسا تبحثان خطة إعادة إعمار القطاع الصحي في غزة    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    بسبب 200 جنيه.. مقتل فكهاني طعنا على يد سباك في الوراق    محاكمة 68 متهمًا في قضية خلية قصر النيل بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية    وليد عبداللطيف: الأهواء الشخصية تسيطر على اختيارات مدربي المنتخبات الوطنية    ياسين منصور: لا ديكتاتورية في الأهلي.. وهذه تفاصيل جلستي مع الخطيب    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    نيويورك تايمز: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع حماس    ناهد السباعي: «السادة الأفاضل» ليس فيلم ممثل واحد.. ولم أشعر بصغر مساحة الدور    مع اقتراب دخول الشتاء.. أبراج تبحث عن الدفء العاطفي وأخرى تجد راحتها في العزلة    الحكومة: تنظيم مهرجان شتوى فى تلال الفسطاط على غرار فعاليات العلمين    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    المشرف على رواق الأزهر عن جدل مولد السيد البدوي: يجب الترحم عليهم لا الرقص عند قبورهم    "جولدمان ساكس" تحذر من مخاطر اضطراب في إمدادات المعادن النادرة والحيوية    "تأهيل وتوعية الطلاب بدور المشروعات المتوسطة والصغيرة فى تعزيز الاقتصاد".. ندوة ب"طب بيطري بنها"    جامعة قنا تطلق مشروع التطوير الشامل للمدن الجامعية    وزير الصحة يتابع نتائج زيارته إلى الصين لتعزيز التعاون في الصناعات الدوائية والتحول الرقمي    كيف تميز بين نزلة البرد العادية والتهاب الجيوب الأنفية؟    متحدث «الشباب والرياضة» يكشف أزمة الإسماعيلي بالتفاصيل    موعد مباراة برشلونة وأولمبياكوس بدوري أبطال أوروبا.. والقنوات الناقلة    أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    بيان عاجل لوزارة العمل حول زيادة الحد الأدنى للأجور    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شبكات العنف الجهادية بين غزة وسيناء

كانت سيناء علي مدي التاريخ- ولا تزال- بوابة مصر الشرقية التي خرجت منها الجيوش المصرية لمواجهة الأعداء في المنطقة العربية علي اتساعها, كما دخلت منها حملات المعتدين إلي مصر,
‏ ولا تزال سيناء تمثل نقطة ارتكاز مهمة في منظومة الأمن القومي المصري‏,‏ خاصة في السنوات الأخيرة‏,‏ وأصبحت هدفا لاختراق تلك المنظومة‏,‏ وبصفة أساسية بعد انفراد حركة حماس بالحكم في قطاع غزة‏.‏ وقد زاد من خطورة ذلك ما حدث عقب ثورة‏25‏ يناير‏,‏ وغياب هيبة الدولة في مناطق متعددة من سيناء‏,‏ وكذلك تراجع نفوذ الأمن بقطاعاته المختلفة‏,‏ وافتقاده لمكانته ووظيفته‏,‏ مما أتاح حركة غير مسبوقة لعناصر داخلية وخارجية واصلت تحركاتها لضرب الاستقرار في شبة الجزيرة‏.‏
أولا‏-‏ ملامح تدهور المناخ الأمني في سيناء‏:‏
برزت المؤشرات علي تدهور المناخ الأمني في سيناء مع تنامي التيار السلفي الجهادي وتعبيره عن ثقله وحضوره فيها بمظاهر تجاوزت كل سلطات الدولة‏,‏ وكان من بين ذلك‏,‏ الاستعراض العسكري الذي قامت به خلايا تابعة لجماعة التكفير والهجرة في شوارع العريش عام‏2012,‏ وانتهي بضرب قسم الشرطة‏,‏ وترويع المواطنين‏,‏ فضلا عن قيام مجموعات مسلحة بمحاصرة ميناء نويبع للإفراج عن متهمين بتهريب شحنة مخدرات‏,‏ وأخطر ما جري علي هذا المستوي هو ما عبر عنه إحدي قيادات السلفية في سيناء آنذاك سليمان أيوب‏,‏ وهو أحد مؤسسي الجماعة السلفية هناك‏,‏ أنهم كجماعة شكلوا لجانا لفض المنازعات في رفح والعريش‏,‏ وأنشأوا محاكم شرعية‏,‏ مؤكدا أن تلك المحاكم سوف تكون بديلا عن المجالس القبلية والعرفية‏,‏ وأنه تم تشكيل لجنة لرد المظالم حتي لو استخدمت القوة‏,‏ وأنهم شكلوا مجموعات من ستة آلاف مسلح سوف يتولون فرض الأمن داخل المدن‏,‏ وأكد أن التنظيمات العسكرية في سيناء قد خرجت من رحم السلفية‏,‏ وأضاف‏,‏ كذلك‏,‏ أن جماعته تقوم بإمداد قطاع غزة بالطعام والمواد الغذائية‏.‏ وهكذا نري أن الجماعة السلفية الجهادية قد هيمنت علي المدن الرئيسية في سيناء‏,‏ وأنشأت ميليشيات عسكرية تفرض الأمن في ظل غياب الدولة‏,‏ وتتولي عمليات التهريب عبر الأنفاق‏,‏ وأعطت لهذه العمليات مشروعية واضحة‏.‏ ولا شك في أن الاستعراض العسكري الذي قامت به هذه الجماعات كاف للتأكيد علي قوي ذوات مصالح سياسية عرقلت عودة أجهزة الدولة السيادية لوظائفها‏,‏ وحاولت فرض واقع جديد‏.‏
كما أن تشكيل قوات سلفية للعمل في سيناء‏,‏ بهدف إقامة سلطة موازية للدولة ومؤسساتها تحت غطاء قبلي‏,‏ تتولي تنفيذ وتطبيق وجهة النظر التابعة لها‏,‏ قد خلق أرضية مناسبة لتفريخ كوادر التطرف والإرهاب‏,‏ ولا شك في أن علاقة هذه القوي بشبكات الإرهاب جعلت الميليشيات أداة في هذا المجال‏,‏ وهذه هي البنية الأرضية التي أفرزتها السلفية الجهادية في سيناء‏,‏ سواء من الجماعات المتطرفة التي هيمنت علي اتخاذ القرار‏,‏ كبديل لسلطة شيوخ القبائل‏,‏ أو للانخراط في حركة حماس فيما يتعلق بتهريب السلاح عبر الأنفاق‏,‏ وهذه كلها معطيات غيرت من الواقع الأمني والسياسي والاجتماعي في سيناء‏,‏ وغيرت من مراكز الثقل والتأثير لمصلحة مناخ التطرف والإرهاب‏.‏
ولقد سمح فتح الحدود والحركة عبر الأنفاق بين مصر وقطاع غزة طوال العامين الماضيين‏,‏ في فترة غياب الشرطة‏,‏ بتسرب الكثير من العناصر التي كانت ملاحقة من عناصر الأمن‏,‏ وكذلك من جيش الإسلام‏,‏ وعناصر التوحيد والجهاد‏,‏ والفصائل التكفيرية الموجودة في غزة ولها عناصر في سيناء‏,‏ وهكذا اخترق الأمن المصري بطريقة غير مسبوقة‏,‏ وكفل ذلك لتلك العناصر والفصائل ملاذات آمنة زادت من الصعوبات التي تواجه اجتثاثها‏.‏
وأصبحت سيناء بابا لتهريب السلاح‏,‏ ودخلت في هذا المجال منظمات وجهات عدة‏,‏ وحدث ترابط مصالح ما بين التنظيمات السلفية الجهادية المصرية في سيناء ومثيلتها الموجودة في قطاع غزة‏,‏ وجاء العام الماضي ليشهد تطورا آخر علي هذا المستوي‏,‏ حيث من اللافت للنظر أن التنظيمات الإرهابية التي تركزت في سيناء حاولت أن تجعل منها بؤرة مركزية للإرهاب‏.‏ ولا شك في أن ما عرضه محمد الظواهري‏(‏ الشقيق الأكبر لزعيم تنظيم القاعدة‏)-‏ الذي عاد إلي مصر رغم أنه كان مطلوبا علي ذمة قضايا‏,‏ وتمتع بقانون العفو الذي أتاحه الرئيس السابق محمد مرسي‏-‏ من مبادرة للتهدئة والصلح مع الغرب في ديسمبر‏2012,‏ وإعلانه دور الوسيط بين أمريكا والقاعدة‏,‏ طرح الكثير من علامات الاستفهام حول الموقف الأمريكي من التنظيمات الجهادية والتكفيرية في سيناء‏,‏ كما أثيرت علامات الاستفهام حول السماح بعودة قيادة متطرفة كانت ملاحقة‏,‏ والإفراج عن قيادات محكوم عليها‏,‏ ووقف الملاحقات الأمنية لكوادر عادت من اليمن وأفغانستان‏,‏ وترددت علي سوريا‏,‏ والغريب في الأمر أن بعضهم كان مطلوبا من القضاء الأمريكي‏,‏ وكان التعاون المصري‏-‏ الأمريكي لفترات طويلة يتعلق بنشاط تلك العناصر في الخارج‏,‏ إلا أنها بعد عودتها إلي مصر لم تطلب هذه الدول إلقاء القبض علي هذه العناصر‏,‏ وهو ما يلمح إلي خطة توطين لهذه القيادات في مصر في ظل توافق النظام السابق مع هذا التوجه‏.‏ وقد برر النظام ذلك‏,‏ بسعي مصر لتوفيق أوضاع المصريين الذين يقيمون بطريقة غير شرعية في باكستان‏.‏
هكذا أصبحت سيناء تمثل بؤرة للسلفية الجهادية‏,‏ ولخلايا المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة‏,‏ وحدث تزاوج بينها وبين قيادات إخوانية كبيرة‏,‏ وضغطت قيادات سلفية علي عدم ملاحقتها‏,‏ وذلك بدعوي إجراء حوارات معها‏,‏ وهو ما حال دون تنفيذ الجيش المصري لخطط أعدها بهذا الخصوص طوال العام الذي حكم فيه الرئيس السابق محمد مرسي‏.‏ هذا هو المناخ الأمني الذي ساد سيناء في العام الأخير بعد تصالح النظام مع ما يمكن تسميته بشظايا تنظيم القاعدة ومجموعات التطرف والتكفير‏,‏ ولم تكتف واشنطن‏,‏ التي أعلنت الحرب العالمية علي الإرهاب بغض الطرف‏,‏ بل وجدت مصلحة لها في استمرار هذا النشاط‏,‏ وقد استفادت هذه التنظيمات من انهيار الجيش الليبي‏,‏ وتسرب أسلحة متطورة إلي مصر‏,‏ سعت حركتا حماس والجهاد للحصول عليها‏,‏ وكانت الجماعات التكفيرية في سيناء هي الناقل لها‏.‏ هكذا أصبحت سيناء معبرا للأسلحة‏,‏ وأصبحت أيضا مكانا لتخزين السلاح‏,‏ حيث حددت إسرائيل سقفا للأسلحة التي تدخل لقطاع غزة‏,‏ وعندما تتجاوز الكميات القادمة هذا السقف يتم توجيه ضربة لاستخدام هذه الأسلحة‏,‏ وهو ما دفع المقاومة لتخزين السلاح في سيناء‏,‏ وهكذا وجدت منظمات التطرف المصرية وظائف أخري لتهريب وتخزين السلاح‏,‏ الأمر الذي دفع المخابرات الإسرائيلية لتجنيد عناصر فلسطينية لمراقبة عمليات تخزين السلاح التي تملكه المنظمات المتطرفة سواء التي تمر عبر الأنفاق‏,‏ أو التي يتم تخزينها في سيناء‏.‏
ثانيا‏-‏ خريطة تنظيمات العنف في شبة الجزيرة‏:‏
جاء سقوط النظام المصري في‏30‏ يونيو‏,‏ وتبلور تحالف العنف الذي ضم الروافد والتنظيمات المتطرفة تحت عباءة واحدة‏,‏ وبدأت هذه الكتلة بممارسات غلفها العنف وتجاوز عداؤها للنظام السياسي الجديد إلي العداء مع الدولة المصرية ذاتها‏,‏ وأصبح خيارها أن تكون الغلبة لهذا التحالف أو تنهار الدولة بأسرها‏,‏ وهو ما وفر غطاء لجماعات العنف‏.‏ وكان ضروريا للجيش المصري القيام بدوره لاستعادة سيناء‏,‏ وتجاوز المعوقات التي حالت دون تنفيذ العملية نسر التي سبق الإعلان عنها‏,‏ وبدأت عملية اجتثاث الإرهاب‏,‏ وتدمير الأنفاق‏.‏ ولا شك في أن ما نجحت فيه القوات المسلحة من غلق وتدمير نسبة كبيرة من أنفاق التهريب وممرات وطرق الإرهاب والإرهابيين من وإلي غزة‏,‏ وكذلك تصفية عناصر جهادية‏..‏ قد دفع مجموعات منها لنقل عملياتها إلي الداخل لتشتيت الجهد‏,‏ وتخفيف الضغط علي كوادرها في سيناء‏.‏ ولقد حققت العمليات العسكرية الأمنية في الفترة الأخيرة انتصارات كبيرة‏,‏ بددت الخوف من استيطان القاعدة في سيناء ومصر‏,‏ وتفويت الفرصة علي إسرائيل وحلفائها للإيحاء بعدم قدرة مصر علي تحقيق الأمن في سيناء‏,‏ وتدويل قضيتها وإخراجها عن سيطرة مصر‏.‏ وكما كان أداء المؤسسات العسكرية المصرية قد أجهض ذلك بصورة كبيرة‏,‏ فإن مواجهة العنف العشوائي تتطلب تدمير أنفاق غزة‏,‏ وإبعاد السكان عن خط الحدود‏,‏ بالإضافة إلي اتخاذ الإجراءات السياسية اللازمة لضبط الحدود الغربية‏-‏ الجنوبية التي تمثل وسيلة تهريب السلاح وتسرب العناصر الإرهابية‏.‏
وبصفة عامة فإن الممارسات الإرهابية لمنظمات التطرف في سيناء قد كشفت عن خريطة تلك المنظمات‏,‏ والتي تحددت بصورة أساسية في المجموعات التكفيرية‏,‏ وهي التي يقوم فكرها علي تفسيرات مغلوطة تقوم علي تكفير المجتمع ككل‏.‏ وجدير بالذكر أن الفكر التكفيري في مصر ليس له انتشار واسع أو بيئة ملائمة تسمح بوجود دعائم قوية تثبت من فكرة وجوده علي الأرض‏,‏ علاوة علي عدم وجود روابط تنظيمية كبيرة تجمع أفرادها من جهة أخري‏,‏ وهو الرصيد الذي تبلور من خلاله المجموعات التي تمارس عمليات الإرهاب‏.‏
ومن أهم التنظيمات الجهادية التي عملت في سيناء تنظيم التوحيد والجهاد‏,‏ وهو تنظيم جهادي متطرف شديد العنف‏,‏ يقترب إلي الفكر التكفيري أكثر من اقترابه من الفكر السلفي الذي تعتنقه معظم التيارات الجهادية الموجودة علي الساحة‏,‏ وهذا التنظيم هو الذي قام بتفجيرات طابا‏,‏ وشرم الشيخ في عامي‏2004‏ و‏.2006‏ وينتمي كل أفراد هذا التنظيم تقريبا إلي أبناء سيناء‏,‏ ويرتبط ارتباطا وثيقا بعدد من الفصائل الفلسطينية‏,‏ وقد انحسر هذا التنظيم بسبب الضربات الأمنية التي وجهت له‏.‏
وكذلك تنظيم أنصار الجهاد‏,‏ هو أحد نماذج تنظيم القاعدة المنتشرة في العالم‏,‏ وقد ظهر التنظيم علي السطح عقب الثورة المصرية‏,‏ وما تبعها من تدهور أمني‏.‏ ويتكون التنظيم في معظمه من المصريين من أبناء سيناء وغيرهم من المحافظات المصرية‏,‏ إضافة إلي وجود بعض العناصر السابقة من تنظيم الجهاد الذين تم تهريبهم من السجون في أحداث يناير‏2011‏ ويسعي تنظيم أنصار الجهاد في سيناء إلي إقامة إمارة إسلامية هناك‏.‏ والأخطر من ذلك‏,‏ تنظيم جيش الإسلام الذي يعد أحد أبرز التنظيمات الجهادية بغزة‏,‏ وقد كان مقربا من حماس‏,‏ لكنه تحول إلي الخلاف معها‏,‏ وشنت الحركة عليه هجوما أدي إلي مقتل كثير من عناصره بعد سيطرتها علي غزة‏,‏ وقد أسس هذا التنظيم ممتاز دغمش‏.‏ وقد لعب جيش الإسلام الدور الأكبر في نشر الفكر الجهادي في سيناء‏,‏ ورغم ما ينشر أن هناك خلافات عميقة‏,‏ وعداء قوي بين تنظيم جيش الإسلام وحركة حماس‏,‏ فإنه في الحقيقة يعتبر حليفا قويا لحركة حماس‏,‏ ويتلقي منها دعما كبيرا‏,‏ وهناك تنسيق كامل بين الطرفين لدرجة أن البعض يعتبر تنظيم جيش الإسلام هو الجناح العسكري السري لحركة حماس‏.‏ ويأتي بعد ذلك تنظيم أنصار بيت المقدس‏,‏ وهو تنظيم جهادي كان يعلن في الماضي أنه يسعي في المقام الأول إلي تهديد الكيان الصهيوني‏,‏ ولكنه غير وجهته في الفترة الأخيرة‏,‏ وأصبح يوجه عملياته إلي الداخل المصري‏,‏ ويشن هجماته ضد قوات الجيش والشرطة المصرية‏.‏ ويتكون هذا التنظيم من مصريين وفلسطينيين‏,‏ فضلا عن أجانب هم أغلب مقاتلي هذا التنظيم‏,‏ وغالبا ينتمون إلي فكر القاعدة‏,‏ وهذا التنظيم له قدرة علي القيام بعمليات نوعية‏.‏
ويلاحظ تراجع دور التنظيمات الجهادية في سيناء‏,‏ والتي كانت تتمتع بشهرة ووجود قوي في الماضي‏,‏ حيث يبدو أن هذه التنظيمات اندمجت مع تنظيم أنصار بيت المقدس‏,‏ أو علي الأقل بدأت تعمل تحت لوائه‏.‏ كما يلاحظ أن دور تنظيم جيش الإسلام قد اختفي نهائيا من سيناء‏,‏ بعد هدم أكثر من‏85%‏ من الأنفاق عقب العملية العسكرية التي قام بها الجيش في سيناء في الفترة الأخيرة‏,‏ مما يدل علي أن التنظيم عاود أدراجه إلي قطاع غزة خوفا من تقطع طرق العودة إلي القطاع‏.‏ والملاحظ أيضا أن التنظيمات الجهادية في سيناء قد تمكنت من إقامة شبكة علاقات مع عدد من التنظيمات الجهادية في المنطقة‏,‏ مثل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي‏,‏ والتنظيمات الجهادية في سوريا والعراق‏,‏ وكذلك مع الجماعة المقاتلة في ليبيا‏,‏ خاصة في مناطق الحدود‏,‏ مما جعل مصر محاصرة بالتنظيمات الجهادية من الشرق والغرب‏,‏ وهو ما يمثل خطرا حقيقيا علي الأمن القومي المصري‏.‏
ثالثا‏-‏ تحديات التحالفات الشبكية المعقدة بين سيناء والجوار‏:‏
لا يمكن الحديث عن التطورات في سيناء دون الإشارة إلي أن الحدود المصرية مع دول الجوار تشهد العديد من التطورات التي تحمل معها الكثير من المخاطر والتحديات التي تهدد الأمن القومي المصري‏.‏ وتتداخل هذه التهديدات مع مصادر تهديد أخري معقدة تضغط علي الأمن القومي المصري في الفترة الأخيرة بصورة غير مسبوقة‏.‏ ويوجد ترابط بين التهديدات والمخاطر التي تفد إلي مصر من دوائر جوارها مع‏(‏ ليبيا‏-‏ غزة‏-‏ السودان‏),‏ بما يوحي أن هناك نوعا من التماثل والتنسيق بين القوي التي تقف وراء هذه المخاطر في تلك الدوائر‏.‏ وفي الوقت الذي يتم فيه تأمين الحدود في كل دول العالم من خلال واجبات مشتركة لأجهزة الأمن في المناطق الحدودية‏,‏ إلا أن المشكلة في مصر تتمثل في أن قواتها المسلحة مسئولة وحدها عن تأمين الحدود علي الجانبين‏,‏ حيث لا يقوم الجانب الآخر بدوره الأمني‏.‏
وتعد مصر إحدي أبرز دول الجوار الإقليمي لليبيا تأثرا بتنامي الجماعات الجهادية في الشرق الليبي‏,‏ خاصة في ضوء وجود تشابكات جغرافية وسياسية وأيديولوجية بين التيارات الإسلامية في البلدين‏,‏ والتي تعمقت عقب صعود التيار الإسلامي بشقيه المعتدل والمتشدد في مصر بعد ثورة‏25‏ يناير‏,‏ وزادت مخاطرها بعد الموجة الثورية التي أسقطت حكم جماعة الإخوان المسلمين في‏30‏ يونيو‏.‏ فمنذ سقوط نظام العقيد القذافي‏,‏ تسرب السلاح الليبي إلي الداخل المصري‏,‏ بكميات كبيرة‏,‏ وفي هذا الإطار من المهم أن نشير إلي تراكم السلاح في ليبيا‏.‏ وقد صرح رئيس الأركان القطري خلال عملية إسقاط العقيد القذافي أن‏15‏ طائرة قطرية حملت سلاحا للثوار الليبيين الذين أسقطوا مدينة بنغازي‏,‏ كما أن الرئيس السوداني البشير قد أشار إلي أن السلاح الذي أسقط طرابلس كان سلاحا سودانيا‏,‏ والمعني هنا أن البلدين شاركا في إسقاط نظام العقيد القذافي‏,‏ ووفرا سلاحا للميليشيات التي شاركت في عملية إسقاط القذافي‏.‏ وقد دعما في هذه العملية الميليشيات المقاتلة الليبية بأنواع متطورة من الأسلحة زادت علي حاجة هذه الميلشيات‏,‏ ووجدت مجالها للتهريب إلي داخل مصر‏,‏ والغريب‏,‏ علي هذا المستوي‏,‏ أن الميلشيات العسكرية الليبية ذات الارتباط بتنظيم القاعدة تم دمجها في وزارة الداخلية الليبية‏,‏ وأصبحت هي المسئولة عن مخازن السلاح‏,‏ وتأمين الحدود‏.‏ وتتميز الحدود السودانية بطبيعة خاصة‏,‏ فهناك تعاون بين السودان وحركتي حماس والجهاد الفلسطيني لتطوير الأسلحة‏,‏ حيث أكدت مصادر عدة أن هناك تمويلا إيرانيا للتنظيمين للحصول علي السلاح‏,‏ وكان هذا سبب ضرب إسرائيل لمصنع اليرموك السوداني‏.‏ إن تقارير وزارة الداخلية المصرية حول تهريب السلاح من ليبيا أو السودان تكشف أنها لا تستهدف مصر بالدرجة الأولي‏,‏ ولكن تستهدف تسريب الأسلحة إلي تنظيمات المقاومة الفلسطينية عبر سيناء‏,‏ وبالتالي تسرب عناصر من سيناء إلي غزة‏,‏ وحدوث تلاقي مصالح بين تلك التنظيمات ومنظمات الجريمة المنظمة‏.‏ ومن المرجح أن يكون هناك وجود إسرائيلي لمتابعة كل هذه الأمور التي تهدد أمن إسرائيل‏,‏ مما يدفع للاعتقاد بأن إسرائيل اخترقت كل هذه المنظمات التي تعمل في هذا المجال وتتابع نشاطها‏,‏ كما أن الأنفاق غير الشرعية لا تزال تمثل تهديدا لأمن مصر‏,‏ فضلا عن تهريب السلع والسلاح منها‏,‏ الأمر الذي خلق كيانات مصرية فلسطينية تعمل‏-‏ تحت قيادة قطاعات حكومية في غزة‏,‏ كإدارة الأنفاق الحكومية بالقطاع‏-‏ وتتكسب من هذه العمليات‏.‏
الخلاصة والمستقبل‏:‏
حاولت الجماعات التكفيرية والجهادية أن تجعل من سيناء منطقة ارتكاز لتنظيم القاعدة تتحرك منه في المنطقة‏,‏ وتوافق ذلك مع رؤية لدول عظمي حتي تصبح سيناء مكانا لتمركز المجموعات في العالم‏,‏ ولكن القوات المسلحة وأجهزة الأمن المصرية أجهضت هذا المخطط‏,‏ وإن بقيت تداعيات ذلك تحمل في طياتها الكثير من المخاطر علي الأمن القومي المصري‏.‏ فهذه الجماعات والتنظيمات التكفيرية لها علاقات بشظايا تنظيم القاعدة في العراق وسوريا‏,‏ خاصة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش‏,‏ وكذلك تنظيم النصرة‏,‏ وغيرهما من التنظيمات والمجموعات التي تمركزت حول قيادات إرهابية وفدت من أفغانستان‏,‏ وباكستان‏,‏ وسوريا‏,‏ كما أن سماح النظام السابق لبعض عناصر مصرية بالتردد علي سوريا دون ملاحقتها قد خلق علاقات تنظيمية بين منظمات الإرهاب في مصر‏,‏ وتنظيمات مرتبطة بالإرهاب في سوريا والعراق‏.‏
ويمثل داعش‏,‏ بالتحديد‏,‏ خطرا يجب الانتباه إليه‏,‏ ليس فقط لقدراته أو إمكاناته التي تتفوق علي غيرها من المنظمات‏,‏ وإنما بسبب التوجه الفكري لأبي بكر البغدادي‏,‏ زعيم التنظيم‏,‏ الذي يقدم نفسه بديلا لتنظيم القاعدة الرئيسي في أفغانستان بزعامة الظواهري‏,‏ بل إن البغدادي يعتقد أنه الخليفة الأحق بقيادة التنظيم بعد بن لادن‏,‏ ووجه انتقادات حادة لأيمن الظواهري‏.‏ ولدي هذا التنظيم مخطط للانتشار في الإقليم‏,‏ وأعلن أنه بصدد إنشاء فروع في الأردن ولبنان‏,‏ كما أن ما كشفت عنه تحقيقات الداخلية المصرية من قيام عناصر مصرية بالانخراط في عمليات في سوريا ضمن مجموعات لتنظيم النصرة‏,‏ وكذلك انضمام عناصر مصرية كانت في أفغانستان وباكستان والعراق إلي داعش يشير إلي ذلك‏,‏ وهو ما يرجح أن يكون هدف التنظيم في المرحلة المقبلة التمركز في سيناء بدعوي مواجهة إسرائيل‏,‏ مستفيدا من البيئة القديمة للسلفية الجهادية في سيناء‏,‏ الأمر الذي يفرض علي القوات المسلحة المصرية والأجهزة الأمنية استمرار وتواصل العمليات العسكرية المركزة لاجتثاث جذور الإرهاب وضرب البنية الأساسية التي نجحت تلك التنظيمات في بنائها في السنوات الثلاث الأخيرة‏,‏ حتي لا تعطي المبرر للدعاوي الاسرائيلية بمحاولة تدويل الأمن في سيناء‏.‏ ولعل تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي حول وصول داعش إلي سيناء يؤكد ذلك بصورة كبيرة‏,‏ كما أن هذا الخطر يحتم ضرورة قيام مصر بإحياء مبادرتها السابقة لمواجهة الإرهاب‏,‏ وصياغة تعاون إقليمي دولي لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك‏,‏ ووضع القوي الدولية والإقليمية أمام مسئوليتها لمواجهة ما يجري في العراق وسوريا‏,‏ بما تمثله من تداعيات إقليمية في نطاق الإقليم‏,‏ كما أن هذا الخطر ذاته يفرض‏-‏ علي وجه السرعة‏-‏ اتخاذ الإجراءات الكفيلة لضبط الحدود مع دول الجوار‏,‏ والمبادرة بعقد لقاءات دورية مشتركة بين الدول المعنية لوضع الاستراتيجيات المطلوبة لضبط مناطق الحدود‏,‏ وتحجيم منابع الإرهاب‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.