انقضي شهر رمضان, شهر العبادة والخير وعمل الصالحات وشهر الرضا والعبادات, فماذا بعد رمضان؟ هل تخرجنا في مدرسته بشهادة التقوي وهل اتخذنا منه قاعدة للمحافظة علي الصلاة باقي شهور العام ومنطلقا لترك المعاصي والذنوب؟ وماذا بقي في نفوسنا من أثر هذا الشهر الكريم؟ وكيف يمكن المداومة علي نفس الطاعة فرب رمضان هو رب شوال هو رب كل شهور العام. يؤكد الدكتور محمد دسوقي أستاذ الشريعة بدار العلوم, أن الطاعات التي يقوم بها المسلم في رمصان ليست مطلوبة في رمصان وحسب وأن كان قيام الفرد بالحسنات في رمضان يضاعف الأجر والثواب, ولكن المسلم مطالب بها في رمضان وغير رمضان من شهور العام وإن كان رمضان يحيي الشعور برقابة الله سبحانه وتعالي فيجب أن يستمر هذا الشعور ويجب أن نخرج من الصيام بزاد روحي عظيم يعيش عليه الإنسان باقي العام وكأنه في رمضان, خاصة أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال من صام رمضان وأتبعه بستة من شوال فكأنه صام الدهر كله, لأن الحسنة بعشرة أمثالها ورمضان30 يوما ويعادل عشرة شهور ثم الأيام السة من شوال وهي تعادل شهرين فيكون الصائم قد صام الدهر كله, حيث يعيش بعد رمضان وكأنه صائم لا يذل ولا يضل حتي يأتي رمضان الذي يليه ليأخذ بيد الصائم نحو خالقه وبذلك يظل المسلم يشعر برقابة الله فيعيش في أي شهر وكأنه في رمضان يراقب الله ويخشاه وليكون في صيامه الأثر الكبير في حياته ويكون سبيلا لدخوله الجنة من الباب الذي خصص للصائم وهو باب الريان. ويري الدكتور مبروك عطية الاستاذ بجامعة الأزهر, أن انتقال روح رمضان مع المسلم إلي باقي شهور العام تتطلب أن يعرف العبد أن رمضان وينتهي, والله لا ينتهي. ويؤكد عطية ضرورة التمسك بنفس روح رمضان والإصرار علي بقائها مع الإنسان باقي شهور العام بأن يستمر في عطفه علي المساكين وعمل الخير والتصدق علي الفقراء والمزيد من الأعمال الصالحة والمزيد من البر حيث لاتنتهي بانتهاء رمضان وكذلك المواظبة علي الصلاة والزكاة في كل وقت من أوقات السنة لقوله تعالي: وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا صدق الله العظيم. وقد يتطب الأمر أن يصوم الإنسان الاثنين والخميس من كل أسبوع ليساعده ذلك علي المزيد من الطاعات. ويري الدكتور محمد شامة أستاذ مقارنة الأديان أن الفرائض ليست مرتبطة برمضان لأنها مفروضة في جميع الأوقات ولكن مانزيده في رمضان هو السنن مثل صلاة التراويح.. ويضيف أن رب رمضان هو رب باقي العام ولا يجب ءأن نكثر من الطاعات في رمضان ثم نتكاسل عنها باقي العام وليس مطلوبا أيضا أن يترك الإنسان عمله ليتفرغ للعبادة في شهر رمضان, فهذا ليس من الإسلام في شيء قال تعالي وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون صدق الله العظيم. والعمل عبادة وهو في رمضان مقدم علي السنن ومن العيب كل العيب أن نقضي جميع الفرائض في رمضان ثم نتكاسل عنها باقي السنة. ويقول الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر سابقا:إذا كان عمل الإنسان في رمضان خالصا لوجه الله ويقوم به لثلاثين يوما ولاشك أنه سوف يحدث في حياته ونفسه ووجدانه وضميره أثرا كبيرا وسيظل العام كله رمضان, فهو شهر يهذب أخلاقنا ألا نصوم فيه لوجه الله ونتبع ما أمر به وننتهي عما نهانا وهو يقوم السلوك إلي الأفضل ويجب ألا نفقد كل الخصال الحميدة التي اكتسبتها النفس في هذا الشهر, وعلينا بالمداومة علي نفس النهج الذي صرنا عليه ثلاثين يوما, لأن هذه المدة كافية إذا التزم بها الإنسان أن تجعله يداوم علي نفس إخلاقيات شهر رمضان, شهر التقوي والإحسان. ولئن انقضي رمضان فإن عمل المؤمن لاينقضي حتي الموت, قال تعالي واعبد ربك حتي يأتيك اليقين أي الموت. ويقول الدكتور طه أبو كريشة نائب رئيس جامعة الأزهر سابقا: المؤمن الصادق الإيمان يعلم علم اليقين أن صلته بربه عز وجل هي صلة دائمة في كل وقت من أوقات حياته لا فرق بين وقت وآخر من حيث التوجه إلي رب العالمين بالتقوي والخشية والالتزام بالفضائل التي أمر بها مع البعد عن الرذائل التي نهي عنها, وإذا كان المؤمن الصادق الإيماني وهو يؤدي فريضة الصيام ويتدرب علي هذه المعية مع ربه عز وجل تدريبا عمليا في هذا المعسكر الإيمان ومن أبرزها ثمرة المغفرة التي أعادته صفحة بيضاء ليس فيها شيئ من الآثام والذنوب كما أخبرنا عن ذلك النبي صلي الله عليه وسلم في قوله من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه وهذه المغفرة تعد الجائزة الربانية التي حصل عليها المؤمن من ربه عز وجل وهنا عليه أن يعمل علي الاحتفاظ بهذه الجائزة من خلال الالتزام بالسلوكيات الإيمانية التي أوصلته إلي هذه الجائزة وهي السلوكيات التي جمعت بين أداء الفرائض والتخلق بالأخلاق الحسنة الطيبة والالتزام بالمعاملات التي أقرها الدين, والخلاصة أن علي المؤمن أن يوقن يقينا لاشك فيه أن الله عز وجل الذي التزم بتقواه في شهر رمضان هو ربه ايضا في غير رمضان, وعليه أن يكون علي اسلوك الإيماني ذاته مع ربه عز وجل الذي كان عليه في رمضان دون اختلاف في هذه العلاقة, فمن علامات قبول الصيام أن يكون المؤمن بعد رمضان سائرا علي نفس المنهج الذي كان عليه في رمضان, لأن هذا الالتزام الدائم هو العلامة الواضحة علي معرفة أن رب رمضان هو رب جميع الشهور.