فلسطين.. 15 شهيدا جراء قصف الاحتلال منزلين في حي التفاح شرق غزة    هبوط اضطراري لطائرة تقل وزير الدفاع الإيطالي بعد عطل طارئ    مدرب إسكتلندا بعد الخسارة القاسية: لم يمنحنا الألمان أي فرصة    12 سيارة إطفاء تسيطر على حريق مخزن الطوابق بالجيزة| صور    طقس يوم الوقفة.. الأرصاد تطلق الإنذار الأحمر وتدعو الصائمين لتجنب الخروج    يعاني من اضطرابات نفسية.. شاب يقتل والدته في المنيا (تفاصيل)    بسبب جلسة شعرية محبطة.. صلاح عبد الله يروي سر ابتعاده عن كتابة الأغاني للمطربين    أحمد شوبير: فخور بالأهلي.. والزمالك لازم يظبط نفسه    عاجل - مواقيت الصلاة.. موعد أذان المغرب يوم عرفة 2024    ما هي أفضل الأعمال في يوم عرفة؟    أحب الأعمال في يوم عرفة.. يوم التقرب من الله    معهد التغذية يحذر: اللحوم المشوية على الفحم تسبب السرطان    بطولة عصام عمر وطه الدسوقي.. بدء تصوير فيلم «سيكو سيكو»    «مرحلة ما يعلم بيها إلا ربنا».. لطيفة تكشف سبب اختفائها    إبادة «فراشات غزة» بنيران الاحتلال| إسرائيل على قائمة مرتكبي الانتهاكات ضد الأطفال    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: صفقة رأس الحكمة فرصة لإعادة النظر في السياسات الاقتصادية    أبرزهم «أفشة»| الزمالك يراقب خماسي الأهلي حالٍ رحيلهم عن القلعة الحمراء    مش مكتوبة ليهم.. الداخلية السعودية تعيد أكثر من ربع مليون حاجا    لمنع الإصابة بسرطان الجلد.. طبيب يحذر من التعرض لأشعة الشمس    كاف يعتمد دورات تدريبية في مصر لرخص المدربين    ملف مصراوي.. فوزان للأهلي والزمالك.. ورسالة قوية من منتخب ألمانيا بيورو 2024    محمد علي السيد يكتب: دروب الحج ..سيدي أبوالحسن الشاذلي 93    وزير المالية الأسبق: أؤيد تدخل الدولة لضبط الأسعار وحماية المستهلك من جشع التجار    مقرر المحور الاقتصادي بالحوار الوطني: ميزانية الصحة والتعليم اختيار وليس قلة موارد    مصرع طالبين غرقا في نهر النيل بقرية الديسمي في الصف بالجيزة    469 ساحة جاهزة لصلاة العيد.. "أوقاف المنوفية" تعلن أماكن صلاة عيد الأضحى بمراكز وقرى المحافظة    ربنا يصبّر قلوبهم.. حزن فى المحلة بعد غرق طفل وشقيقه خلال محاولة إنقاذه    موسيالا أفضل لاعب في مباراة ألمانيا ضد اسكتلندا بافتتاح يورو 2024    جيش الاحتلال يستعد للهجوم على لبنان.. وإسرائيل تدرس العواقب    بيسكوف: مقترح بوتين للتسوية غير محدد زمنيا لكن الوضع فى الجبهة يتغير    الصحة العالمية قلقة بشأن الأزمة الصحية المتزايدة في الضفة الغربية    «مفيش ممنوع» يجمع لطيفة مع كاظم الساهر    «إللي حصل فيه مش قليل».. رد ناري من شوبير على رفض أحمد الطيب المصالحة معه    عمرو سعد يشارك في دراما رمضان 2025 بتوقيع محمد سامي    وزير المالية الأسبق: مفهوم التنمية يتجاوز مجرد استغلال الموارد الاقتصادية    «العلاج الطبيعي»: غلق 45 أكاديمية وهمية خلال الفترة الماضية    يورو 2024 - ناجلسمان: من المهم ألا يقتصر التسجيل على لاعب واحد.. ولهذا سعيد ل موسيالا    كرة سلة - سيف سمير يكشف حقيقة عدم مصافحته لمصيلحي    بعد تدخل المحامي السويسري.. فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية سعدو    أعراض التهاب مفاصل الركبة وطرق علاجها المختلفة    طريقة عمل لحمة الرأس مثل الجاهزة.. اعرف أسرار المطاعم    «البحوث الإسلامية» يوضح أفضل كلمات دعاء فجر يوم عرفة: احرص عليها    يوم عرفة 2024.. أفضل الأعمال المستحبة وخير الدعاء المستجاب وكيفية اغتنامه    الأرصاد تحذر من طقس اليوم السبت 15 يونيو.. وتوجه نصائح هامة للمواطنين    عيار 21 يعود لسابق عهده في وقفة عرفات.. أسعار الذهب اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء في بداية الأسبوع السبت 15 يونيو 2024    حظك اليوم برج الأسد السبت 15-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عامر حسين: اختيار بيكهام أفضل لاعب بمباراة الزمالك وسيراميكا خطأ    ارتفاع سعر الذهب اليوم بالسعودية وعيار 21 الآن السبت 15 يونيو 2024    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    مصرع طفلة وشقيقتها الرضيعة سقطتا من شرفة منزلهما بالشرقية    محافظ الغربية يواصل متابعة الاستعدادات لعيد الأضحى المبارك    رئيس الطائفة الإنجيلية يشارك فى حفل تخرج الكلية المعمدانية    توجيه عاجل من رئيس جامعة الأزهر لعمداء الكليات بشأن نتائج الفرق النهائية    نقيب الإعلاميين يهنئ السيسي بحلول عيد الأضحى    قد تسبب أمراض القلب، ما هي أضرار المشروبات الغازية على الجسم؟    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات المشير
أسرار فرحة الولد الثاني في العائلة
نشر في الأهرام المسائي يوم 22 - 07 - 2014

الثلاثاء الماضي انفردت( الأهرام المسائي) بنشر صفحة من مذكرات عبد الحكيم عامر بخط يده وقلنا في هذا العدد إن( الأهرام المسائي) سوف تنشر مذكرات المشير بخط يده.
بعد أن خصت أسرة المشير الجريدة بذلك بعد أن طرحنا تساؤلا مهما وهو‏:(‏ هل هناك مذكرات للمشير عامر؟‏).‏
قال لنا جمال عبد الحكيم عامر إن المشير قام بتدوين تلك المذكرات بخط يده وأن المشهد الذي تابعه الملايين في مسلسل‏(‏ صديق العمر‏)‏ للمشير‏,‏ وهو يدون مذكراته إنما يعكس واقعا في حياته‏,‏ وليس مجرد‏(‏ تمثيل مشهد درامي‏)‏ وفي العدد نفسه انفردت الأهرام المسائي بنشر صفحة من مذكرات المشير بخط يده تحدث فيها عما سماه بيوم الجمعة المشهود‏,‏ والتي كتب فيها أن خيانة حدثت معه وأنه كان يريد من طرف لم يحدده أن يري المصلحة العامة‏,‏ وقد يتم التوصل إلي حلول‏,‏ ولكن هذا الطرف أصر علي القبض عليه في منزله‏,‏ وقال إن تلك قصة يعرف الكثيرون تفاصيلها‏.‏
واليوم نبدأ نشر حلقات من حياة المشير عبد الحكيم عامر والقصة الحقيقية لحياته من خلال تسجيل أهم المحطات في حياته عسكريا وإنسانيا واجتماعيا بصوت الابن الاكبر‏,‏ ولكن يكن ذلك اجتهادا أو محاولة للسطو علي بعض الأوراق أو المستندات‏,‏ ولكن من خلال ما يسرده السيد جمال عبد الحكيم عامر‏,‏ وما يقدمه من وثائق بخط يد المشير ومذكراته في فترة اعتبرها البعض من أهم الفترات في تاريخ مصر والعالم العربي‏.‏
للحق والتاريخ واحتراما لقواعد المهنية الصحفية نؤكد أنه كان لجريدة الأهرام المسائي السبق في نشر صورة طبق الاصل من صفحات في حياة‏,‏ ومن مذكرات المشير عبد الحكيم عامر من خلال مذكرات بخط يده بعد أن سلمها لنا السيد جمال عبد الحكيم‏,‏ حيث حضر للجريدة‏,‏ وقدم لنا صورة من هذه الوثائق بعد اطلاعنا علي الاصل ثم قمنا بتسجيل أهم الاحداث علي لسانه فضلا لامدادنا بوثائق مهمة‏.‏
البداية كانت في قرية أسطال بمحافظة المنيا في‏11‏ ديسمبر عام‏1919(‏ ليتزامن مولده بالصدفة مع ثورة الزعيم سعد زغلول؟‏)‏ ببلدة أسطال بمحافظة المنيا وفرحة الاب بمجئ الابن الثاني عبد الحكيم بعد الاول حسن‏,‏ وانطلقت الزغاريد لتملأ أركان البيت الكبير‏(‏ كما كان حكيم حسب ما سرده السيد جمال عبد الحكيم عامر يحب أن يطلق عليه حينما يحكي لابنائه عن ذكريات لا تنتهي في كل شبر من أركان وادواره‏).‏
وعلي الفور أذيع الخبز وانتشرت الفرحة في القرية بوصول الولد الثاني لعائلة عامر وتحديدا الشيخ علي عامر كبير العائلة وكبير القرية‏,‏ وكيف لا يكون ذلك‏,‏ وهو يمتلك مع اشقائه الأربعة آنذاك ما يقرب من خمسمائة فدان‏,‏ وهذا الرقم في وقتها لا يعني الثراء فقط بل يعني القوة‏,‏ وما صاحبها من سلطة‏,‏ حيث كان الجد الأكبر عمدة هذه القرية‏,‏ وجميع من فيها يجد ملاذه‏,‏ ويضع مشاكله علي باب ديوان الشيخ علي عامر‏,‏ وحينما تفرح عائلة عامر يفرح الكل ليس لاقامة الموائد بكل مالذ وطاب لاهل القرية كعادة أهل الصعيدة‏,‏ ولكن بالمشاركة والمباركة من القلوب‏.‏
وامتلأت جوانب البيت الكبير المكون من أربعة طوابق كل طابق يضم شقيقا من اشقاء الشيخ علي عامر‏,‏ ويضم ابناءهم بل امتد الأمر انه حينما يكبر أي أحد من الابناء‏(‏ الذكور‏)‏ ويصل إلي مرحلة الزواج لا يخرج من البيت‏,‏ بل يقيم فيه‏,‏ فمبدأ الشيخ علي عامر القوة في التوحد لا التفرق‏,‏ وبالفعل اقيمت الاحتفالات‏,‏ وعلي قدر بساطتها كانت قوتها بمشاركة الجميع في البيت والديوان‏,‏ وكانت ليلة لا تنسي من حياة هذه العائلة‏.‏
أول مواجهة
وجاء حكيم وبمجيئه استشعر الاب مرحلة جديدة من حياته ووجد في ولديه حلمه في التعليم‏,‏ كما استشعر في حكيم شخصيته المختلفة عن شقيقه الأكبر حسن منذ الطفولة‏,‏ حيث يتميز حسن بالطاعة والاصغاء دون مراجعة لاي اوامر‏,‏ خاصة قرارات الوالد ففي فترة الصيف يلازم والده في أعمال الفلاحة‏,‏ وغيرها‏,‏ وفي اثناء الدراسة ينكب علي دراسته ايضا ارضاء لوالده الذي جعل التعليم ليس رسالة‏,‏ بل غاية في بيت علي عامر‏,‏ اما حكيم فمنذ نعومة اظفاره‏,‏ والتي لم تكن ناعمة علي الاطلاق حتي مع اقرب الناس اليه فعلي الرغم من حبه الشديد لوالديه وقربه الشديد من امه يدافع عن حقه في أبسط الاشياء ويجادل في كل شيء‏.‏
إلا أنه كان يلتزم الصمت دائما‏,‏ وعلي الرغم من أنه قد يبدو هادئ الطباع‏,‏ ولا يوافق علي أي أمر دون مراجعته ومعرفة ما وراءه‏,‏ وهذا جعله يدخل في مواجهات مع والده اما أن يصل الأمر إلي درجة الشجار أو‏(‏ عركة‏)‏ كما اطلق عليها أهل البيت الكبير انذاك فكان حكيم صاحب أول عركة في بيت الشيخ علي عامر والسبب حذاء العيد؟‏.‏
كان الشيخ علي عامر حينما يقوم بشراء احتياجات الابناء يذهب إلي‏(‏ البندر‏)‏ المدينة في محافظة المنيا‏,‏ وهي لا يذهب إليها إلا المقتدرون فقط من أبناء القري‏,‏ كما هو متعارف‏,‏ وفي أحد أشهر رمضان الكريم أخبر الشيخ علي عامر ابناء البيت الكبير من اولاد اشقائه أنهم سوف يذهبون جميعا معه للاحتفال بشراء الملابس الجديدة للعيد‏.‏
وكان وقتها عمر حكيم لا يتجاوز العشر سنوات وفرح مثل اشقائه وابناء عمه وغيره من الاطفال بهذه النزهة التي ينتظرها كل عام وبالفعل ذهب الجميع‏,‏ وكان علي رأسهم حكيم الذي اعطي لنفسه دور تجميع الابناء في مدخل البيت الكبير وتنظيمهم انتظارا لخروج الشيخ عامر وانطلق الجميع فرحين‏,‏ ولكن كانت المفاجأة التي اطلقها حكيم في وجه والده حينما اعترض علي الحذاء الذي اختاره له‏,‏ وهو لا يختلف عن احذية الجميع‏,‏ فكان الشيخ علي عامر يحرص علي مبدأ المساواة بين الابناء في كل شيء وكأنهم يرتدون زيا موحدا من ملبس واحذية ويتميزون به بين ابناء أهل القرية الذين يتطلعون لهؤلاء الابناء المعروفين من أبناء عائلة عامر كبير قريتهم‏.‏ ولكن تحول اعتراض حكيم بعد رفض والده تغيير الحذاء إلي مواجهة حاسمة بالرفض تماما‏,‏ وهنا زاد اصرار الشيخ علي عامر علي حكيم وعادوا إلي البيت وفي اثناء المناقشة رفض حكيم ارتداءه رغم محاولة امه واشقائه بإقناعه‏,‏ وحينما سمع والده ذلك ثارت ثائرته ليس علي اعتراض حكيم فقط علي الحذاء‏,‏ ولكن علي شخصيته وتعنته ورفضه لاوامر ابيه‏,‏ ولم يفعل ذلك أي أحد من العائلة؟ فكيف يفعلها حكيم ومع من والده‏....‏؟ وهنا كانت مقولة الوالد التي لم ينسها حكيم‏(‏ آه آه يا حكيم اخشي عليك يا ولدي من اصرارك حتي العناد فصوتك من عقلك سلاح ذو حدين‏)‏؟‏.‏
الحب الأول
علي الرغم من طباعه التي قد يصفها المحيطون به من أهل بيته واصدقائه في القرية بالحدة والحسم إلا أنه كان ايضا يتصف بالهدوء‏,‏ وعلي الرغم من مشاركته في اللعب والتنزه وجلسات اقرانه‏,‏ وأهل عائلته واسرته إلا أنه كان يحب أن يجلس بمفرده ويبحثون عنه بعد غيابه ساعات يجلس فيها وحده يرافقه الكتاب لا يكل ولا يمل‏,‏ ولكن أين وكيف كان يقضي هذه الساعات؟
كان حكيم يقترض من مصروفه يوما بعد يوم حتي يصبح معه مبلغ ليس بالكثير ليشتري الكتب الادبية‏,‏ فهو عاشق للقراءة ومحب لها وعلي الرغم من أن والده كان حريصا في مصروفه لاولاده رغم ثرائه إلا أنه له حكمة في ذلك حتي يقدر الابناء أهمية المال الذي جمعه الوالد حصاد جهد وعرق حتي يصبح هو واشقاؤه من أصحاب الاراضي‏,‏ حيث يمتلك الشيخ علي عامر واشقاؤه الثلاثة خمسمائة فدان‏,‏ وهو رقم لايستهان به مما جعله من الاعيان‏,‏ ولهم ديوان يستقبلون فيه أهل القرية وروادها من القري المجاورة‏,‏ ويجتمع فيها الأهل والاعيان وابناء القرية وتقام الموائد‏,‏ خاصة في رمضان‏.‏ ولكن الشيخ علي عامر رؤيته في اعطاء ابنائه كل شيء بحساب ليقدروا قيمته ويتعلموا كيف يتحملون المسئولية وإدارة الآمور فكان علي حكيم أن يقتصد من مصروفه لشراء ما يريد من الكتب‏,‏ ولم يتوقف ميوله آنذاك عند القراءة فقط التي كان يري فيها غذاء العقل وتنمية الفكر فكان عاشقا للراديو‏,‏ والذي عرف عن طريق حبه الأول للسيدة أم كلثوم فقد كان يري في الغناء والطرب غذاء الروح‏,‏ وسبب ارتقائها لانه تأخذه إلي عالم آخر‏,‏ ولكنه تعطيه دفعة لواقعه‏,‏ وعرف أهل البيت طبيعة حكيم وشخصيته التي تميزت عن اخوته واقرانه من أبناء عمه المقيمين معه في البيت نفسه‏...‏ البيت الكبير والنشأة نفسها؟‏.‏
حكيم‏....‏ زعيم
وبوصول حكيم وتدرجه في التعليم من المرحلة الابتدائية إلي الإعدادية والثانوية وتفوقه الدراسي أثقل علي شخصيته التفرد والتميز‏,‏ وعلي الرغم من أنه الابن الثاني في ترتيب اخوته بعد حسن شقيقته عايدة ثم محمود ثم مصطفي إلا أن أخوته كانوا يعتبرونه الاكبر لانه يمتلك من الشجاعة التي يستطيع ان يواجه والده في طلب لاخوته أو مناقشته في مشكلة تخصهم‏,‏ فمازال حادث حذاء العيد راسخا في اذهان العائلة يقصونها ويتندرون بها‏,‏ ولكن هذا لا ينتقص من شخصية حسن الاخ الأكبر الذي يتسم بالهدوء ويلتزم الصمت ليس عن ضعف ولكن عن قناعة بما هو فيه أما حكيم دائما في حالة ثورة ثائرا مطالبا بحقوقه رافضا لواقع مادام قادرا علي تغييره‏.‏ وبالفعل جاء دور حكيم في مدرسته الثانوية في بلدته‏(‏ التي تحمل اسمه حاليا‏)‏ فلم يكتف باعتراضه علي بعض القرارات في بيت عامر وزعامته بين اخوته فامتدت روح الزعامة في المدرسة ووقتها قاد مظاهرة ضد ستور‏23‏ وخرج من المدرسة يحملونه علي الاعناق هاتفا ضد الدستور؟ ولكن في هذه المرة لم يعترض الشيخ علي عامر عليه فقد انتشر في القرية‏.‏
ووصل الخبر إلي الشيخ علي عامر بأن حكيم يجوب ارجاء البلدة مع مجموعة من زملائه في مظاهرة ضد الدستور ووقتها توقع حكيم ان يواجه بالمساء معركة أخري في بيت الشيخ عامر مطالبا فيها أن يدافع عن وجهة نظر لابيه‏,‏ ولكن المفاجأة حينما اثني والده عليه‏,‏ وهنا شعر حكيم بأنه علي الطريق الصحيح‏!!‏ وشجع ذلك علي اقبال حكيم علي القراءة إلي جانب الاستماع إلي حبه الأول ام كلثوم‏.‏ كان الفرق في العمر بين حكيم وشقيقه الأكبر حسن ليس كبيرا‏,‏ وكانت عايدة الشقيقة الصغري مباشرة بعد حكيم هي الاقرب والاكثر حنانا عليه بحكم طبيعتها كبنت‏,‏ خاصة أنها الاخت الوحيدة فقد تلاها بعد ذلك فؤاد ومحمود وأخيرا مصطفي‏,‏ ولكنها كانت الاقرب إلي حكيم‏,‏ ويحب حكيم أن يجلس معها‏,‏ ويستمع لها كما يحكي لها عن مواقفه وقفشاته‏,‏ وتمضي الساعات بين الاشقاء الثلاثة يتسامرون‏,‏ ولكن لم تدم هذه الأيام وسرعان ما تحولت إلي ذكريات يتندرون بها مع مرور الزمن‏.‏
احتفال بالبيت الكبير
وبعد نجاح حسن وانتهائه من دراسته الثانوية بتفوق اسعد الشيخ علي عامر واعلان الاحتفال في البيت الكبير واقامة الوليمة في الديوان لأهل القرية من الاعيان والبسطاء فرحا بحصول أكبر ابناء الشيخ عامر ليس لحصوله علي الشهادة الثانوية فقط‏,‏ ولكن بالتحاقه بالجامعة في مصر‏...‏ يقصدون القاهرة‏.‏
وهنا قرر الشيخ علي عامر الحاق ابنه الأكبر بكلية الهندسة‏,‏ وهذا يعني اقامته بالقاهرة‏,‏ ولم لا فجامعة القاهرة أو الملك فؤاد هي باب العلم وأول الطريق للوصول لمراتب علمية أخري من الخارج‏,‏ وبالفعل عزم الامر علي تنفيذ قرار‏,‏ وعقد الترتيبات اللازمة‏,‏ والتي لا تتطلب فقط سفر حسن‏,‏ بل ترافقه عايدة‏,‏ حيث قام الشيخ علي عامر بشراء شقة صغيرة بالقاهرة لاقامة حسن‏,‏ ومعه عايدة للوقوف علي طلباته ورعايته‏,‏ وجاءت أول لحظة فراق في حياة حكيم‏,‏ ومع أقرب اشقائه حسن وعايدة في وقت واحد‏,‏ وعلي الرغم من المنيا لا يفصلها عن القاهرة سوي ساعات قليلة بالقطار‏.‏ إلا أن حكيم كان يشعر ببرودة الحياة‏,‏ وبعد المسافة التي جعلته يخرج كعادته لينزوي تحت شجرته في حقل عامر‏,‏ وهي المكان الخاص به ليس للقراءة أو الاستماع لحبيبته أم كلثوم‏,‏ ولكن للبكاء علي فراق الاحباب‏...‏ ودموع حكيم قليلة علي الرغم من أنه مرهف الحس‏,‏ ولكن لا يظهر ذلك بل علي العكس يخفي انفعالاته بين وجنات قلبه ولا يظهر إلا القوة والحسم حتي في أصعب اللحظات الانسانية ووقتها ذهب وراءه حسن ليفاجأ بحالة حكيم‏,‏ ولكن كانت كلمات حسن وتشجيعه بان يجتهد ليلحق به في القاهرة لاستكمال تعليمه مسكنا لآلام الفراق وحافزا للنجاح‏,‏ خاصة وأن حكيم مشهود له بالتفوق‏.‏
المرض الخطير
لان الحياة لا تسير وفقا لما نرسمه لها‏,‏ ومع بداية العام الدراسي وسفر حسن وعايدة إلي القاهرة كان حافزا كافيا لينكب حكيم علي دراسته‏,‏ ولم يعد هناك هدف سوي التفوق ولحاق شقيقه في القاهرة وبداية انطلاقه وتمضي الايام سريعا ويزداد الأمل في قلب الشيخ عامر‏,‏ ويقترب حكيم من هدفه‏.‏
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فقبيل الامتحان بفترة قصيرة اصيب حكيم بمرض خطير يقال وقتها‏(‏ اصابته بالحمي‏)‏ التي جعلت درجة حرارته مرتفعة لدرجة افقدته التركيز تماما‏,‏ واصابته بالهزال انذاك حتي أصبح حكيم بين الحياة والموت‏,‏ ولم يتبق للشيخ علي عامر ووالدة حكيم سوي الدعوات له بان يعود حكيم لهم ويسترد عافيته‏,‏ خاصة بعد أن اخبرهم الاطباء بأن هذه الحالة لو طالت عن ذلك فستعرض حياة حكيم للخطر‏.‏ فضلا عن أن حالته لا تتحمل حتي نقله إلي أي مستشفي‏,‏ وهنا زاد الامر حزنا وهما علي كاهل الشيخ علي عامر‏,‏ ولم تملك الوالدة الا الدعاء المصحوب بالبكاء؟‏!‏ حتي جاءت الرحمة من عند الله وانقذته العناية الإلهية‏,‏ ومع الادوية والرعاية إلي خصصت لحكيم بدأ يتعافي تدريجيا ويسترد قوته ويتماثل للشفاء يوما بعد يوم‏,‏ ولكن وقتها كان الوقت قد أقترب علي امتحان السنة النهائية‏,‏ ولم يكن امام حكيم سوي بضعة ايام يواصل فيها الليل مع النهار‏.‏
حكيم في الجامعة
وبالفعل دخل حكيم امتحان الثانوية‏,‏ وظل في حالة من القلق ينتظر النتيجة‏,‏ ويستعد للسفر إلي القاهرة‏,‏ وهنا جاءت المفاجأة بالنتيجة التي لم يكن يتوقعها فقد نجح حكيم‏,‏ ولكن لم يحصل علي درجة التفوق التي يحلم بها‏,‏ ولم يكن امامه اختيار سوي التحاقه بكلية الزراعة‏,‏ بالفعل قدم اوراقه وتم قبوله لها‏.‏
وفرح الشيخ علي عامر بالتحاق حكيم بكلية الزراعة حتي يتولي فور تخرجه مباشرة أرض العائلة والاشراف عليها علي اساس علمي‏,‏ وهو خير معين مساعد له‏...‏ ولكن لم يسعد حكيم بها‏,‏ وكان علي يقين بأنها ليست طريقه الذي يجب أن يسير فيه‏,‏ وظل بداخله وازع يحادثه بالغد يحمل له مفاجأة جديدة‏.‏
عسكرية بالمصادفة
ومضت الايام ثقيلة علي حكيم‏,‏ وعلي الرغم من تحقيق حلمه بالاقامة في القاهرة مع شقيقه حسن ومع شقيقته وصديقته في ذات الوقت عايدة‏,‏ وعلي الرغم من بريق القاهرة وعالمها الخاص‏,‏ والجديد عليه إلا أن حكيم كان لا يظهر انبهاره بالاشياء أو يتسرع في ذلك فدائما خطوته محسوبة ودقيقة ودائما ينظر لما وراء الاحداث‏,‏ وهذا جعله أكثر ترو في رد فعله تجاه أمور كثيرة في حياته‏.‏
وتمر أيام الجامعة في كلية الزراعة ثقيلة‏,‏ وإن كان لم يمر منها سوي بضعة أسابيع ليفاجأ حكيم بأن زميله في الدراسة يخبره بالتحاقه بالعسكرية‏,‏ وهنا تنفرج اخيرا أساريره‏,‏ وتظهر الابتسامة علي وجه حكيم لأول مرة في كلية الزراعة متسائلا عن كيف يستطيع ان يلحق هو الآخر بها وكأنه وجد ضالته المنشودة؟ وتحقق الحلم الخفي بداخله وازاح الستار عن الوازع الذي يعيش بداخله ليفك به سر لغز الاحساس بانتظار شيء ما وكأنه قدره بالكلية العسكرية بنجاحه الحقيقي في الثانوية‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.