تواصل الأهرام المسائي اليوم نشر صفحات من مذكرات المشير وتنشر صفحات سرية من مذكرات عبد الحكيم عامر, والتي دونها بخط يده, والتي بدأناها قبل3 أسابيع عندما انفردنا بنشر صفحة من مذكراته بخط يده. والتي تحدث فيها عما سماه يوم الجمعة المشهود, وبعد ذلك قمنا بنشر الحلقة الأولي من المذكرات ونشرنا الثلاثاء الماضي الحلقة الثانية بعد أن خصت أسرة المشير الجريدة بنشر تلك الصفحات بعد أن طرحنا تساؤلا مهما وهو: هل هناك مذكرات للمشير عامر؟ وقال لنا جمال عبد الحكيم عامر إن المشير قام بتدوين تلك المذكرات بخط يده, وأن المشهد الذي تابعته الملايين في مسلسل صديق العمر للمشير وهو يدون مذكراته إنما يعكس واقعا في حياته, وليس مجرد تمثيل مشهد درامي, وفي نفس العدد انفردت الأهرام المسائي بنشر صفحة أخري تحدث فيها عما سماه يوم الجمعة المشهود, ثم نشرنا الثلاثاء الماضي الحلقة الثانية التي تناولت حياة المشير عامر حتي التحاقه بكليته العسكرية الذي جاء بالمصادفة. واليوم تواصل الأهرام المسائي نشر حلقات من حياة المشير عبد الحكيم عامر والقصة الحقيقية لحياته من خلال تسجيل أهم المحطات في حياته عسكريا وإنسانيا واجتماعيا بصوت الابن الأكبر, ولم يكن ذلك اجتهادا أو محاولة للسطو علي بعض الأوراق أو المستندات, ولكن من خلال ما يسرده السيد جمال عبد الحكيم عامر, وما يقدمه من وثائق بخط يد المشير ومذكراته في فترة اعتبرها البعض من أهم الفترات في تاريخ مصر والعالم العربي. كان حكيم أبا لكل عائلة عامر لا من منطلق المسئولية وإحساسه بها منذ الصغر حينما وضعه أشقاؤه في هذه المكانة لما تتمتع به شخصيته من قوة علي المواجهة والتعبير عن مشكلاتهم ومتطلباتهم أمام أبيهم الشيخ علي عامر, حيث كان من الصعب إن لم يكن من المستحيل علي أي منهم مراجعته في أي قرار وكان رأي أي منهم مهما كان عمره أو مكانته استشاريا فقط حتي جاء حكيم وظهرت قوة شخصيته وجرأته في أول مواجهة واعتراض علي رأي الشيخ علي عامر من خلال موقف بسيط ولكن كان مؤشرا لما هو أبعد من ذلك بكثير, حينما اعترض حكيم علي حذاء العيد الذي اشتراه له والده وهو لا يختلف عما أحضر لأشقائه وأبناء عمومته المقيمين معه في البيت الكبير وهنا كانت أولي خطوات الزعامة لحكيم بين أشقائه الذين اعتبروه منذ تلك اللحظة ملاذا لهم ومع مرور الزمن وما يحمله من مواقف كانت شخصية حكيم تقوي يوما بعد يوم ويزداد إيمان من حوله بأنه الكبير بمواقفه وأصبح الشيخ علي عامر وأعمام حكيم وأبناؤهم لا يقدمون علي أي خطوة كبيرة كانت أو صغيرة دون الرجوع إليه. حكيم كان ينظر للأمور من وجهة نظر مختلفة فهو لاتعنيه الزعامة بقدر ما يعنيه ملصحة وسعادة تلك العائلة واختلط الإحساس بالمسئولية بالعاطفة والحب وأثمر هذا المزج عن صورة مختلفة ليصبح ليس فقط كبير العائلة بل الأب لكل فرد حتي لو كان أكبر منه سنا. وذات ليلة فوجئ حكيم باتصال من منزله بالحلمية يخبره بوفاة زوج شقيقته فاطمة وهي الشقيقة الصغري لحكيم من والده وبالرغم من أن حكيم لا يفرق بين أشقائه بل لم يفرق بين أبناء عمومته ومن بينهم فاطمة لأنها كانت تتميز بالطيبة الشديدة وتحب حكيم بشدة أكثر من أخوتها من أمها ولا تنكر أو تخفي ذلك بل تعلنه في كل مجالس العائلة سواء في المنيا أو في القاهرة, وكانت حينما تعلم بزيارة حكيم للمنيا أو حتي وصوله المفاجئ إلا أن تعد كل ما لذ وطاب من الطعام الذي يحبه حكيم لأنه يذكره بوالدته ويحمل عطر ذكريات الطفولة بعيدا عن أي مسئوليات وهموم وتكون أول من يستقبل حكيم وتظل ملازمة له حرصا علي خدمته والبقاء بجواره حتي توديعه ويستشعر حكيم حبها الشديد له ويحرص دائما علي التأكيد أنه دائما في انتظارها بالقاهرة في الليلة التي استقبل فيها خبر وفاة زوج فاطمة وهو في ريعان شبابه تاركا أربعة أطفال صغار في مراحل عمرية مختلفة سافر ليلا ولم ينتظر حتي الصباح, وعلي الرغم من تأكيد الشيخ علي عامر عليه بألا يحضر إلا في وضوح الشمس خوفا عليه من السفر ليلا ولكنه حينما يقرر أمرا لا يستمع إلا لصوته لأنه يدرك أنه الصواب فقد رأي حكيم ليلا, أنه من الواجب ألا يترك فاطمة هذه الليلة دون أن يكون بجوارها, فوجوده معها في هذه اللحظات الصعبة من حياتها تحمل أكثر من رسالة أراد حكيم أن تصلها ليس ليخفف عنها آلامها فقط بل يشعرها أنه دائما معها وإذا كانت فقدت الزوج فهي لم تفقد السند والاخ والصديق والحبيب والأب لأبنائها, وبالفعل كان لسفر حكيم وعدم انتظاره طلوع النهار أكبر الأثر علي فاطمة, ومنذ هذه اللحظة أصبحت فاطمة لها مساحة وليست مكانة فقط في قلب حكيم الذي تولي شئون رعايتها هي وأولادها وكان يحرص علي وجودها في منزل الحلمية وإقامتها في المناسبات وغيرها كما لا يترك أي فرصة إلا ويفاجئها بزيارته لها فأصبح أبا فاطمة وأولادها. دموع علي صلاح سالم وعلي الرغم من حنانه وعطفه علي أبنائه إلا أنه كان دائما يظهر في صورة الأب الحاسم والحازم والقوي الذي لا يتحرك له ساكن فهو الضابط والشخصية القوية, أما العاطفة والحنان فلهما وسائل أخري للتعبير عنهم بالفعل وليس بالقول وكان دائما يؤكد علي أبنائه من الأولاد ذلك فالرجل له سمات وشخصية ولا يغلبه أي أمر ولا يظهر عليه الضعف وكان من المعروف عن حكيم أنه لا يحب أن يري أحد دموعه علي الإطلاق حتي في أصعب لحظات حياته قسوة ولا يوجد علي المرء أشد من وفاة والدته خاصة أمام عينيه وفي حادث بشع وحزن حكيم وصدمته إلا أنه كان يغلق باب مكتبه حتي لا يري أحد دموعه لم يكن عند حكيم أغلي من معني الصداقة أو الإحساس بزملائه في الكفاح والذين بدأ معهم الطريق وكان من بينهم صلاح سالم( عضو قيادة الثورة والذي قدم استقالته بعد خلاف مع جمال عبدالناصر بسبب أحداث الجيش في السودان حيث أصيب بمرض عضال في الكبد وكان في ريعان شبابه وتدهورت حالته الصحية تماما وأصبحت حالته حرجة ووصلت لمرحلة متأخرة وكان صلاح سالم من المقربين ل حكيم وحرص علي التواصل معه واستقباله في منزله وكان حكيم يختلس ساعة ربما أكثر أو أقل يجلس مع أبنائه ويتناول عشاءه المفضل من الشوربة الساخنة مع قطعة من الدجاج تدور الحكايات والقفشات مع الأبناء الذين يحبهم ويعطيهم كل الحنان وكأنها جرعة تعويضا عن أيام الحرمان ورصيدا لاحقا للأيام المقبلة, وتأتي الرياح بما لا نشتهي فاذا بحكيم يعلم من خلال اتصال تليفوني بوفاة صلاح سالم.. وفي ثوان تغير وجهه وإنسابت دموعه علي صديق الذكريات والأيام الحلوة والمرة ولأول مرة يري أولاده دموعه وهذا بالنسبة لهم أمر جلل ووقتها قالت له زوجته زينب لتخفف عنه: دموعك غالية يا حكيم فكان رده.. ليست أغلي من صلاح. * كان حكيم لا يبعد كثيرا عن أجواء العمل حتي في الساعات التي يختلسها للراحة والإقامة في المنزل ليستعيد شحنة جديدة تساعده علي التواصل فكان يدعو أصدقاءه إلي منزله ليقضي معهم ساعات من السمر والحديث عن أحوال البلاد والأمة العربية ومناقشة بعض الأمور, وكلما أراد الخروج من هذه الدائرة يجد نفسه منجذبا مرة أخري وكأنها في دمه ولما لا فمصر دائما في القلب وهذا هو شعاره وكان البيت لا يخلو من الأصدقاء الذين يستجيبون لدعوته علي الفور حيث يستمتعون بالحديث المتنوع علي طاولةالشطرنج وهي اللعبة المفضلة عند حكيم, وكان متفوقا فيها وينافسه في اللعب جميع أصحابه من المترددين عليه من أبناء عمومته وأشقائه الذين يحب أن يجالسهم في المنزل, ولكن كان حكيم يستمتع باللعب مع صلاح نصر وشمس بدران وكان يحب أن يستقبلهما ويفضل ذلك في مكتبه الخاص ببيته ويعقد جلسة مغلقة وممتدة, والكل يعلم أن حكيم يلعب الشطرنج بتركيز, طالما الذي ينافسه صلاح نصر وشمس بدران وإذا بصوت شجار في منزل حكيم علي غير العادة وترتبك زينب وإذا بصوت صلاح نصر لحكيم قائلا أما يكفيك النصر في كل شيء يا حكيم اترك لي جولة اكسب فيها فأنا صلاح.. وكان يقول له:صلاح نصر اسم لا فعل؟ وهنا ضحك الجميع وابتسمت زينب ابتسامة الرضا والفخر بزوجها الثائر علي كل شئ ولا يترك حقه حتي لو في اللعب؟ كان حكيم عنيدا يكره الإنصياع للأوامر من بينها تعليمات الأطباء بالتالي يكره دخول المستشفي وحينما يضطر( في أصعب) الحالات تكون سريعة جدا بل أحيانا يفضل خروج من يعنيه ويقوم بزيارته في المنزل, المهم أن طبع حكيم وعلاقته السلبية بالأطباء وحتي أماكنهم وأصبح معروفا في عائلة عامر وكان شرها في تدخينه للسجائر وحينما يقابل في أحد الاحتفالات طيبا من الأطباء المشهورين وينصحه بالإقلاع أو التقليل من التدخين ينصرف عن الحديث مطلقا, ولكن هناك ضرورة وأمر باسم الأبوة التي لايستطيع حكيم أن يقف مامها بل علي العكس تماما فهو الأب الحنون حينما يستشعر أن هناك خطرا علي أبنائه فما بالك وأن الخطر بات يهدد آمال وما تعني له فهي الابنة الكبري والصديقة المقرية إلي قلبه وحبيته المدللة التي تحرص علي خدمته وكأنها تنافس أمها ولاتتركه منذ دخوله المنزل تستقبله بالأحضان والقبلات آمال هو الاسم الذي اختاره حكيم لها قبل الثورة وكأنها تعبر عنه وعما يحلم به وكلما كبرت آمال كأن حلمه يكبر أمامه رغم أنه رزق بعدها ولكنها الآمال كما كان يدللها, وأصيبت آمال بحمي شديدة إثر احتقان في الحلق وتكرر هذا الأمر وأمام قلق حكيم عليها من ناحية وانشغاله من ناحية أخري كانت زينب تحاول أن تخفي عنه خبر معاودة المرض لها ولكن جاءت الساعة الحاسمة والتي لايمكن أن يتخذ أحد قرار سوي حكيم حينما أخبره الأطباء بضرورة جراحة عاجلة كانت الأسرة وقتها في الاسكندرية وحكيم في القاهرة منهمك في عمله وهنا أبلغته زينب بالأمر وإذا به يحضر علي الفور إلي الإسكندرية ولكن يبدو أن آمال ورثت عن والدها صفاته في رفضها دخول المستشفي أو الخضوع لأمر الطبيب فكان علي حكيم إقناع نفسه بهذه الخطوة إلا أن الأمر أصبح يهدد حياة آمال وإذا بها توافق بشرط واحد وحكيم لم يتعود أن يفرض عليه أحد شرطا أو يساومه في أي شيء ولكنها حياة آمال وقبل حكيم شرطها وهو دخوله المستشفي معها وبقاؤه حتي تخرج من غرفة العمليات لأن وجوده بجوارها سيقويها, ولم يكن أمام حكيم سوي قبول شرط آمال ولكنه حكيم الأب فاجأ الجميع ماسك بيدها وهي لاتصدق نفسها فنست آلامها حتي طلب منه الطبيب الخروج من الغرفة وتوقع الجميع ان ينصرف حكيم من المستشفي بعد الإطمئنان عليها ولكن فأجأ آمال بأنهما دخلا سويا ولن يخرجا إلا سويا يده في يدها وكان حكيم آثا لثمانية من الأبناء وهو عدد ليس بقليل فكان يعشق الأولاد وهم آمال ونوال ونجيبه وجمال وفؤاد ونصر وصلاح من زوجته زينب وأخيرا عمرو من زوجته الفنانة الراحلة برلنتي عبد الحميد ولم يكتف حكيم بانجابه هذا العدد بل كان يشجع أشقاءه وأبناء عمومته علي أن ينتهجوا تفكيره ويسعد بوصول مولود جديد في عائلة عامر ولايفرق بين البنت والولد فالجميع فلذة كبده ولكن كان هناك خصوصية في علاقته مع ابنته آمال فهي الابنة الكبري وقد نشأ حكيم علي أن الابنة الكبري هي الكبري في كل شيء بعد والدتها بل أحيانا يحكي لها ما يصعب أن تعرفه أمه فهي القريبة من القلب والعمر وربما لاتشعر به مثل أمه ولكنها تفهمه, وكان يرفع شعار لالتنظيم الأسرة في عائلة عامر, وعلي الرغم من تدليل حكيم للبنات إلا أنه يدلل الأولاد ولكن بطريقة مختلفة ودائما يلفت نظرهم إلي أهمية التحمل ومواجهة الصعاب ففي إحدي المرات فوجيء ببكاء ابنه جمال وهو أكبر إخوته من البنين وهنا لم يسأله حكيم عن سبب بكاؤه أو يهتم بسبب تذمره فكان كل مايعنيه كيف يري رجلا يبكي علي شيء مهما كبر حجم المشكلة وهنا قال له إن من سمات الرجولة إذا كنت تريد أن تكون رجلا في حياتك هو مواجهة المشكلات والتفكير في الخروج منها فقلة الحيلة والبكاء والنواح للبنت فقط عنفه حكيم بشدة.. إسرار صديقة الحلمية كانت الحديقة المكان المفضل لحكيم, فحينما يكون في المنزل يعني ذلك وجوده في الحديقة وهي أيضا مؤشر علي أنه قرر ضمنيا أن يجلس مع أسرته والمقربين له فقط من الأهل سواء من أشقائه أو أبناء عمومته وحينما يجلس يلتف الجميع حوله وتمتد ليلة السمر والسهر حتي الساعات الأولي من الفجر, أما أصدقاؤه من خارج العائلة فالمكتب هو مكان استقبالهم وغالبا ماتكون جلساتهم متنوعة مابين لعب الشطرنج أو أحاديث أخري عن العمل في حدود ضيقة جدا, فبوجود حكيم لايخلو البيت من المترددين.