شهد الاقتصاد المصري علي مدي السنوات الخمس الماضية إنجازات وإخفاقات, وما بين هذا وذاك حزمة من السياسات والإجراءات التي اتخذها الحزب الوطني وحكومته, ونجحت في الحفاظ علي معدلات نمو بمتوسط6.2%, وتوفير4 ملايين فرصة عمل, وزيادة الصادرات إلي105 مليارات جنيه, وزيادة الودائع بالبنوك بنسبة65%, والاستثمارات الأجنبية إلي45 مليار دولار, مع إنشاء نحو10 مناطق صناعية, إلا أنه هناك إخفاقات في بعض المجالات الاقتصادية التي كان بعضها مستوردا من الخارج, مثل تداعيات الأزمة العالمية التي أثرت علي معدلات التصدير والسياحة ودخل قناة السويس, وفي الوقت نفسه هناك مشكلات في البيروقراطية والإدارية, وفض المنازعات في الاستثمار والفساد الإداري وغيرها. إلا أن الحقيقة المؤكدة أن الاقتصاد المصري خلال هذه السنوات استطاع تحقيق إنجازات ملموسة في مجمله ساعدته علي تجاوز العديد من الأزمات. وفي تقييمه للسياسات الاقتصادية للحزب خلال السنوات الماضية حدد الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق مجموعة من القضايا والمحاور الاقتصادية التي يري التوقف عندها في الحديث عن الملف الاقتصادي في السنوات الماضية لما لها من أهمية كبيرة في وضع أسس وركائز الاقتصاد المصري. وأكد الدكتور علي لطفي في حواره مع الأهرام المسائي مجموعة القضايا المهمة ورأي عدم تجاهلها في الحديث عن السياسات الاقتصادية التي تبناها الحزب الوطني في السنوات الماضية, وفي مقدمتها دعم استقرار النقد الأجنبي وتوافره في السوق النقدية, ودعم قدرة الاقتصاد المصري في مواجهة المتغيرات الاقتصادية العالمية, وزيادة تنافسية الاقتصاد المصري في مواجهة تداعيات الأزمة العالمية. وقال الدكتور علي لطفي: إن الاقتصاد المصري نجح في ترسيخ قواعد الانطلاقة الاقتصادية التنموية بعد أن تم تحقيق معدلات تفوق المستهدف في المجالات المختلفة وردت في تعهدات الحزب الوطني. وفيما يلي نص الحوار: * بداية رئيس الوزراء الأسبق.. هل تري أن تعهدات الحزب الوطني في الملف الاقتصادي تم إنجازها في السنوات الخمس الماضية, أم مازال هناك ما لم يتم إنجازه؟ ** لا يمكن الحديث عن هذا الملف, سواء في إنجازاته أو تحدياته بمعزل عن برنامج الرئيس مبارك الانتخابي الذي تعهد به وبدأ التنفيذ منذ عام2005, ولم يتبق فيه سوي عام واحد, فهو برنامج أعم وأشمل, وسياسات الحزب الوطني التي تمت طوال السنوات الماضية جاءت تحت مظلة برنامج الرئيس, بل وانطلقت منه. وأستطيع القول بلا مجاملة وبلغة الأرقام التي لا تكذب أو تتجمل أن السياسات الاقتصادية, والتعهدات التي قطعها الحزب الوطني من خلال برنامج الرئيس مبارك, ثم إنجازها بنسبة90% ودعني أتوقف عن هذه النسبة لأن نسبة إنجاز90% تعد بالمقاييس العالمية عالية جدا, ففي الدول الغربية وأمريكا لا تتحقق تعهدات والتزامات برنامج انتخابي إلا بنسبة تتراوح بين50 و60% لأنها تحمل في طابعها أهدافا انتخابية ودعائية, وبالتالي لا يتحقق منها سوي هذه النسبة, بينما ما حدث في برنامج الحزب الوطني عكس ذلك, بل في قطاعات عديدة منه نسبة التنفيذ تجاوزت المستهدف. * ما هي هذه المجالات التي تحقق فيها أعلي من المستهدف؟ ** في مجال الصناعة لا ينكر أحد أن هذا القطاع شهد طفرة كبيرة تجسدت في المصانع التي انتشرت في ربوع مصر من شمالها الي جنوبها, وقد كان المستهدف بناء ألف مصنع خلال السنوات الست التي ينفذ فيها البرنامج, إلا أن ما حدث أن السنوات الخمس الماضية شهدت إنشاء1300 مصنع ويتوقع أن تصل بنهاية العام المقبل الي1500 مصنع, أي بزيادة عن المستهدف تصل الي50%. وفي مجال فرص العمل فإن البرنامج نجح في توفير4 ملايين فرصة عمل بينما كا المستهدف نحو8 و3 مليون فرصة عمل, ورغم أن مشكلة البطالة لاتزال تحتاج الي جهد أكبر من جميع مؤسسات الدولة, فلا نقول إن البرنامج نجح في القضاء علي البطالة, لكنه وضع قواعد وأسسا جديدة تساهم في توليد فرص عمل حقيقية من خلال ربط الاستثمار والتشغيل فقد نجح البرنامج في جذب استثمارات كبري في مختلف المحافظات ثم من خلالها توليد فرص عمل جديدة وحقيقية لشباب الخريجين. * أين سياسات الحزب الوطني من قضية الأجور, ورغم الزيادات التي حدثت فلاتزال هناك شكوي عن تدني المرتبات؟ ** الحقيقة أن مسألة الأجور قضية معقدة وتتداخل فيها العديد من الاعتبارات, ولكن واقعيا فإن البرنامج حمل في عام2005 تعهدات واضحة والتزامات محددة وهي مضاعفة الأجور, وقد حدث ذلك من خلال زيادات في المرتبات في كل عام, وبحلول الأول من يوليو تجاوزت هذه العلاوات أكثر من100%, ولكن هذه الزيادات للأسف صاحبها ارتفاع في الأسعار يفوق معدلاتها, مما جعلها محل شكوي وأصبحت الزيادات في المرتبات غير كافية لارتفاع الأسعار, وهذه المشكلة تحتاج الي حزمة من السياسات الاقتصادية المتكاملة التي يتم بموجبها السيطرة علي الأسعار ووقف تآكل دخول ومرتبات المواطنين في زيادات مبررة أو غير مبررة في الأسعار. * هناك إخفاق في الملف الاقتصادي تمثل في تراجع ملحوظ في الاستثمار وكذلك معدلات التصدير بنسب كبيرة تصل الي30 و40% ما تفسير الدكتور علي لطفي لذلك؟ ** الحقيقة المؤكدة أن ما حدث بعد تراجع في الاستثمار والتصدير جاء بفعل الأزمة العالمية ومن يراجع أرقام ما بعد الأزمة يتبين أن ما ذهبت إليه يؤكد هذه الحقيقة. فمعدلات النمو وصلت الي7,2%, والاستثمارات الأجنبية تجاوزت13 مليار دولار, والصادرات أكثر من10 مليارات جنيه, إلا أن الازمة العالمية ترتب عليها انكماش كبير في مكونات الاقتصاد الرئيسية بفعل اعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية العالمية, ولكن هذه الحالة لم تستمر طويلا وقد بدأت بشائر التعافي تظهر من جديد في زيادات ملحوظة في الاستثمار الاجنبي والتصدير واتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة نموا كبيرا في هذين القطاعين خصوصا. واذا استعرضنا الار قام في السنوات الماضية نتأكد ان متوسط الاستثمارات الاجنبية في السنوات الخمس زادت7 امثال سابقتها لتصل الي45 مليار دولار, وزيادة الاستثمارات الصناعية5 أمثال, كما أن عدد السائحين زاد بمعدل71%, وقيمة الايرادات السياحية بلغت11,6 مليار دولار. * اذا كانت هذه الصورة الا يجابية فما تفسيرك للتراجع الذي حدث في معدلات التصدير في العام الماضي وكذلك التراجع في معدلات السياحة؟ ** كما قلت إن الاسباب التي ادت الي هذا التراجع هي أسباب عالمية أو أسباب مستوردة من الخارج وشملت جميع دول العالم, فلا يعقل ان تكون هناك ازمة عالمية ينتج عنها تراجع في الاستيراد العالمي ونتحدث في مصر عن زيادة في الصادرات ولكن علينا ان نقارن بين حجم التراجع في مصر وغير ها من الدول, فسوف نتبين أن حجم الانكماش في مصر اقل بكثير من دول اخري. وقد بدأت تلوح في الأفق مؤشرات ايجابية علي قدرة الاقتصاد المصري علي تجاوز هذه التداعيات. فبعد ان سجل معدل النمو4,2% في العام الماضي يتوقع أن يسجل العام الحالي6% وهو ما ستكون له انعكاسات ايجابية علي مسيرة الاقتصاد الوطني. * قطاع الزراعة يعد من القطاعات المهمة وقد وجد اهتماما الي حد ما في السنوات الماضية إلا أن هناك شكوي من المزارعين من تدني الاسعار وأن مكاسبهم تذهب للتجارة فما هو تقييمك لسياسات الزراعة؟ ** بدون شك ان الزراعة في مصر محور اساسي ومكون رئيسي في منظومة الاقتصاد الوطني, وقد شهدت السنوات الماضية العديد من السياسات والاجراءات التي تعاملت مع مشاكل المزارعين ووضعت العديد من الحلول لهذه المشاكل وفي مقدمتها تحرير أسعار المحاصيل الزراعية وضمان سعر عادل للمزارع في ظل التقلبات العالمية للأسعار. وربما يكون من الانصاف التأكيد علي أن ملف الزراعة في حاجة لمزيد من الجهد من أجل زيادة الإنتاجية ومساندة المزارعين علي تحقيق هذا الهدف. * كيف تري مستقبل الاقتصاد المصري؟ * المستقبل مضيء وأقول ذلك ليس من قبيل الاستهلاك بل من واقع الحقائق الاقتصادية التي لا تقبل الشك فهناك امكانيات وموارد وفكر جديد, وخطط مدروسة تستطيع أن تخطو بمصر إلي آفاق أوسع وأرحب مدعومة بقيادة حكيمة تمتلك الرؤية الثاقبة لمستقبل مشرق لمصر وتدرك تحدياته ومتغيراته.