الانتخابات البرلمانية التي تدق الأبواب في مصر تمثل محور الأحداث والمناقشات بين الأفراد والجماعات وعبر وسائل الإعلام. وأتصور أن هذا الاهتمام العام غير المسبوق بهذه الانتخابات يمثل مصدر عافية وقوة وقدرة علي النمو الديمقراطي في مصر. هذا الاهتمام العام يمثل أيضا استجابة حيوية من القطاعات الأوسع في المجتمع لخطوات جادة قطعناها علي طريق الديمقراطية. فما كان لهذا الاهتمام أن يبلغ مداه دون إدراك حقيقة الذي جري في مصر خلال السنوات الخمس التي تفصلنا عن آخر انتخابات برلمانية. فالمصريون جميعا يتطلعون إلي مستقبل الحياة السياسية في السنوات الخمس المقبلة وتأخذهم مناقشاتهم إلي فرز القوي السياسية التي سوف تشارك في صياغة هذا المستقبل.وفي حوار الانتخابات وأحداثها نحن لاننظر إلي المستقبل النظرة الصحيحة دون فهم وإدراك حقيقة الذي جري والتطورات التي وقعت. من الطبيعي في المناخ السياسي الراهن أن يحاول كثير من القوي السياسية إهالة التراب علي ما جري, وتعمل عن عمد علي الإقلال من قيمة الإنجازات التي تمت لعدة أسباب: أن هذه القوي تتصور أن النيل من إنجازات السنوات الخمس الماضية سوف يقوض من فرص الحزب الوطني في تحقيق الأغلبية في الانتخابات المقبلة. فالحزب الوطني هو القوة السياسية التي قادت جهود المجتمع في جميع المجالات خلال تلك السنوات. هذا الاتجاه يمثل جوهر التحرك الأساسي لكل القوي السياسية التي تخوض الانتخابات. أن تلك القوي تخوض الانتخابات بلا سابقة من الإنجازات أو حتي المبادرات التي يمكن أن ترتكز عليها في خطابها السياسي. ولذلك فإنها حين تتحدث عن نفسها للناخبين فإنها لاتملك إلا وعودا وآمالا وأحلاما. وحتي يمكن أن تكتسب تلك الوعود شيئا من الواقعية فإنها تهتم كثيرا بتسويق إخفاقات تنسبها للحزب الوطني مستغلة المناخ العام السائد المعني كثيرا بتصوير واقع الحياة في مصر علي أنه واقع أزمة وليس واقع إنجاز. أن الحرية المتاحة للأحزاب والقوي السياسية تبدو اليوم حرية بلا سقف, وفي بعض الأحيان حرية بلا مسئولية. وفي هذا السياق يتم التعامل مع الحقائق بالكيفية التي تخدم أهداف المتحدثين. ولذلك يتميز الخطاب السياسي لكثير من القوي والأحزاب بخلط الأوراق والقفز فوق الحقائق واستثمار كل خطأ أو كل مشكلة للنيل من الحزب الوطني. أن الانتخابات البرلمانية تبدو وكأنها فاجأت معظم القوي السياسية المعارضة. فهي تواجه تحديات الانتخابات دون الإعداد الكافي الذي يلزم أي قوة سياسية جادة وراغبة في المشاركة الجادة والفاعلة. هذه القوي لاتريد الاعتراف بهذه الحقيقة ولاتريد للرأي العام أن يعي جيدا هذه الحقيقة وبالضرورة لايعي كيف استعد الحزب الوطني وهو الحزب الحاكم والقوة السياسية الكبري لهذه المعركة الانتخابية. المحصلة العامة للخطاب السياسي المعارض الآن ترتكز إلي كثير من المغالطات بشأن ما تحقق علي أرض مصر خلال سنوات خمس مضت. وهي خطيئة تنال من الإجماع اللازم حول الإيمان بقدرة المجتمع بمختلف فئاته علي مواجهة التحديات. فمن العبث أن ندفع المصريين إلي الاعتقاد بأن خمس سنوات قد مضت بلا عمل وبلا جهد وبلا إنجاز. سوف نقبل من الأحزاب أن تثمن وتقدر ما تم من إنجازات وتعترف بها, وتعدنا في برامجها الانتخابية أنها سوف تحقق ما هو أكثر وأعظم من تلك التي حققها الحزب الوطني, بدلا من التسويق لفكرة أننا كنا أمة عابثة أو لاهية طوال خمس سنوات. فالحقيقة التي لاتقبل نقاشا هي أننا أنجزنا وأنجزنا الكثير ووضعنا مصر في موقع أفضل كثيرا مما كانت عليه قبل خمس سنوات. لقد ذهب البعض مذهبا غريبا في الحديث عن ذكري انتصار أكتوبر حين أشاروا إلي أن هذا الإنجاز المصري العظيم في ميادين المعارك لم يجد صدي في برامج التنمية المصرية أو حتي في الإدارة السياسية للصراع في المنطقة. محاولة ممجوجة لاغتيال الفرحة بذكري النصر الكبير. ................................................................ فالنصر الذي يمثل أكبر إنجازاتنا في تاريخنا الحديث هو لديهم في النهاية نصر بلا نتيجة وبلا عائد. والحقيقة التي يعلمونها جيدا هي أن الذين جاءوا بالنصر واستعادوا الأرض وغيروا الخريطة السياسية في المنطقة هم أنفسهم الذين قادوا العمل علي مختلف الجبهات في مصر منذ حرب أكتوبر وحتي الآن. الغالبية من رجال أكتوبر جنودا وضباطا وقادة ومواطنين هم الذين تحملوا مسئولية النمو بطاقات وقدرات المجتمع المصري طوال السنوات التي تفصلنا اليوم عن6 أكتوبر عام1973, وأن روح أكتوبر لم تختف من حياتنا وإرادة التحدي في ميادين القتال هي ذاتها التي نقلت المجتمع المصري تلك النقلة النوعية الهائلة اقتصادا وسياسة وحياة اجتماعية. ولا تزال هذه الروح زادا يدعمنا في تجاوز كتابات المرجفين المشككين في كل إنجاز, وقوة تدفعنا إلي المضي فيما نحن عازمين علي إنجازه. عليهم أن يسألوا أنفسهم أين كانوا؟ وكيف أصبحوا؟ لم يعد المجتمع المصري كما كان بعد انتهاء الحرب كما ونوعا. مغالطة أخري من مغالطات المعركة الانتخابية, وكنت أتمني لو أننا أبعدنا ملحمة الشرف والكرامة عن أوراق اللعبة الانتخابية والألاعيب السياسية. حرب أكتوبر ملحمة أكبر كثيرا من أن تتناولها الأقلام بهذا الالتواء في المقاصد والنوايا. الحقائق كلها تشير إلي أن عملا كبيرا وهائلا تحقق في مصر منذ حرب أكتوبر وحتي الآن. وحتي لا نتحدث عن تاريخ بعيد عليهم أن ينظروا فقط فيما تحقق خلال السنوات الخمس الماضية منذ آخر انتخابات برلمانية جرت, وفاز فيها الحزب الوطني بالأغلبية. ............................................................ يعرف الجميع أن معدلات النمو الاقتصادي الحقيقية هي المعيار الفاصل في تقييم الأداء. فالنمو الاقتصادي يعني نمو القدرة علي إنتاج السلع والخدمات. خلال خمس سنوات مضت تضاعف حجم الاقتصاد المصري تقريبا. خلال تلك السنوات حقق الاقتصاد معدل نمو بلغ6.4% وكان من الممكن أن نبلغ به معدل7% لولا الأزمة الاقتصادية العالمية التي تركت تأثيراتها سلبا علي معدلات النمو الاقتصادي في جميع دول العالم. هذه المعدلات بالمعايير المحلية مرتفعة إذا ماقورنت بالمعدلات السابقة. خلال الفترة من1986 وحتي1990 كان متوسط معدلات النمو4.2% وكان3.4% خلال الفترة من1995/1991, ووصل إلي5.2% في الفترة2000/1996 وكان3.7% خلال الفترة من2005/2001 هذا النمو في معدلات الأداء الاقتصادي كان نتيجة جهد هائل في مختلف القطاعات: * عدد الشركات التي تم تأسيسها في مصر وصل في عام2008/2007 إلي8000 شركة مقابل2750 شركة في عام2002/2001. و في عام2009/2008 وبرغم الأزمة العالمية وصل هذا العدد إلي6300 شركة. * الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت مصر وصلت إلي13.2 مليار دولار في عام2008/2007 مقابل نصف مليار دولار فقط في عام2002/2001 ومع تصاعد الأزمة العالمية في عام2009/2008 وصلت هذه الاستثمارات إلي8.1 مليار دولار. * الصادرات السلعية غير البترولية ارتفعت من8.5 مليار دولار في عام2005/2004 إلي14.2 مليار دولار في عام2009/2008 * الودائع في البنوك بالعملة المحلية إرتفعت من231 مليار جنيه في عام2003 إلي546 مليار جنيه في عام2009 * احتياطيات النقد الأجنبي زادت من19.3 مليار دولار في عام2005 إلي34.5 مليار دولار في عام2010, وهي مصدر الأمان في تغطية احتياجاتنا من النقد الأجنبي لتأمين الواردات. وعلي المستوي العالمي كانت معدلات نمو الاقتصاد المصري متميزة بالنظر إلي أن دولا مثل اليابان وإنجلترا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والسويد وسويسرا انكمشت اقتصاداتها, وحققت معدلات نمو سالبة في عام2009, وهي دول صناعية كبري, بل إن دولا نفطية عربية كبري مثل السعودية والعراق والجزائر وليبيا حققت كلها معدلات نمو أقل من الاقتصاد المصري. وجاء معدل النمو في دول مثل تركيا وإيران أقل من معدل النمو في مصر في سنة الأزمة. الإصلاح الضريبي في مصر وحده حقق نقلة نوعية هائلة في توفير موارد الإنفاق العام. قيمة هذه الإيرادات وصلت إلي163 مليار جنيه في عام2009/2008 وقد كانت76 مليار جنيه فقط في عام2005/2004 هذه الزيادة في الإيرادات الضريبية تعبر أيضا عن نمو كبير في الأنشطة الخاضعة للضريبة. إيرادات الضرائب علي أرباح الشركات تضاعفت ثلاث مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة, ارتفعت قيمتها من22 مليار جنيه إلي66 مليار جنيه. ضرائب المبيعات تضاعفت خلال الفترة نفسها, ارتفعت قيمتها من31 مليار جنيه إلي62 مليار جنيه. وحققت الإيرادات الجمركية زيادة تقترب من الضعف, حيث ارتفعت قيمتها من7.7 مليار جنيه إلي14.1 مليار جنيه. هذه الزيادات تعبر عن نمو اقتصادي حقيقي, ولاتعبر بحال عن قدرة الحكومة علي تحصيل الضرائب والجمارك. ............................................................ هذا النمو في موارد الدولة أدي إلي تحسين في مجالات كثيرة تمس حياة المواطن العادي, مثل الخدمات والمرافق بكل مجالاتها, وأبرزها مياه الشرب التي وصلت إلي كل المصريين, وتحسين أجور العاملين في الدولة وهي فئة ظلت تعاني الكثير بسبب انخفاض أجورها. ففي العام المالي الحالي2011/2010 سوف يصل الإنفاق علي الأجور إلي نحو95 مليار جنيه. كذلك ارتفع متوسط الأجر الحقيقي للموظف من نحو7300 جنيه في عام2005/2004 إلي نحو9000 جنيه في عام2009/2008, وهو يعني أن هناك زيادة حقيقية في متوسط أجر العامل قيمتها نحو1700 جنيه خلال هذه السنوات.ويرتبط بزيادة الأجور الموقف من الدعم لمحدودي الدخل: *14 مليار جنيه دفعتها خزانة الدولة لدعم رغيف الخبز في عام2009/2008 فقط, حيث بلغ حجم الإنتاج السنوي75 مليار رغيف بلدي يتم إنتاجها سنويا بمتوسط205 ملايين رغيف يوميا. *7 مليارات جنيه تحملتها خزانة الدولة في عام2009/2008 لدعم البطاقات التموينية.. لدينا الآن12 مليون بطاقة تموينية, يستفيد منها أكثر من63 مليون مواطن. 62 مليار جنيه تحملتها الدولة لدعم السولار والبوتاجاز والغاز الطبيعي والبنزين والكيروسين والمازوت في عام2009/2008 الأرقام كثيرة وتعبر في وضوح عن إنجازات لايمكن تجاهلها ولا إنكارها ولا يمكن القبول بأن تكون واحدة من أوراق اللعبة الانتخابية. فقط علينا أن نخوض المعركة المقبلة بشفافية وأمانة ونزاهة. لست بهذا أناصر الحزب الوطني وحكومته, ولكن الحقيقة أولي بالوعي من الوهم. ومن حق الحزب الوطني أن يقدم تجربته في وضوح للرأي العام لمواجهة محاولات اغتيال الإنجاز الذي قادت خطاه حكومة الحزب, وأنجزه المصريون الشرفاء في كل مكان. وسوف أعود من أجل الحقيقة إلي الحديث عما تحقق في أرض مصر فذلك حق للذين عملوا واجتهدوا فأنجزوا. [email protected]