في مثل هذا اليوم الثاني من نوفمبر سنة1956 توقف صوت الإذاعة المصرية عندما أغارت طائرات العدوان الثلاثي علي صواري الإرسال في منطقة ابو زعبل كان المعتدون يعلمون أن الاذاعة المصرية وابناءها المذيعين ومقدمي البرامج هم الذين يلهبون جماهير الأمة العربية من المحيط الي الخليج وهم الذين يؤججون المشاعر ضد قوي الاستعمار ليس في عالمنا العربي فقط وإنما علي صعيد كل دول العالم التي ترزح تحت نير الاستعمار ومن ثم لزم اسكات هذا الصوت الذي أقض المضاجع خاصة بالنسبة لفرنسا التي وجدت نفسها امام ثورة عارمة في الجزائر وكانت اذاعة صوت العرب واذاعة البرنامج العام تبثان الأناشيد الوطنية والاحاديث والحوارات التي تضاعف من لهيب الثورة في كل بقعة من أرض الجزائر, كان اليوم يوم جمعة وكانت مقدمات العدوان الثلاثي قد بدأت منذ التاسع والعشرين من اكتوبر سنة1956 وكانت الاذاعة تتوقع مهاجمة الأعداء لمحطات إرسالها ولذلك كان العمل قد بدأ حثيثا في الاستديوهات حيث بدأت أطقم المذيعين ومقدمي البرامج تسجل الاناشيد والاغنيات الوطنية علي أشرطة وكانت هناك سيارات عديدة مستعدة وعليها مكبرات الصوت لنقل المذيعين الي شوارع القاهرة وبعض المدن لإذاعة هذه الاناشيد مع كلمات حماسية يقولها المذيع من خلال مكبرات الصوت وكنا نحن المذيعين نعيش تلك الأيام في4 شارع الشريفين, ننام ونأكل داخل الاذاعة ولم يكن هناك من مجال للذهاب الي المنازل الا من أجل تغيير ملابسنا ثم العودة بسرعة الي دار الاذاعة ومنذ بداية الارسال في صباح ذات اليوم ونحن نتوجس ونترقب وبالفعل وفي تمام الساعة العاشرة والنصف وكان برنامج مايطلبه المستمعون يردد اغانيه دع سمائي ونشيد الله اكبر وغير ذلك من الاغنيات التي تغنت بالثورة والنضال والكفاح. في ذلك الوقت تم قصف صواري الارسال وتوقفت الاذاعة وأحسسنا وكأن البيت الذي نعيش فيه قد انهار علي رؤوسنا ولكننا لم نجزع ولم نرتجف وخرجت العربات المحملة بالأشرطة والمذيعين يمسكون بالميكروفون يجوبون الشوارع مرددين كلمات وشعارات الوطنية وأننا جميعا وقود الحرب وان كل طفل وطفلة ورجل وشاب وفتاة وسيدة علي أهبة الاستعداد للتضحية والفداء من أجل مصر وكان من بين استعدادات الاذاعة لهذا الحدث أن هيأت محطة اذاعة محدودة القوة وكان من المزمع إرسالها للفدائيين الجزائريين فبادرت الإذاعة الي تشغيلها وكانت علي سطوح مبني مجلس الوزراء وتلقينا التوجيه من رئيس الاذاعة الاستاذ محمد امين حماد رحمه الله بأن ينطلق الاذاعي أحمد سعيد متعه الله بالصحة وصاحب هذه الذكريات الي مكان الاذاعة في مجلس الوزراء وتبث منها شعارات تضاعف من العزم وتقوي العزائم هذه المحطة الصغيرة لم يكن بها الا ميكروفون فقط وليس فيها استعدادات لإذاعة اغنيات وطنية, وبعد اقل من ربع ساعة كان صوت أحمد سعيد وصوتي وكل تلو الآخر ينبعثان من الميكروفون وكل يردد. ياابناء مصر ياأهل القاهرة صوت الاذاعة المصرية معكم صوت الاذاعة لن يتوقف كلنا جنود لمصر وللعروبة.. وهكذا ولكي نجعل اكبر عدد من القاهريين يستمعون لنا اتصلنا بمجموعة من الاصدقاء من تليفونات مجلس الوزراء وعرفناهم علي طول الموجة التي نذيع عليها وطلبت منهم ان يتصلوا بأصدقائهم واصدقاؤهم يتصلون بذويهم ومعارفهم وهكذا أزعم انه بعد دقائق قليلة كان الكثيرون من أبناء القاهرة يستمعون لنا وكانت همة مهندسي الاذاعة المصرية رائعة عندما اصلحوا الأعطاب التي تسببت جراء الغارات وبعد ساعة وربع علي الأكثر عاد الارسال من ابو زعبل ووقف الزعيم عبدالناصر علي منبر الأزهر يلقي خطابه التاريخي قائلا سنحارب سنحارب وهي الجملة التي جعلها مؤلف نشيد هنحارب هنحارب كل الناس هتحارب مطلع نشيده في اليوم التالي لخطاب الرئيس تحية للاذاعة المصرية التي أبلت احسن البلاء في معارك الوطن وقدمت من البرامج والاغنيات ما ألهب المشاعر واشعل القلوب.