فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    وزير الخارجية يلتقي السيناتور ليندسى جراهام بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها ليفربول ضد يوكوهاما    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمدي قنديل يكتب عن بدايات لتليفزيون العربي (1 2)
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 07 - 2010

شاغل التليفزيون المصريين منذ 63 سنة.. وربما لم يدرك قراء جريدة «البروجريه» الفرنسية التى كانت تصدر فى مصر عندئذ معنى الخبر تماما عندما قرأوا فى عددها يوم 13 فبراير 1947 أن الحكومة المصرية قررت اعتماد 200 ألف جنيه لبناء استوديوهات للإذاعة والتليفزيون.. لم يكن كثيرون يعرفون ما هو التليفزيون الذى لم يكن قد دخل وقتها سوى 15 دولة فقط فى العالم كله، ولم يرد حتى يومنا هذا فى أى بحث تفاصيل عمن دعا إلى اتخاذ قرار دخوله إلى مصر، ولم تنشر الصحف لسنوات عن أى خطوة اتخذت للمضى فى المشروع، حتى فوجئ الناس يوم الزواج الثانى للملك فاروق من عروسه ناريمان فى عام 1951 بشاشات عرض كبيرة تثبت فى ميادين القاهرة الرئيسية لتنقل لهم مراسم الزواج واحتفالاته من محطة إرسال أقيمت فى سنترال باب اللوق.. كانت «الشركة الفرنسية لصناعة الراديو والتليفزيون» هى صاحبة الفكرة، وكان القصد منها الترويج لدخول السوق المصرية.. ثم عاودت شركة فرنسية أخرى طرح مشروع فى عام 1953 لإقامة محطة تليفزيون يغطى إرسالها مدينة القاهرة.
شركات التليفزيون الغربية الكبرى كانت هى الدافع وراء دخول التليفزيون إلى عديد من الدول النامية فى البداية.. من هذه الدول العراق الذى نشأ فيه التليفزيون الرسمى فى عام 1957 عندما أقيم فى بغداد معرض للإلكترونيات شاركت فيه شركة PYE البريطانية للتليفزيون بعرض معدات استوديو متكامل ومحطة إرسال، وأغرت الحكومة العراقية لشراء المعدات بعد انتهاء المعرض لتقيم بها أول محطة تليفزيون هناك.. ولكن الاستعمار، الفرنسى خاصة، كان أسبق من الشركات فى إدخال التليفزيون للدول العربية، التى كانت تحت سيطرته، وإن كان يستهدف الجاليات الفرنسية وليس الجمهور العربى.. هكذا تم مد إرسال التليفزيون الفرنسى إلى المغرب عام 1954 ثم إلى الجزائر فى 1956.. بعد ذلك بعام واحد بدأ التليفزيون التجارى الخاص فى الدول العربية بمحطة إرسال صغيرة فى الكويت يملكها تاجر من أصل إيرانى تبث ساعتين من الأفلام السينمائية يوميا.. وفى العام نفسه أقامت شركة أرامكو الأمريكية للبترول محطة محدودة الإرسال بالظهران فى السعودية، تلتها محطة أخرى فى لبنان أنشئت فى عام 1959 بواسطة شركة لبنانية خاصة.
فى عام 1960 قام «التليفزيون العربى» الذى تدور الضجة الآن حول الاحتفال بمرور 50 عاما على إنشائه ناطقا باسم دولة الوحدة.. كان ذلك فى 21 يوليو عندما بدأ الإرسال فى القاهرة ودمشق فى وقت واحد، السابعة مساء بآيات من القرآن الكريم، تبعها نقل افتتاح مجلس الأمة وخطاب الرئيس عبدالناصر فيه، ثم نشيد الوطن الأكبر، فنشرة الأخبار التى قرأها نجم الإذاعة اللامع صلاح زكى، وكان قد انتقل إلى التليفزيون قبل بدء إرساله بشهور مع كوكبة من الإذاعيين، بينهم بابا شارو وهمت مصطفى وعباس أحمد، وقدم بعض منهم معظم برامج التليفزيون لسنوات.. على رأس هذا الفريق كان عبدالحميد يونس وكيل الإذاعة عندئذ ومدير التليفزيون فيما بعد، وسعد لبيب مدير البرنامج الثانى الثقافى الذى أصبح سكرتيرا عاما للتليفزيون.
أما أخبار التليفزيون فتولى مسئوليتها فريق آخر أتى من وكالة أنباء الشرق الأوسط، التى لا تزال إلى الآن وكالة الأخبار الرسمية المصرية.. كان معظم أصدقائى من العاملين فى الوكالة، وهم الذين اصطحبونى فى مارس 1960 إلى التليفزيون حيث توليت سكرتارية تحرير الأخبار مع الزميلة نوال سرى، وكان عملنا الرئيسى هو إعداد النشرة الإخبارية فى صورتها الأخيرة.. لم تكن هناك أقمار صناعية تنقل لنا أخبار العالم مباشرة وقتئذ، وكان مصدرنا الوحيد وكالتين عالميتين لأخبار التليفزيون هما «فيز نيوز» و«يونايتد برس» اللتان كانتا ترسلان لنا الأخبار مصورة على أفلام 16ملم فى مظروف يصل بالطائرة كل يوم من لندن، وفى بعض الأحيان كان المظروف يتأخر أياما.. ومع كل خبر فى المظروف كان هناك نص بالإنجليزية نترجمه ونصيغه على نحو يتفق مع لقطات الفيلم.. أذكر أننا كنا وقتها نستخدم ساعة كرونومترية «ستوب ووتش» لنتبارى فى دقة قياس وقت هذه اللقطات خاصة بالنسبة لسرعة المذيع الذى سيلقى النشرة فى القراءة.. صلاح زكى كان الأسرع إذ كان يقرأ 120 كلمة فى الدقيقة، ولذلك كنا نحشو له النشرة بكلمات أكثر، أما سميرة الكيلانى فلم تكن تقرأ سوى 85 كلمة فى الدقيقة، ولهذا كان النص الذى يقدم لها مختصرا قدر الإمكان.
ورغم أن صوت كل منهما كان من أحلى الأصوات، التى عرفها مستمعو الإذاعة فى الوطن العربى، ورغم صلتى الجميلة بهما، فإن أنور المشرى كان الأقرب إلى نفسى رغم أنى لم أكن قد عرفته من قبل.. أول حديث تبادلته معه كان بعد شهور من بدء الإرسال.. كنت قد اجتزت اختبار المذيعين وبدأت فى أغسطس 1960 تقديم برنامج «حكايات وراء الأخبار» بالصوت فقط.. ولم تمر شهور حتى طلب منى رئيس تحرير الأخبار بهى الدين نصر أن أقرأ لأول مرة نشرة أخبار التاسعة الرئيسية، ولم يكن قد تبقى على موعدها سوى ثلث الساعة.. لما حاولت التملص أبلغنى أن هذه أوامر.. «الدكتور حاتم قال خلّوا الجدع السورى ده يقرا لنا النشرة الليلة دى»، وضحك.. كان عبدالقادر حاتم يعرف العاملين جميعا واحدا واحدا، إذ لم يكن عددنا عندئذ فى التليفزيون كله يزيد على 600، وكان يظن أننى سورى ربما لأن أحدا أبلغه أننى كنت أعمل بالصحافة فى سوريا قبل التحاقى بالتليفزيون.. كان المقرر أن يقرأ أنور المشرى تلك النشرة، وكانت أوراقها بالفعل فى يده عندما أبلغوه أن يتخلى عنها لى.. لم يغضب.. برقة بالغة وحرص صادق طلب منى أن أقرأ النشرة أمامه قبل أن أقرأها على الهواء حتى يطمئن على إلقائى.
وقتها كان فى الجيل السابق لنا رموز يتصرفون كرموز ويحيطوننا نحن المذيعين الجدد بالرعاية.. كانت تماضر توفيق توصينى بأن أستمع إلى نشرات الأخبار فى الإذاعات المختلفة، وأن أقرأ أخبار الصفحة الأولى فى الصحف بصوت عالٍ أسجله فى جهاز تسجيل، وأستمع له بعد ذلك فأكتشف بحسى الشخصى أخطائى، وكانت سميرة الكيلانى تقول لى دائما: عندما تدخل إلى الاستوديو انس مشاكلك ولا تفكر فى شىء سوى فى المادة، التى تقدمها لأن الجمهور لا يغفر للمذيع وجهه العابس.. أظن أنهما أيضا لم تبخلا بالنصح لمذيعات التليفزيون الجدد ليلى رستم وسلوى حجازى وزينب حياتى.. زينب اختفت من الشاشة سريعا بعد أن تزوجت من دبلوماسى مصرى، وسلوى راحت فى حادث الطائرة الليبية، التى أسقطتها طائرات إسرائيلية داخل الأراضى المصرية فى عام 1973 بعد أن قدمت برامج ذاع صيتها، فى مقدمتها «عصافير الجنة»، وهى التى كانت يوم طلت علينا عصفورتها.. أما ليلى فكانت الأكثر إثارة للجدل والشغب، ربما للسبب الذى ذكره الكاتب الصحفى جليل البندارى «إن جمالها لاذع كعسل النحل ولسانها لاذع كقرصة النحلة».. أشهر أعمالها كان «نجمك المفضل» و«الغرفة المضيئة»، أما أفضلها فى اعتقادى فكان الحديث الذى أجرته مع خبراء الصواريخ الألمان، الذين استعانت بهم مصر فى الستينيات.
بالنسبة لى، كان البرنامج الذى عرفنى الناس به هو «أقوال الصحف»، وكنت قد قدمته فى سبتمبر 1961 بعد أن قدمت برنامجا فاشلا باسم «دقت الساعة» لم تذع منه لحسن الحظ سوى خمس حلقات فقط.
استمرت إذاعة «أقوال الصحف» نحو تسع سنوات حصل فى ثلاث منها على المرتبة الأولى بين برامج التليفزيون، وكان الجديد فيه هو تقديم المواد السياسية والأخبار الجافة عموما بأسلوب قريب من الناس، ربما كان الفاتحة المبكرة لما يعرف اليوم ببرامج «التوك شو» المسائية.
ما أذكره عن تلك السنوات من حياتى فى التليفزيون، التى انتهت برحيل جمال عبدالناصر هو أننا كنا سعداء، راضين برواتبنا المتواضعة.. بدأت ب14.5 جنيه، وانتهت ب55 جنيها.. وكنت أتقاضى 70 جنيها بدل ملابس فى السنة فى حين كان البدل للمذيعات مائة جنيه.. فى هذه السنوات اشتريت سيارة نصر 1300 بقسط شهرى 20 جنيها على مدى 24 شهرا، كما تزوجت فى عام 1966 فى حفل استقبال فى فندق شبرد أظن أنه كان أنيقا كلفنى 240 جنيها، بالتقسيط أيضا.. وكنا نحترم أنفسنا ومهنتنا.. أذكر أنى وصلاح زكى وغيرنا رفضنا أن نقرأ الإعلانات، التى كانت تدر على المذيع دخلا شهريا قدره خمسون جنيها لأننا كنا نرى أن مقدم البرامج السياسية لا يجب أن يبيع صوته، بل إننى رفضت التعليق على الأفلام التى كانت تتابع يوميا العد التنازلى لبناء السد العالى لأن الذى أنتجها هو شركة المقاولون العرب، رغم أنها كانت من شركات القطاع العام.
وأذكر أننا كنا نعمل بدأب ونتنافس بشرف ونؤمن برسالة.. كنا نحس على عكس ما هو عليه الحال اليوم أننا فريق واحد ينجز مهمة سامية بإخلاص وهمة.. كان التليفزيون فى 1960 هو مشروع الثورة الأول، وأظن أنه لقى منها اهتماما بالغا لسنوات عديدة تالية، بل وسنوات سابقة أيضا.. منذ عام 1954، أى بعد قيام الثورة بعامين، تقدم الصاغ صلاح سالم وزير الإرشاد القومى عندئذ بمشروع إلى الرئيس عبدالناصر لإنشاء التليفزيون وإقامة محطة إرسال فوق جبل المقطم، فوافق عليه الرئيس وأوكل المشروع إلى المهندس صلاح عامر وكيل الإذاعة للشئون الهندسية، الذى يعتبر رائد الهندسة الإذاعية فى مصر والوطن العربى، والأب الروحى فيما بعد للقمر الصناعى العربى «عربسات».. بدأت خطوات تنفيذ المشروع بقرار من الحكومة باعتماد 108 آلاف جنيه لمبنى للإذاعة والتليفزيون على مساحة 12 ألف متر مربع فى ماسبيرو بارتفاع 28 طابقا، وهو المبنى القائم اليوم.. كان المقرر عندئذ أن يبدأ التليفزيون إرساله فى 1957، لكن العدوان الثلاثى عطل المشروع حتى كان عام 1959 عندما اتخذ القرار النهائى ببدء التنفيذ، وفتحت العطاءات لتوريد الأجهزة فى يوليو فتقدمت لها 14 شركة عالمية كبرى.
قد يبدو غريبا أن الذى فاز بالعطاء كان شركة أمريكية هى شركة RCA، ولكن علاقات مصر بالولايات المتحدة كانت لا تزال معقولة خاصة بعد موقفها لإنهاء العدوان الثلاثى، بل إنه فى عام 1959 ذاته عقد اتفاق بين البلدين لتوفير القمح الأمريكى بالجنيه المصرى، وقدمت واشنطن 300 منحة دراسية لمبعوثين مصريين.. الأهم من هذا أن شركة RCA كانت هى رائدة التليفزيون فى العالم، وهى التى أدخلته إلى أمريكا منذ عام 1928، وهكذا كانت معدات التليفزيون فى معظمها أمريكية، بل إن مستشار البرامج كان أمريكيًا أيضا.. ورغم وجود عدد من الخبراء الهندسيين من ألمانيا الشرقية معنا يوم بدء الإرسال، فإنه عندما أوفدت بعثات التدريب قبل الافتتاح فقد ذهب معظم الدارسين إلى الولايات المتحدة، فى حين ذهب البعض إلى ألمانيا شرقا وغربا وإلى إيطاليا وإلى بريطانيا.. ولم تزد مدة البعثات جميعا على بضعة أشهر، فقد كان من المقرر أن يستغرق تنفيذ المشروع 18 شهرا، ولكن الدكتور عبدالقادر حاتم صمم على اختصار المدة إلى 6 أشهر فقط، وكان له ما أراد فى مصر وسوريا معا.. أذكر أن أصعب ما فى المشروع كله كان إقامة استوديو التليفزيون ومحطة إرساله فى دمشق على قمة جبل قاسيون، إذ كان ارتفاعها 1150 مترا مما ضاعف من متاعب تحميل المعدات على السيارات إليها.. ولكن التليفزيون بدأ البث هناك فى موعده، كما بدأ هنا فى القاهرة حتى ونحن نتسلق السقالات فى مبنى ماسبيرو، الذى لم يكن قد تم إنجازه كاملا بعد.
كان البث على قناة واحدة فى البداية ولمدة 6 ساعات يوميا تبدأ فى السابعة مساء، ثم ارتفع المعدل إلى 13 ساعة بعد أن بدأت القناة الثانية إرسالها فى 21 يوليو 1961، وفى 1962 ظهرت القناة الثالثة، ووصل متوسط ساعات الإرسال إلى 20 ساعة فى اليوم، تدرجت فى الزيادة فيما بعد.. ومع امتداد ساعات البث اتسعت الرقعة الجغرافية، التى يغطيها التليفزيون حتى وصلت إلى أقصى الصعيد عندما أقيمت فى 1962 محطة إرسال فى أسوان كانت تبث 3 ساعات يوميا من البرامج، التى تشحن إليها من القاهرة بالطائرة.
على أن الجانب الذى أغفله مؤرخو التليفزيون هو ذلك المصنع الذى لم يكن لمشروع التليفزيون أن يكتمل بدونه، مصنع «شركة النصر للتليفزيون» فى دار السلام، وهى شركة كانت تتبع «المؤسسة الاقتصادية» كلفت بتصنيع أجهزة الاستقبال فى الإقليمين الشمالى والجنوبى، وتمت تصفيتها فى عام 2006 ضمن خطة الإجهاز على القطاع العام التى عرفت باسم «بيع مصر».. كان التليفزيون قد استورد قبيل بدء إرساله نحو 60 ألف جهاز استقبال من شركة RCA ومن فيلبيس الهولندية، وبعد أن بدأت شركة النصر فى تصنيع أجهزتها بلغت نسبة المكونات المصرية فيها نحو 70٪ فى منتصف الستينيات.. كانت الأجهزة من ثلاثة قياسات هى 14 و17 و21 بوصة، وكان سعر أرخص قياس 40 جنيها تدفع بالتقسيط بالنظام الشهير عندئذ «ادفع الربع والباقى على سنة وربع»، ثم أنتج فيما بعد جهاز ال23 بوصة، الذى عرف باسم «التليفزيون الموبيليا» لأنه كان يباع بقاعدته وصندوقه الأنيق جاهزا، وكان يهدى إلى الشخصيات البارزة التى تزور القاهرة، وكان سعره 160 جنيها بالتمام.. وقد وصل إنتاج الشركة فى عام 1965 إلى 200 ألف جهاز، تدفقت ألوف منها إلى القرى فى الأرياف مع تواصل دخول الكهرباء إليها، وصدر منها 500 جهاز إلى اليونان، التى لم يكن قد دخلها التليفزيون حتى عام 1966.. من أكثر المشاهد التى أبهرتنى عندما زرت الشركة وهى فى بداية عملها مشهد العمال وهم يفككون الصناديق الخشبية، التى كانت تحمل المكونات المستوردة، ويحولونها إلى دواليب ومكاتب حتى لا يفرطوا فى أى شىء مهما تدنت قيمته.. اليوم فرطت الدولة ذاتها فى هؤلاء العمال المهرة الذين كان قد بلغ عددهم 1750 عاملا.
ليس القصد أن أقارن الأمس باليوم، وإن كانت السطور تنطق بما يقال وما لا يقال.. أظن أن الفيصل فى هذا كله إذا ما تحدثنا عن تليفزيون الأمس واليوم هو ما يراه المشاهد على الشاشة.. وما من شك فى أن «التليفزيون العربى»، تليفزيون الستينيات، كان يشبع احتياجات المشاهد الرئيسية الثلاثة، الإعلام بمعنى تزويده بالأخبار وخلفياتها، والتعليم والتربية، والترفيه النظيف.. كان للتليفزيون وقتها رسالة، بدءا ببرامج محو الأمية حتى برامج التثقيف الراقى.. يكفى أن نذكر أسماء بعض البرامج لندرك قيمة ما كان ينقله إلى الناس.. هناك دنيا الأدب، الجديد فى العلم، من صفحات التاريخ، عصر العلوم، شريط الثقافة، فن وفكر، والخالدون.. بين مثل هذه البرامج كان يشدنى برنامجان، أحدهما هو «عالم البحار» الذى كنت أتابعه رغم أنى لا أجيد السباحة، بسبب جاذبية مقدمه الدكتور حامد جوهر، أما البرنامج الثانى فكان «حياتك بين أيديهم» خاصة إذا ما استضاف الدكتور خليل مظهر الذى كان رئيس الجهاز التنفيذى لتنظيم الأسرة.. كان مظهر أكثر المتحدثين قدرة على الإمساك بالمشاهد فى الستينيات، وهى قدرة لم تتوافر وقتها لكثير من أهل السياسة والكلام، ولم تتوافر من بعد فى رأيى سوى لقلائل، فى مقدمتهم جمال بدوى فى التسعينيات، والدكتور محمد سليم العوا وإبراهيم عيسى فى أيامنا هذه.
كانت البرامج فى معظمها جادة مفيدة، لكنها لم تكن عابسة الجبين، بل إنها كانت مسلية أيضا مثل برنامج «نافذة على العالم» ومثل «عالم الحيوان».. فى العام الماضى التقيت فى متجر فى أبوظبى بشيخ طاعن فى السن، توقف أمامى برهة، وقال إنه مهما مرت السنون فهو لا يزال يذكر صوتى تماما منذ أن كنت أقدم عالم الحيوان فى تليفزيون مصر.. لم أخذل الرجل وأخبره بأن محمود سلطان هو الذى بدأ بهذا البرنامج مسيرته، التى انتهت بكرسى فى مجلس الشعب.
لكن الأكثر شهرة من البرامج كان إنتاج التليفزيون المسرحى.. كان التليفزيون قد كون فى 1961 ما سمى «مسرح التليفزيون»، الذى تشكل من عشر فرق مسرحية تعرض مسرحياتها للجمهور ما بين أسبوع وأسبوعين، ثم يتم تصويرها لملء ساعات الإرسال الدرامية على الشاشة.. وكان المسرح يضم أربع شعب هى المسرح الحديث والمسرح العالمى والمسرح الكوميدى ومسرح الحكيم.. وكانت للكوميديا بالذات شعبية كبيرة.. ولا يزال كثيرون منا يتذكرون حتى الآن الصدى الذى أحدثته أعمال مثل أنا وهو وهى، ومطرب العواطف، وحالة حب، وأصل وصورة.. وكانت معظم هذه المسرحيات من اقتباس وتمصير المنتج الكبير، شفاه الله، سمير خفاجى «الذى لم يرد اسمه بين عشرات المكرمين فى حفل اليوبيل الذهبى»، وقد تألق فى هذه المسرحيات نجوم كبار مثل عبدالمنعم مدبولى وفؤاد المهندس وأمين الهنيدى وعادل خيرى ومحمد رضا وأبوبكر عزت ومحمد عوض وشويكار وخيرية أحمد وثلاثى أضواء المسرح وغيرهم، وكان كثيرون منهم من نجوم البرنامج الإذاعى «ساعة لقلبك».
وكانت هناك برامج منوعات عديدة لقيت قبولا كبيرا لدى المشاهدين، بينها «كاميرا 9» لأمانى ناشد و«كلمة السر» لنجوى إبراهيم، التى اختطفتها السينما فيما بعد.. أما سمير صبرى الذى وضع قدما فى السينما وأخرى فى التليفزيون فكان قبل «النادى الدولى» هو المايسترو المعتمد لمهرجان التليفزيون الدولى الذى عادة ما كان يعقد فى الإسكندرية، وعادة ما يستضيف فاتن قلوب المصريات روجر مور نجم المسلسلات الأمريكية.. وكان ميلاد بشارة يقدم معه المهرجان فى الوقت الذى يقدم فيه برنامج «الباليه» ويخرج «مجلة التليفزيون»، ولكنه سرعان ما هاجر إلى كندا.. وقد فاقه فى الشهرة كمخرج محمد سالم رائد برامج المنوعات ومبتكر الفوازير، وكان قد قدم من أمريكا عند افتتاح التليفزيون بعد أن درس التمثيل هناك، ولكن كامل الشناوى أقنعه بأنه ممثل فاشل، ولم يكن قاسيا فى ذلك.. كان الأستاذ كامل يحبه ودائما ما يداعبه، وكنت كثيرا ما أحضر جلساتهما فى «نايت اند داى» فى فندق سميراميس، التى كانت أحيانا ما تنتهى بظهور عبدالحليم حافظ، ثم يأخذنى الكل إلى بيتى فى سيارة أحدهم، لا اهتماما بى ولكن لأننى كنت أسكن فى مصر الجديدة، وكان كامل الشناوى لا يستطيع النوم حتى يكمل جولة طويلة في شوارع القاهرة عادة ما تستمر حتى الفجر وتنتهى فى بيته بجاردن سيتى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.