عشرات ومئات وآلاف من الاخبار ناهينا عن التحليلات التي لا ينتظر أن نتضب لعقود طويلة قادمة, وهي تسأل لماذا كانت الحرب علي العراق, ومثلها عن الحاصل في أفعانستان, ومتي يسدل الستار علي المأساة الإنسانية المروعة التي تدور رحاها علي قمم السفوح الهائلة التي تعكس مدي تعقيد الحالة الأفغانية, وبطبيعة الحال لا يمكن للسينما أن تنعزل بل العكس هو الصحيح فكم هي الأعمال التي توغلت بدورها في أكثر بؤر التوتر والعنف خلال العقدين الماضيين, فاضحة المستور والمخفي وكأنها تحاكي موقع ويكليكس الذي نشر أخيرا وثائق مخيفة تتعلق بشكل أساسي بالغزو الأمريكي للأراضي العراقية وما تلاه من تطورات دامية مازلت تحصد الارواح من الابرياء ومثلها عن أفغانستان وأن بدرجة أقل لكن الأمر لا يمنع من تسريبات تفضح عن تورط السلطة في كابول بعمليات مشبوهة. وها هي عدد من الشرائط الجادة تجد طريقها إلي شاشات العرض في مدينة أنطاليا وذلك خلال أيام مهرجانها السينمائي السابع والأربعون والمعنون بالبرتقالة الذهبية والذي تعرضنا إلي بعض لياليه الاسبوع الماضي, وبدورنا نعيد قراءتها ونتوقف عند صرخاتها التي اتسمت بلغة سينماية راقية وحس نقدي شديد القسوة, ويالها من مصادفة أن تكون البدايات الأولي للحرب علي العراق محور الشرائط التي شاهدناها هي نفس الفترة التي ذهب فيها ماريو بارغاس يوسا الحائز علي نوبل في الاداب هذا العام إلي بغداد التي كانت رائدة في الشرق الأوسط خلال الخمسينينات علي حد قوله, إلا أنه وما إن وطأت أقدامه أرضها إلا ووجدها مدينة القرون الوسطي, وعراق إجمالا وقد تحولت مدنه إلي خراب كامل تحت أعين الجنود الامريكيين الذي بقوا وكأنهم مكتوفي اليد, ثم يمضي قائلا في مقال له خطه بالاسبانية قبل ستة سنوات تقريبا' اربعون سنة قضي فيها النظام الديكتاتوري علي حضارة ارتقت بالمجتمع العراقي وكيف استقبل العراقيين الأمريكيين بالترحاب لكنهم سرعان ما ضاقوا ذرعا بهم لأنهم بساطة قد ساهموا في تمزيق البلد الذي جمع الحسنيين الماء والنفط وبدلا من كونه أرض الهلال الخصيب صار ساحة مخضبة بالدماء التي لم تجف بعد!! وعلي أي حال ما احتار يوسا بشأنه ها هي الافلام التي نالت إعجاب جمهور مهرجان انطاليا ومعظمهم من الشباب تجيب عليه وتكشفه بجلاء, المثير أن تلك الأعمال التي أظهرت إلي أي مدي تشعب أخطبوط المافيا وتشابك مصالح المال والنفوذ في إتخاذ واستمرار الحرب كانت من نتاجات أستديوهات السينما في كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة البريطانية الحليفان واللذان قادا ولازالا الحاصل في العراق. في طريق الهلاكRouteIrish البريطاني المدعوم إنتاجيا من فرنسا وبلجيكا واسبانيا وأخرجه المخضرم كين لوكاشKenLoach المولود عام1936 وكتب له السيناريو بول لافريتيPaulLaverty نحن أمام دائرة أخطبويتية محكمة لا فكاك منها وهي خليط من أجهزة استخبارات وصناع قرار وعملاء محليين مدعومين بدورهم من نافذين في صنع المشهد العراقي والضحاياه هنا ليس فقط العراقيون بل من البريطانيين وبنيران صديقة ولكنها متعمدة مع سبق الإصرار والترصد وهذا ما حدث علي وجه التحديد مع فرانكلي صحيح أننا لا نراه إلا في بعض مشاهد قليلة منها وهو ممدد داخل تابوت كل ذلك من خلال الفلاش باك إلا أنه يعتبر الشخصية المحورية في العمل ككل بيد أن منه وحوله تنطلق أحداث الفيلم البليغ في معالجته السينمائية وحتي تكتمل المأساة سنكتشف مقتل فرانكلي أحد رجال القوات البريطانية الخاصة كان معدا له سلفا واتخذ قرار اغتياله وهو في طريق عودته إلي بلاده وهو ما يعني أن الرجل كان يحمل في جعبته الكثير والكثير ومن ثم لابد أن تدفن تلك الأسرار معه ولكن هيهات لقد تكشفت بعض جوانب الحقيقة أو علي الأقل بات هناك يقين في وجود أياد قذرة نسجت شبكة هائلة من المصالح تقتات من الجسد العراقي ومازالت تمد خيوطها وويل من يخرج منها. ومن خلال صياغة سينمائية لعبت علي نفس الوجع ينقلنا المهرجان إلي هلاك آخر ما بعده هلاك أنه الهدنة أوCeasefire أوWaffenstillstand الألماني السويسري المشترك ومضمونه هو العبور إلي الموت أي الفالوجا تلك المدينة التي قيل عنها أنها تبعد ثمانين كيلو مترا فقط من بغداد إلا أن الوصول إليها كان أشبه بالوصول الي أقاصي المعمورة, تعرجات لا نهائية تسلمك إلي أخري وهكذا, والرعب في كل شبر لكن لم يكن هناك مفر من الوصول إلي الفالوجا, أنها مهمة عمل لفريق إعلامي وتليفزيوني عليه رصد العنف المجنون الذي يلتهم الاخضر واليابس هذا هو الوجه الأول لكن الآخر هو مد يد العون لعشرات الجرحي من الاطفال والشيوخ وسط نحيب النساء الثكالي وهم يرون أبناءهم يموتون ببطء أمام أعينهم فلا أسعافات أو امدادات أو كهرباء او ماء لا شيء البتة ويبدو أن الشريط الذي أخرجه لان كيلوت فون ناسوLancelotVanNaso وشارك في كتابة السيناريو مع كل منKai-UweHassenheit وCollinMcMahon اعتمد علي وقائع حقيقية جرت عام2004. من العراق إلي بقعة دموية قاتمة شديدة السواد أنها أفغانستان وأحداث بعيدة عن الراهن المعيش في هذا البلد الفقير في كل شئ, ويبدو أن القائمين علي المهرجان حرصوا علي عرض هذا الفيلم الطويل(139 دقيقة) الذي يعود إنتاجه إلي عام2005 لأن أحداثه الي تعود إلي السنة الأخيرة من الوجود السوفيتي وقبل انسحابه ثم إنهياره وتفككه فيما بعد بدت وكأنها ممهدات للحاصل الآني, أنهThe9company أو9Rote الروسي الأوكراني الفنلندي المشترك والذي أخرجه بإقتدار بالغ FyodorBondarchuk. وبدا للوهلة الأولي أننا بصدد عملا ديماجوجيا دعائيا فظا يمجد البطولة الروسية في حقبتها البلشيفية ولكن ومع تتابع المشاهد ظهر لنا الفيلم بناءا دراميا متكاملا في عناصره الفنية محتواه ليس صرخة واحدة بل لنقل صرخات متتاليه لعلها من أناس عاديين هم في الحقيقة شباب كان يفترض أن يكون واعدا, لكن زج به في اتون عبثي لا معني أو طائل من ورائه, تلك الشخوص حتي وأن لم تفعل ذلك مباشرة إلا أن دواخلها تتساءلت في حسرة, لماذا نحن هنا في هذا المكان السحيق بكل ما تحمله الكلمة من دلالات باختصار يمكننا أن نقول عن هذا الفيلم أنه عمل نقدي شديد القسوة والدليل علي ذلك أنه تعمد في أن يري المشاهد كيف تقتل الاوراح بشكل متبادل بل الهزيمة ستكون من نصيب من الغزاة الذين جاءوا بطلب من الخونة الذين سيشنقون علنا في الساحات والميادين وسط تهليلات التكبير وبمباركة لا محدودة من قبل الولاياتالمتحدةالامريكية, ويالها من سخرية فجنود الأخيرة يذيقون الموت نفسه الذي يهب من تلك الجغرافيا المعقدة بتضاريسها الحادة الشاهقة.