افتتاح مهرجان ابوظبي هو في العادة افتتاح لايحمل مظاهر إبهار أو أشكالا مختلفة من الاستعراض كعادة المهرجانات السينمائية الأخري, كل هدف القائمين علي المهرجان ومنهم رئيسه الأمريكي الجنسية بيتر سكارلت هواختيار بعض الأفلام المتميزة عالميا التي انتجت أو عرضت في السنة الماضية في العالم لتقديمها للمشاهد الكوزموبوليتان الذي يستهدفه المهرجان من سكان دولة الامارات مضافا إلي ذلك بعض الضيوف من الوسط السينمائي والنقدي. غير أن ادارة المهرجان هذا العام تلغي عنه صفة الشرق أوسطية التي لازمته منذ بدايته بهدف اقتران اسم المهرجان بالمدينة التي تقام عليه. المهم في افتتاح هذا العام كان التأكيد علي مناصرة المخرج الايراني جعفر بناهي كتعبير عن مناهضة أي من أشكال القمع السياسي التي قد يواجهها الفن من النظم البوليسية. هذا علي الرغم من أن بناهي كان قد أفرج عنه من السجن في مايو بعد أن قام بالاضراب عن الطعام وبعد أن سانده العديد من فناني العالم خلال مهرجان كان الماضي ومنهما الممثلة جوليت بينوش التي حملت لافتة باسمه عندما صعدت لتتسلم جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم نسخة مصدقة للمخرج الايراني الشهير عباس كيروستامي. بناهي كان قد قبض عليه لتأييده حسن موسوي مرشح الانتخابات الرئاسية الايرانية التي اقيمت في عام2009 واتهم- وقتها- مناصرو موسوي حكومة محمود أحمدي نجاد بأنها تلاعبت في الاصوات الانتخابية لصالح الأخير فيما عرف وقتها بالثورة الخضراء. ويبدو أن سكارلت أراد أن يؤكد وضعية المهرجان عالميا فعرض فيلم بناهي القصير أوكورديون في حفل الافتتاح. كان الفيلم قد عرض أول مرة في مهرجان فينيسيا الشهر الماضي مما يعني أن مهرجان أبوظبي يعرض فيلم بناهي للمرة الأولي في الشرق الأوسط. بناهي كان قد حصل علي جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينسيا عام2000 عن فيلم الدائرة. وفيلمه الاوكورديون هو فيلم بسيط مدته8 دقائق يحكي عن طفلين- ولد وبنت- يتسولان عن طريق عزف الموسيقي في الشارع. الصبي يعزف علي الأوكورديون بينما الطفلة علي الطبلة. بناهي لديه مهارة تجعله يوصف بأنه مخرج شارع, أي أنه قادر علي الاستفادة من التفاصيل في الشارع الايراني, وهذا ما بدا واضحا في فيلمه الدائرة الذي يدور كله تقريبا في شوارع طهران. فيلم أوكورديون أيضا يصور في الشارع حيث يتحرك العازفان أثناء العزف غير أن الطفلة تكتشف أنها أمام جامع فتفزع وترتدي الحجاب بسرعة. وربما تعمد المخرج إرباك المشاهد في جنس الطفلة قبل أن ترتدي الحجاب, أو لنقل أن المخرج أراد أن يجعلنا ننتبه لجنس الطفلة فقط عندما وضعت الحجاب, موضحا أن حالة التقسيم هذه بسبب الحجاب عند الأطفال ليس لها معني علي الاطلاق. سرعان ما نكتشف أن أحد الرجال يصيح في الصبي وينهره لأنه يعزف أمام الجامع وتحدث جلبة بين الرجل الذي ينتزع الأوكورديون ورجال آخرين في الشارع يريدون منه أن يترك الصبي وآلته الموسيقية وشأنهما. إلا أنه ينجح في النهاية في انتزاع الأوكورديون منه. ليتحرك الفيلم في رحلة بحث في محاولة من الطفلين للعثور علي الرجل الذي هرب بالأوكورديون. يسمع الطفلان صوت الأوكورديون من بعيد ويمشيان لفترة فيكتشفن أن الرجل الذي منعهما من العزف يحاول هو ذاته أن يعزف وحده. من المؤكد أن الفيلم يحمل في طياته العديد من المعاني التي يستطيع المشاهد العادي أن يستخلصها. فنحن أمام الرجل المتطرف الذي يقسو علي طفلين لمجرد أنهما يتسولان بالموسيقي إنه لايمثل الشرطة بصفتها السلطة التنفيذية بل يمثل السلطة الشعبية الدينية. عدة تفاصيل صغيرة مهمة في هذا الفيلم تلخص العديد من المعاني الخاصة بالمجتمعات المنغلقة مثل المجتمع الإيراني, إننا أمام أبسط أشكال الحرية وهي كسب الرزق المباشر بالموسيقي.وهي مهنة موجودة في العديد من المجتمعات في العالم سواء مجتمع غني أو فقير. إن نهاية الفيلم توضح العديد من المعاني القوية وهي رغبة الطفل الذي انتزع منه حقه وحريته يريد أن ينتقم من الرجل فهو يحمل في يده حجرا كي يقذفه عليه, شكل تقليدي من أشكال مقاومة السلطة بالعنف. ولا يتوقف إلا عندما يسمع الأوكورديون وتجري الطفلة لتعزف مع الرجل الذي لايعرف شيئا عن العزف. وينتهي الفيلم بأن يقوم الصبي بالعزف مرة أخري علي الأوكورديون الخاص به مخرجا موسيقي جميلة بعكس النشان الذي كان يخرجه الرجل. لاشك أن السينما الايرانية بشكل عام استطاعت في التسعينيات وحتي الآن أن تبرهن علي براعة مخرجيها في السيطرة علي الأطفال وبعض العامة في الأفلام ليقوموا بالتمثيل بشكل احترافي حتي يقترب الفيلم بشكل أكبر من الواقع. إن هذا بالضبط ما استطاع بناهي أن يقوم به في أوكورديون. غير أن الفيلم لايبدو من نوعية الأفلام المبهرة بفكرتها. فالفكرة من الممكن أن تكون بسيطة لكنها في ذات الوقت من الممكن أن تكون مبهرة أو مفاجئة للمشاهد. هذا الفيلم في بدايته يبدو صادما لكن ليس بشكل كاف وبعدها بفترة ربما تتوقع ماقد يؤدي إليه تتابع الأحداث. وهي صفة إذا أصابت فيلما أفقدته قيمته الفنية. غير أنه يحسب للمخرج أن الفيلم يلخص العديد من التفاصيل الانسانية والفلسفية في المجتمعات المنغلقة في8 دقائق فقط. من المؤكد أن الحرية غرض من أغراض الفنون بشكل عام. وهي تتخذ أشكالا عديدة عند كل فنان أو كل صانع فيلم علي وجه التحديد فبينما نجد أن فيلم بناهي أوكورديون يحمل فكرة شديدة البساطة وينفذها في8 دقائق نجد فيلما سوريا يعرض في المسابقة الرسمية للمهرجان بعنوان روداج يقدم معاني عن الحرية والخوف بشكل أكبر قليلا ولكن في مدة مائة دقيقة. روداج تعني باللهجة المصرية تليين موتور السيارة بعد أن يكون قد تم تجديده ميكانيكيا, وهي كلمة مستوحاة من الفرنسية. يقول المخرج نضال الدبس أن عنوان السيناريو كان في البداية رقصة النسر غير أنه في مرحلة التصوير شعر أن كلمة روداج هي التي تمثل مضمون الفيلم بشكل أكبر. ويؤكدعلي أنه لم يصل إلي معني للكلمة عند ترجمتها بالانجليزية مثل معنيtaming ترويض وهو أيضا واحد من المعاني الضمنية في الفيلم أراد المخرج وكاتب السيناريو أيضا أن يقدم حالة من الصراع بين حرية الحب والعشق والخوف من سلطة الأخ وسلطة الأمن أيضا. الفيلم يتناول شابا يعمل ميكانيكيا يدعي جهاد ويحب فتاة تدعي نوال غير أنه بشكل دائم يكبح حبه بسبب شقيقها الذي يعمل في الأمن السوري ويخشي من نفوذه وسلطته الكبيرة. المخرج طوال الفيلم يحجب شقيق نوال ولايظهره في محاولة للتأكيد علي أن حالة الخوف هي حالة داخلية. السيناريو ينتقل إلي مرحلة التعقيد عندما يخرج العاشقان في نزهة بسيارة جيب كان جهاد يصلحها وأراد أن يجربها ويتنزه بها مع رفيقته في الصحراء. غير أن السيارة تنقلب ويصاب العاشقان. يتحرك جهاد بوعي أو بدون بعيدا عن الحادثة تاركا رفيقته وحدها في الصحراء. فينقذه البدو وعندما يعود يشك في أن رجلا كهلا يدعي محمود يعيش في بيت ملحق بمحطة بنزين مغلقة قد يكون حملها وأنقذها. فهذا الرجل حمل أيضا بطريقة ما السيارة المحطمة, غير أن أحساسه بتأنيب الضمير بسبب ترك عشيقته بجانب السيارة جعله يمر بمراحل متنوعة من الخوف من مواجهة زميله في الورشة بالحقيقة وأيضا مواجهة محمود الذي يعيش في الصحراء بالجرم الذي فعله. الفيلم ينتقل بداية من هروب جهاد خوفا من بحث الشقيق عنه بعد أن اختفت نوال. وبين محاولته معرفة أين هي من محمود الذي كان عميدا في الجيش في السابق وترك الحياة وآثر ان ينعزل عن العالم. يتحول الفيلم تدريجيا ليحمل حوارا فلسفيا عن معان مطلقة بين الحب والقدرة علي قيادة العلاقة العاطفية. وعدم الخوف من أي أشكال السلطة. إن تلك المعاني التي أراد ان يرسمها نضال الدبس بدت وكأنها معان قدمت سابقا في افلام كثيرة منذ عشرات السنين وربما تكون قد قدمت في الأعمال السورية سابقا في الثلاثين سنة الماضية, ولا تبدو طريقة الدبس في تقديم تلك المعاني طريقة متطورة إذ انها طريقة فقيرة في شكلها وتركيبها. غير أن الشيء الاكثر سوءا في الفيلم أن السرد لايتطور علي الاطلاق بل إن الحوار يتكرر طوال الفيلم لمرات عدة وبنفس الطريقة تقريبا. وكأن كاتب السيناريو لايستطيع ان يتخيل أو يفكر في أشياء ممكن أن يقوم بعملها رجل مثل محمود وشاب مثل جهاد في هذا المكان النائي. أيضا فقد نلاحظ أن حيل الاخراج انتهت تماما في اقل من نصف ساعة في الفيلم. حتي المعاني المطلقة التي أراد المخرج التأكيد عليها طوال الفيلم بدت مفككة إلي حد كبير وتفتقد للتناسق. أما من ناحية التمثيل فإن الشاب الذي قام بدور جهاد بدا مفتعلا بعض الشيء وتسبب ذلك في أن يخرج عن أدائه في كثير من الأحيان في حين أن الممثل الذي قام بدور محمود كان متماسكا إلي حد ما.